جلستُ ذات يوماً مع والدتي في مكتبتها الخاصة في المنزل، حيث كانت منهمكة بين الأوراق تكتب سطراً وتمحو آخر، علماً بأنها من محبي تأليف القصص للأطفال. وبينما هي مشغولة البال تنظر لأوراقها تارة ولقلمها تارة، ومن ثم تنظر لي تارة أخرى، لذا سألتها: ماذا تكتبين يا أمي؟! فأجابت: أكتب قصة جديدة... فسألتها مرة أخرى: إذاً لِمَ تنظرين لي وأنت تكتبين؟ فقالت مبتسمة: أكتب قصة لك، ولكنني كلما كتبت سطراً محوته، فنظرت إلى قلمي الرصاص، لأنه يبدو أكثر أهمية مما سأكتب لك، كما أود لو تصبحين مثله، عندما تكبرين.

نظرت لها مندهشة، وقلت: أتتمنين أن أكون جماداً مثل هذا القلم يا أمي؟!... لكنها ضحكت مني وقالت: بالطبع لا يا حبيبتي، وإنما أتمنى أن تأخذي من القلم خمس صفات. فسألتها: وما هي؟!

فأجابت: أود أن تكون فيك من الخصال التالية:

1 - ممكن أن تقومي بعمل الأشياء العظيمة، تماماً مثل القلم، ولكن لا تنسَي أبداً أن الله سبحانه وتعالى منحنا هذه النعمة، فتذكري أن تشكريه وتحمديه دائماً وأبداً.

2 - تذكري أن قلم الرصاص ينكسر بين حين وآخر ويحتاج لمبراة، وفي حياتك أنت أيضاً قد تمرين ببعض الأخطاء التي ربما تشعرين بأنها كسرتك، ولكن عليك أن تستخدمي المبراة، حتى تعودي حادة وصلبة تماماً كقلم الرصاص بعد أن يدخل المبراة.

3 - أن قلم الرصاص يمنحك فرصة لنمحو ما كتبناه سلفاً، لذا فأنا أتمنى أن تكوني مثله وتعودي لمحو أخطائك وأن تكتبي مكانها أروع المواقف والأفعال.

4 - أشكال قلم الرصاص وألوانه الخارجية كثيرة، ولكن يبقى أن نحكم عليه من مادة الرصاص التي نخط بها، وأنا أتمنى أن تكوني مثله لا تحكمي على الناس بمظهرهم وإنما أرجو أن تحكمي عليهم بجوهرهم.

-5 وأخيراً أتمنى أن يكون لك أثر بارز وواضح في هذه الحياة كأثر قلم الرصاص على الصفحات البيضاء وبكل تأكيد أتمنى أن يكون أثراً صالحاً.

وديعة محمد

16 عاماً