العدد 4737 - الأربعاء 26 أغسطس 2015م الموافق 12 ذي القعدة 1436هـ

قوس الأزمات... وسيناريو لبنان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من حسن حظ شباب لبنان هذه الأيام، الذي ثار بوجه الطبقة السياسية الفاسدة، انه لن يخرج بوجههم من يتهمهم بالارتباط بأجندات طائفية أو بالعمالة لدولة أجنبية.

فالشباب الذي تحرّك ضد هذه التركيبة السياسية الطائفية المترهلة، لا ينتمي لأي حزب أو تيار سياسي، أو مكوّن طائفي محدد. إنه غضبةٌ لبنانيةٌ واحدةٌ، ذات آمال وطنية واحدة.

من حسنات هذه الحركة، أنها أعطت اللبنانيين الذين مزّقتهم السياسة، أملاً بإمكانية اجتماعهم على أهداف وطنية مشتركة، حتى لو كانت في حدود التخلّص من النفايات، إلى أن يرفعوا رؤوسهم لأهداف أخرى أكبر.

في تعليقه على الحراك، كتب طلال سلمان: «لقد انتبه اللبنانيون إلى أنهم بلا مجلس نيابي، لكنهم يدفعون الرواتب والمخصّصات لـ128 نائباً»! وطبعاً كل ذلك من المال العام، أو «على نفقة الدولة»، أو حسب التعبير الشعبي: «على كافوخ الشعب». ويزداد شعور الناس بأن البرلمان تحوّل إلى عبء عليهم، خصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصادية.

سلمان يصف هذا النظام بأنه «يجمع متناقضين لا يجتمعان: الطائفية والديمقراطية». وهي تركيبةٌ عجيبةٌ حقاً في هذا العصر. فكيف يجتمع في نظامٍ واحد، ممارسة الديمقراطية جنباً إلى جنب مع ممارسة الطائفية بأعقد صورها، وتحت سمع ونظر القانون. ويضيف: «نزلت الجماهير لتكشف غربة النظام عن الديمقراطية وعداءه لها، فلا هو برلماني ولا هو ديمقراطي. لا هو جمهوري فعلاً ولا هو ملكي. لا هو قبلي تماماً ولا هو علماني! فادعاء العلمانية يسقط مع تعيين الحجّاب ورجال خفر السواحل ناهيك بالجيش وقوى الأمن الداخلي عموماً».

الحراك اللبناني الأخير، وبغضّ النظر عمّا سينتج عنه، وسواءً حُلّت مشكلة النفايات أم ظلّت على حالها، فإنه وجّه رسالة واضحة إلى الساسة، تكشف مدى كراهية الناس واحتقارهم لهم. ففي هذا النظام «تغلب الطائفية الكفاءة. تحوّل الدولة إلى كونفدرالية طوائف. تسقط الطائفية حقوق الإنسان كل ساعة. وتُسقط الطائفية أعلى الشهادات الصادرة عن أرقى جامعات العالم» كما يقول سلمان.

هذا الحراك، حتى لو تم احتواؤه، بطريقةٍ أو بأخرى، فإنه هزّ أسس النظام الطائفي، وأعاد إلى الواجهة النقاشات التي انقطعت وتوقفت منذ 11 عاماً، خصوصاً فيما يتعلق بالخيارات الاقتصادية واستراتيجيات التنمية. فلأول مرةٍ بدأنا نسمع مجدّداً انتقادات حادة للمرحلة الحريرية، وخياراتها التي تسبّبت في تراكم الديون على لبنان حتى تجاوزت 57 ملياراً نهاية 2012.

هذه الانتقادات توقّفت وانقطعت تماماً عند اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري رحمه الله، بتلك الصورة البشعة. وهي انتقاداتٌ رافقت مسيرته في إدارة الحكومة في لبنان منذ مطلع التسعينيات، واستمرت عشرين عاماً، حتى اغتياله في 14 فبراير/ شباط 2004. ومن زار لبنان قبل ذلك التاريخ وسمع أحاديث اللبنانيين أو قرأ كتاباتهم، يدرك أن سياساته لم تكن موضع رضا الكثيرين. فالتنمية حين لا تكون متوازنةً وموزّعةً على كافة المناطق فيعاني بعضها من الحرمان أو النسيان، ولا تؤتي ثمارها لأكبر قطاع ممكن من الشعب، فإنها تظل تنميةً ناقصةً ومبتورة.

اليوم نسمع مجدّداً عودة تلك الانتقادات، وبصورة حادة، حيث يرغب الكثيرون بتشخيص الداء ووصف الدواء. حرمة الدم وبشاعة الجُرم، انتهى تاريخ تأثيرهما على نظرة الجمهور وإسكاته، وعاد الناس ليناقشوا خياراتهم وسياساتهم وسياسييهم الذين أوصلوا البلاد إلى هذه الدرجة من الانقسام السياسي والتدهور الاقتصادي والتشظّي الطائفي. وخلال العامين الماضيين انتفضت عدة قطاعات للمطالبة برفع الرواتب، من أساتذة الجامعات إلى عمال الكهرباء، وكانت الدولة ترفض تعديل الرواتب بحجة الدين العام. ويرد عليها الجمهور: أليس الدين العام نتاج سياساتكم طوال عشرين عاماً؟

في مطلع الربيع العربي، كانت الشعوب تبحث عن الحرية والكرامة والخبز واحترام حقوق الناس. أما اليوم، وبعدما هبط سعر النفط إلى 40 دولاراً، جاء من يبشرنا بأنه سيهوي مرة أخرى إلى 20 دولاراً، وهو ما ينذر بكارثة على الجميع، دولاً منتجة أو غير منتجة للنفط، وما سيحدث في المستقبل القريب... تشاهدون سيناريوهاته الآن في العراق ولبنان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4737 - الأربعاء 26 أغسطس 2015م الموافق 12 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 19 | 5:15 م

      من المحرق

      وليش مايقول لو حزب الله كان جزء من الاحتجاجات لتحولت الي دماء و أشلاء من غير هالحزب اللي مخرب كل شيء في لبنان

    • زائر 17 | 9:17 ص

      لبنان استشرى فيه سرطان الطائفية

      الولاء للوطن حولته هذه الأحزاب الدينية والمذهبية إلى ولاء لمعتقدها فهل فيه أخطر من هذا تمر فيه أي دولة

    • زائر 16 | 9:14 ص

      كل

      كل السياسات في العالم تؤدي الى سياسة القوي فإن كان القوي شريرا فالشر سيعم العالم وإن كان القوي خيرا فالخير سيسود العالم والضعيف تابع لهذي السياسه او تلك غير هذا ماميش.

    • زائر 15 | 9:10 ص

      ازمات سياسية و هزات اقتصادية و تشظي طائفي ... ام محمود

      من المقال (ويزداد شعور الناس بأن البرلمان تحوّل إلى عبء عليهم، خصوصاً في أوقات الأزمات الاقتصادية) البرلمانات العربية لم تنجح في ارضاء الشعوب يغلقونها ابرك لان رواتب البرلمانيين و سياراتهم و سفرهم يستنزف الميزانيات و الناس ما عندها تأكل و لا ماء و لا كهرباء و النفايات متراكمة لاكثر من شهرين فالحديث عن لبنان و لكن به إشارات لذوي الألباب
      ثانيا الحراك اللبناني خرج من اهدافه و الشباب قاموا بالحرق و اتلاف الممتلكات و ضرب الامن بالحجارة و المولوتوف و هذا خرب عليهم اين السلمية و حرية التعبير الراقي

    • زائر 14 | 7:52 ص

      الى زائر 6 السنة عانوا الحرمان أكثر من سياسات الحريري

      هذه نتجية سياسات عمرها عشرين سنة من ايام الحريري. الاعتماد على الديون والقروض وترتفع خدمة القرض والدين وتتراكم ويعجز البلد عن سدادها وحتى عن توفير الاساسيات للشعب. حتى وصلت إلى قضية الزبالة وتجميد الاجور. الشهيد الحريري عمر وسط بيروت ولكنه لم يكتترث ببقية المناطق حتى مناطق السنة ولذلك هم يشكون اكثر من غيرهم. وكلام الكاتب موضوعي ويدل على معرفته بلبنان

    • زائر 13 | 7:40 ص

      خبر عاجل

      سعر النفط نزل الى 40 دولار. كيف راح يدفعون رواتب الموظفين بالحكومة؟

    • زائر 12 | 6:29 ص

      اغتيال رفيق الحريرى الغامض مازال لغزا ..... ام محمود

      كان الاغتيال في فبراير 2004 بطريقة بشعة جدا هزت العالم بالرغم من السيارة المصفحة ضد الرصاص و عشرات البودي جارد و لكن الموساد كان له الدور الاكبر في كل التفجيرات في لبنان...
      رفيق الحريري كلن معروفا عنه اياديه البيضاء في مساعدة الالاف من العائلات الفقيرة و طلبة الجامعات و كان له الكثير من المشاريع الخيرية ... قوى 14 اذار خربت صورة لبنان بعكس حزب الله بقيادة السيد حسن نصر الله كان الحصن المنيع لاي هجوم و كان بطل في الجهاد و الدفاع و لولاه ل تدمرت لبنان في 2006 و باقي الدول العربية

    • زائر 11 | 6:08 ص

      لبنان حفظه حزب الله من الحرب الإسرائيلية و من ارهاب داعش و الا ل تدمر مثل سوريا ... ام محمود

      الجمهوريّة اللبنانيّة هي إحدى الدول العربية الواقعة في الشرق الأوسط في غرب القارة الآسيوية. تحدها سوريا من الشمال والشرق، وفلسطين المحتلة - إسرائيل من الجنوب، وتطل من جهة الغرب على البحر الأبيض المتوسط. هو بلد ديمقراطي جمهوري طوائفي غني بتعدد ثقافاته وتنوع حضاراته. معظم سكانه من العرب المسلمين والمسيحيين. وبخلاف بقية الدول العربية هناك وجود فعال للمسيحيين في الحياة العامة والسياسية. هاجر وانتشر أبناؤه حول العالم منذ أيام الفينيقيين، وحالياً فإن عدد اللبنانيين المهاجرين يقدر بضعف عدد المقيمين

    • زائر 8 | 4:33 ص

      صباح الخير

      هاكدا كانت العلاقة الحميمة بين الرجلين ومقتل الحريري معروف سلفا من الذي اقتال الحريري بس في بشر لاتتعلم ولاتحب الحقيقه إسرائيل والموساد وراء اغتيال الحريري

    • زائر 6 | 2:38 ص

      رفيق الحريري

      الآن صار الشهيد رفيق الحريري هو سبب مشاكل لبنان و صديقك قائد المليشيا الطائفية الذي ادخل لبنان في حرب مدمره لا يتحمل اي مسؤولية ما هذه الطائفية يا حضرة الكاتب

    • زائر 10 زائر 6 | 4:46 ص

      السلام

      ويش اتقول يا زائر 6 شكلك ما تريقت الريوق اخلي الواحد أفكر أحسن

    • زائر 5 | 2:02 ص

      تحولت لبنان إلى دولة فاشلة بسبب أمراء الطوائف ولايهمهم مصلحة لبنان

      تقاسموا البرلمان والجيش والداخلية وحتى الأرض اللبنانية أصبحة كل قطعة وحارة معروفة لهذا الحزب الطاءفي أو ذاك وحتى الوظائف العليا في لبنان تقاسمة بينهم والمواطن أصبح صفر في وطنه اذا لم يلجأ إلى إحدى أمراء حرب الطوائف والعراق لايختلف عن هذا كثيراً

    • زائر 4 | 1:50 ص

      جاك الموت يا تارك الصلاة

      كان سعر النفط 100 وما قدروا يسوون شيء للشعب.الحين اذا نزل الى ربع القيمة شنو راح يسوون؟

    • زائر 2 | 1:03 ص

      حقيقة نظام لبنان

      النظام في لبنان هو " ملوك الطوائف". يورثون القيادة لأولادهم و مجموعاتهم تتحرك معهم. لبنان حارة كل من أيده الوه. لو لم يكن لاي فرد سند من قيادة احد الطوائف لما تمكن من العمل. حتي لو كان فتح محل صغير. يجب دفع الإتاوة لإحدي الطوائف مقابل الأمان من الشرطة و الأمن و من بقية الطوائف. من المؤسف ان يدعي هذا النظام بانه ديموقراطي.

اقرأ ايضاً