العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ

الثائر الحق

معاذ المشاري muath.almishari [at] alwasatnews.com

من الكنوز الفلسفية التي تركها فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله والتي التفت عن صقلها كثير من الناس، هي وصايا فكرية لصيقة بذات الواقع العربي الحاضر، وهي التي تختص بإيداع حقائق مؤلمة ومكروهة في النفس المتعجلة والأمارة بالسوء والمخادعة لها إن حاولت إقناع الجماهير بأنها جزءٌ لا يتجزأ وذات لون واحد لا يتغيّر؛ وأن المخالفين لهذه النفس الجماهيرية لا قيمة لقهرهم إن شعروا بالألم نفسه الذي تبثه جماهير أخرى ترى وتسمع وتتكلم، وأن سيطرة بعض الجماهير على لسانها وانفعالاتها قد تضعها في خانة الارتماء في أحضان الظلم والبؤس بحسب تصور الطرف المطحون بالظلم، مع إغفال حقيقة التبعية الاجتماعية لهذه الجماهير الصامتة وامتثالهم لتحريم محاكمة التراث الإسلامي والاجتماعي والتاريخ الوطني بلاشك للخروج من هذه الدائرة الضيقة التي يحتكر الظلم وجودها والمظلوم رسم قطرها.

مما قاله الشيخ الشعراوي رحمه الله بما معناه أنه (قد يثور المدنيون ضد فساد ما، ويجب أن يكون الفساد ظاهراً، وأن المطحونين بالفساد دائماً ما يتعلقون بمن يحارب الفساد، إلا أن آفة الثائر أنه يظل ثائراً، فالثائر الحق هو من يقوم ليهدم الفساد ثم يهدأ ليبني الأمجاد). وقد أوصى رحمه الله الثائر بأن لا يضع المظلومين على رجل ثم يركل الآخرين بالرجل الأخرى... وبذلك يتحقق الهدوء بحسب تعبيره.

غاية ما أرجو بيانه هو أن الثائر الحق عندما يتحدث عن وضع ما فيجب عليه أن يضع نفسه في مكان جميع المستمعين إليه، ولا يستثني أحداً قط، ويلحظ بيانه ويراقب أداءه ويحاكم نداءه ويتقي في توجيه فدائه، ويقدّم نفسه وأبناءه كقدوة للنضال المجيد المترفع عن المتاجرة الدموية والمصلحة الدنيوية واقتناص الفرص المربحة والحسابات المتغيرة. عليه أن يبتعد عن الشرود الذهني والخيال البعيد المصاحب للانفعال الذاتي الباحث عن التضحيات المضرة بالوطن والمواطنين.

ليس بعيبٍ أن يرافق النضال هدوءاً، أو يرشد الهدوء إلى نضال صالح، منتج لبناء أمجاد صغيرة أو كبيرة، فالغاية التي تشتق من الوسيلة درباً للنجاح هي الأنفع والأولى اتباعاً، وهي الأقدر على رسم الحقيقة الكاملة للثائرين الأصفياء والصامتين في آنٍ واحد، وكما أن خيار استباحة الدماء والتحريض على سفكها مع سفور بيان علماء الدين لتحريمه والتحذير من عواقبه يوحي بالاتجاه إلى تمرد فاشل ضد توجه العلماء الأجلاء من قبل أفراد يقلدون فئة تقليداً سياسياً لا وجود له في أحكام التقليد الفقهي، ويبحثون عن فتيل وقتيل، وليتهم يشيرون إلى عالم مقلّد حي يخالف توجه العلماء في البحرين لكي نتعرف على رسالته وأحكامه وبيانه التي لا وجود لها إلا في مخيلة بعض اليافعين والمتمردين على أحكام المذهب (المتشدّدة في المحافظة على الأنفس والأعراض والأموال). ولذلك هم يحاولون قدر المستطاع اجتناب الخوض في هذا الأمر تذرعاً بسريان سنن قانونية معيبة قد شرّعها الظلم وتقاعس الناس عن ردها، ويتجهون إلى فرض واقع بائس يقر بشرعية تقليد الظلم وإن كان في ذلك مخالفة كبرى للشرعية الإنسانية والعقائدية والوطنية كذلك... ومع ذلك نتمنى القبض على الجناة الحقيقيين لا سواهم وتقديمهم للعدالة والامتناع عن إلقاء الدروس أمام القضاء.

ليتهم يعلنون أنهم فوق المذاهب في أعلى المراتب، ليقول العالم إنهم ليسوا مع طائفة، أو ضد طائفة، إنما قاموا من أجل الإصلاح، ونهضوا في وجه المظالم لردها إلى المستضعفين المظلومين، وما أجمل اليوم الذي نقر فيه بأن أعظم ما يقوم به الثائر الحق هي ثورة على أركان فكره وكيد شيطانه.

إقرأ أيضا لـ "معاذ المشاري"

العدد 4720 - الأحد 09 أغسطس 2015م الموافق 24 شوال 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:18 ص

      أين هو الثائر الحق

      فبارك الله فيك

    • زائر 2 | 3:55 ص

      و نعم الراي

      و نعم الراي الوسط العادل شكرا لك واتضامن معك
      لكن خذ مثال العفو عند المقدرة . لو المظلوم يتمكن قليلا و يحقق شوي من العدالة و الانصاف المطلوب ايمانه بقضيته و اخلاقه لن تسمح له ان يدوس او يتجاوز الاخرين ابدا

    • زائر 1 | 3:26 ص

      افتقدناك يا اخ معاذ

      الاخ معاذ المشاري افتقدناك كثيرا وافتفدنا قلمك الوطني الوحدوي وكلمتك الصادقة والشريفة. اهلا بعودتك وننتظر مقالاتك . هذا الرمن الردئ المليء بالفتن والتدليس يحتاج لاشخاص شرفاء مثلك
      مع تحياتي

اقرأ ايضاً