العدد 4706 - الأحد 26 يوليو 2015م الموافق 10 شوال 1436هـ

العقارب لا تُربّى في الأحضان

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سأبدأ بحادثة وقعت قبل 8834 يوماً. أقول يوماً وليس عاماً، أي قبل 24 سنة وشهرين من اليوم. كان هناك لقاء انتخابي عام في منطقة هندية اسمها سريبرمبودر، يتصدّره رجل في السابعة والأربعين من العمر، وهو سليل عائلة حاكِمَة ومن علية القوم. تقدمت امرأة في الـ 35 من العمر تُدعى ثينموزي راجاراتنام بكامل أناقتها نحو المرشَّح لتهديه باقة ورد فوَّار مُدوَّرة بكل ود، كما فعل آخرون خلال الحفل. كان ذلك بالتحديد عند الساعة 10:20 دقيقة مساءً.

وطبقاً للأعراف الهندوسية انحنَت المرأة صوب قدمَيْ المرشّح لأداء أقصى درجات الاحترام. لكن المفاجأة أن المرشّح لم يكن يعلم، أن تلك المرأة الأنيقة صاحبة النظارات الطبية كانت تتزنَّر بحزام ناسف به 700 جرام من المواد شديدة الانفجار تُخبّؤه بين ملابسها. فما إنْ أوهمت المرأة الانتحارية المرشّح وحُرَّاسه بإيماءتها حتى دوى انفجار رهيب في المكان هشَّم وجه الرجل وكامل صدره فقُتِلَ في الحال.

كان الضحية هو راجيف غاندي، أصغر رئيس وزراء هندي ونجل رئيسة الوزراء الهندية المغدور بها إنديرا غاندي التي اغتيلت هي أيضاً قبله بسبع سنين.

لقد تبيّن أن الانتحارية ثينموزي راجاراتنام التي قامت بالعمل الإرهابي تنتمي إلى حركة «نمور التاميل» السيرلانكية. ورغم أن الهند (وشخص راجيف غاندي) كانت تربطهما بالتاميل علاقات إثنية ودينية قوية، كونهما ينتميان للمكوِّن الهندوسي الآسيوي، إلاَّ أن ذلك لم يشفع للهند ولا لراجيف لأن يأمن شرّ منظمة مسلحة كانت على قوائم 27 دولة على أنها منظمة إرهابية. كانت الهند قد دخلت كوسيط فارض للهدنة والسلام في سيرلانكا مطلع الثمانينيات بقوة عسكرية قُدِّرت بـ 50 ألف جندي، لكن الهدنة انهارت واتهم التاميل الهند بممالأة كولومبو.

الحقيقة، أنني أستحضر هذا الأمر وأنا أقرأ الأوضاع الجارية في تركيا اليوم، بعد التفجير الإرهابي الذي نفّذه تنظيم «داعش» في حديقة المركز الثقافي في مدينة سوروج وراح ضحيته أزيد من 31 شهيداً و100 جريح. وبالمناسبة، فإن بعض التحقيقات قد أشارت إلى أنّ مَنْ نفّذ التفجير في سوروج كان امرأةً أيضاً، لكنها في الثامنة عشرة من عمرها وليس الخامسة والثلاثين كما في حالة ثينموزي، وتنتمي إلى تنظيم «داعش» وليس للنمور. إنه التاريخ حين يُعيد أحداثه بدقة.

حكومة رجب طيب أردوغان تجاهلت كثيراً الدعوات التي كانت تطلب منها إعادة حساباتها في العلاقة مع أطراف الحرب الأهلية في سورية، فضلاً عن الصراع ذاته. فهي أولاً تشترك مع سورية في 911 كيلومتراً. وتشترك معها في أهم أربع أقليات: أكراد، علويون، أرمن، مسيحيون، اثنتان من تلك الأقليات هي في حالة خصومة مع أنقرة (الأكراد والعلويون)، الأولى بسبب الرغبة في الكَيْنَنَة، والثانية بسبب الموقف التركي من الأزمة السورية. أما الثالثة فخصومتها مع أنقرة تاريخية (الأرمن)، فضلاً عن انفتاح الجرح الطائفي الأوسع، الأمر الذي كان يعني أن الأمر حتماً سينفجر.

كان موقف حزب العدالة والتنمية سلبياً في التعاطي مع تلك التقاطعات، ففي الوقت الذي كان فيه الصراع محتدماً ما بين الأكراد والمتطرفين الإسلاميين في كوباني وتل أبيض والحسكة، كان الموقف التركي ضبابياً من المعركة وغير مُحدَّد المعالم، الأمر الذي دفع بتنظيم كـ»داعش» لأن ينقل معركته مع الأكراد إلى العمق التركي دون أن يكون له أدنى مراعاة للتوازنات الدقيقة هناك، ما دفع الأكراد لأن يُفسِّروا ذلك على أنه ضوء أصفر من أنقرة لخصومهم، وهو ما فجَّر الأوضاع الأمنية في تركيا حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، حيث امتدت المعركة من جرابلس شرقاً حتى أعزاز غرباً، وبعمق يصل بين منبج ومارع في سورية، ثم ما يقابل ذلك من مدينة كيليس إلى كردستان العراق، حين قامت طائرات حربية تركية بقصف مواقع لحزب العمال الكردستاني.

لقد ظهر أن حديث المعارضة التركية صحيحٌ في عدم تحرك حكومة حزب العدالة والتنمية لضرب المتطرفين الإسلاميين الذين كانوا يقصدون سورية عبر الأراضي التركية وغض الطرف عنهم، حين قامت أجهزة الأمن التركية باعتقال المئات منهم في يوم واحد، وهو ما يعني أنها كانت تعرفهم وترصدهم، لكنها فعلت هذا الآن بعد أن غدروا بها. فخالص بايانجوك على سبيل المثال والملقب بـ «أبي حنظلة»، والمشتبه بترؤسه خلية لـ «داعش» في اسطنبول، كان قد اعتُقِلَ العام الماضي لكن أخلِيَ سبيله، على الرغم من أنه ليس معروفاً فقط على أنه يُجنِّد الشباب لـ»داعش» بل يكتب لها مقالاتها في وسائل إعلامها أيضاً.

كانت أنقرة تعتقد أن معارك عين عيسى وكوباني وغيرها ما بين وحدات الشعب الكردي السورية وبين أطراف إسلامية متطرفة فرصة لإضعاف القوة الكردية، ومنعها من التمدُّد، عبر دعم خصومها. وكان ذلك خطأ فادحاً، حيث أدخَل تركيا في معادلة دولية تسارعت وتيرتها بعد اصطفاف الأميركيين مع الأكراد لتوسيع نفوذهم على طول خمسين كيلومتراً بالقرب من الحدود السورية التركية، في رسالة واضحة من واشنطن لأنقرة التي اتُهِمت بمساعدة جبهة النصرة في السيطرة على إدلب، ومعظم الأراضي التي كسبتها المعارضة في الشمال السوري، فضلاً عن بحث المتطرفين عن أية ثغرة كي يُوسّعوا معركتهم ضد الأكراد حتى ولو كان في داخل تركيا.

اليوم، جرَّت السبحة ما بعدها. انفجار سوروج. اتهام كردي للحكومة بالتساهل مع المتطرفين الإسلاميين. مقتل ضابطين تركيين. هجوم كردي على مبنى مديرية أمن بيسميل بدياربكر. هجوم تركي على قواعد حزب العمال الكردستاني. انهيار خطة السلام بين الجانبين. هذا هو المشهد التركي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4706 - الأحد 26 يوليو 2015م الموافق 10 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:28 م

      احم احم

      هو هذا اردغان ما يدري الله وين امخلنه ولا هو عارف يقعد عدل المنطقة مشتعلة وهو رايح جاي امسوي روحه طرزان تقعد مثل الناس قال لا ؟ يا حجي اردغان كل الحكام ايسوون روحهم جبناء قال لا انا مو جبان ؟ اللا بسوي منطقة عازلة من الجو ؟ يا حجي شنو يمنعك شغل رادر واي طائرة اتجي اضربه ؟ لكن شمال سوريه مافيه طائرت ؟ ومن تدخل قوات برية بيخلونك تعرف حجمك ليش اتغامر قال لا لازم اغامر

    • زائر 5 | 5:38 ص

      تحليل خبير

      أحسنت

    • زائر 4 | 1:42 ص

      الى اكثر من هذا فهم يستاهلون اقصد الحكومة التركية

      تصفير المشاكل ونجحوا وتكثير المشاكل ولنرى النتائج التي اتمناها ان يستلم الجيش الحكم لان تركيا العلمانية في طريقها للزوال على يد هذا الحزب الاسلامي المتشدد الذي فقد البوصلة الوطنية والذي دمر العراق وسوريا وليبيا ويسعى لتدمير مصر وتونس والذي نطلبه من الله ان لايبلغ مناه وان يشرب من نفس الكأس هم والدول الاخرى الداعمة للإرهاب في سوريا الراغبة بنشر الديمقراطية هناك وهي لا تملك الحد الأدنى منها

    • زائر 3 | 12:08 ص

      من أخبار أمس أن

      السلطات التركية تستجوب 4500 مشتبه فيهم، وتمنع 1000 من دخول البلاد

    • زائر 2 | 10:48 م

      أحسنت

      مقال رائع

اقرأ ايضاً