العدد 4745 - الخميس 03 سبتمبر 2015م الموافق 19 ذي القعدة 1436هـ

نظارة إبليس وحركة التنوير الإيماني

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

«أنا لستُ موجوداً في الشر والظلم والظلام والقبح... كما تزعمون»، هكذا رد إبليس على قول باحث عن الحقيقة.

فتعجب الباحث ورد بصوت مرتفع: «أنت تكذب، إذا لم توجد هناك؟ فأين توجد؟».

فقال إبليس بهدوء: «أنا موجود في النقطة الفاصلة بين الخير والشر، في النقطة الفاصلة بين النور والظلام، في النقطة الفاصلة بين الجمال والقبح، في النقطة الفاصلة بين العدل والظلم، في النقطة الفاصلة بين الصح والخطأ... أما في عمق الشر والظلم والقبح... فليس هناك إلا النفوس الضائعة، ليس هناك إلا البشر الذين فقدوا ضمائرهم وقلوبهم».

فتساءل الباحث: «ما هي النقطة الفاصلة؟».

فأجاب إبليس: «إنها موضوع فلسفي صعب، لكن اسمع جيداً لتفهم المعنى...الأشياء كلما صغرت صعب على العين رؤيتها، مثل الذرّة. فحتى يمكن أن نرى الذرّة يجب أن نكبرها بالمنظار إلى حجم معين يمكّننا من رؤيتها، هذا الحجم الذي وصلت إليه يمكن رؤيتها، وإذا صغرت عنه لا يمكن رؤيتها، هو النقطة الفاصلة».

واستطرد إبليس في شرحه: «كذلك النوايا والأقوال والأفعال في الشر والظلم والقبح...، كلما صغرت صعب رؤيتها، وبالتالي فإن الإنسان يمارس الظلم ولا يرى أنه يمارس الظلم بل يتوهم أنه عادل، وحتى يدرك أن ما عمله هو ظلم، يحتاج إلى تكبير فعله إلى الدرجة التي يمكن أن يراه ظلماً».

فسأل الباحث: «وماذا تفعل هناك؟».

فرد إبليس «أُصغِّر الأخطاء، إلى الدرجة التي يصعب على الإنسان رؤيتها».

فتساءل الباحث: «وكيف تصغِّرها؟».

فأجاب إبليس: «بالكراهية والحقد وبالتعصب والتطرف، فهم نظاراتي، التي تصغِّر فعل الإنسان إلى الدرجة التي لا يرى فيها شره، وظلمه، وعدوانيته، وقبحه، وعنصريته، وفساده وخيانته، وفجوره، وطغيانه... بعض البشر وصلوا إلى مرحلة يصعب عليهم رؤية أخطائهم رغم أنها كبرت بحجم السموات والأرض».

فسكت الباحث وهو ينظر إلى إبليس، إلا أن إبليس فهم ما يدور في عقله، وقال له: «حسناً سأريك شيئاً»، فحرك يده، فكشف عن مشهد؛ أرملة مع أيتامها الصغار الذين لم تتجاوز أعمارهم 3 سنوات، يتألمون من شدة الجوع والعطش، ولا أحد يعيرهم اهتماماً، لا لذنب اقترفوه، وإنما لأنهم ينتمون إلى فئة يكرهها المجتمع كرهاً.

فقال إبليس: «هل رأيت أن الكراهية، جعلت المجتمع لا يرى أن ما يفعله خطأ، لأن الكراهية تخلق له المبررات، وهذه المبررات تصغر الفعل الخطأ».

ثم نظر في عين الباحث وقال: «هذا هو مشروعي لتدمير المنطقة برمتها، فالبشر سواء كانوا في حكومات أو في معارضات لا يرون أخطاءهم فقد صغرتها إلى الدرجة التي لا يرونها، جميعهم يلبسون نظاراتي إلا ما ندر منهم».

فتساءل الباحث: «هل ستخبرني بكيفية خلع نظاراتك، أم تخاف على مشروعك من الانهيار؟».

فضحك إبليس وقال: «سأخبرك لكنك لن تستفيد، ما يمكنه أن يخلع نظارتي هو التقبل، والتسامح، والمحبة... ولتفهم ذلك تأمل في حياة الأطفال، يتشاجرون وخلال ثوانٍ يتسامحون ويلعبون ويفرحون مع بعضهم بعض وكأن شيئاً لم يحدث».

فقال الباحث بصوت قوي: «سأوقف مشروعك بسلاح التقبل والتسامح والمحبة، وسأحطم كل النظارات التي نشرتها في بلدان المنطقة».

فرد إبليس مستهزئاً: «إذا استطعت أن تنزع نظارتي عن زعيم داعش أبوبكر البغدادي، وتقبلك كإنسان، عندها سأعلن انتصارك وأعلن هزيمتي».

ثم نظر إبليس في عين الباحث، وقال: «مشروعي للمنطقة يسير بأفضل ما يمكن أن يسير عليه، ولكن ما يزعجني وجود حركة التنوير، وهي حركة صغيرة ولا تكاد تعرف، وليس لها وجود في الأعلام، ولكني أدرك أن شعاعاً واحداً من النور يمكنه شق ظلام الليل».

واستطرد قائلاً: «هل تعلم، أن النقطة الفاصلة بين النور والظلام، هي منطقة الصراع بيني وبين الأنبياء والمصلحين والمستنيرين والأخيار...، أنا أشدُّ الناس للظلام، وهم يشدُّون الناس للنور... ووجود حركة التنوير يعني أنا لستُ وحدي في النقطة الفاصلة وأن هناك من يصارعني».

فقال الباحث: «لماذا تخاف من حركات التنوير؟».

فرد إبليس: «أنا لا أخاف منها، ولكن حركات التنوير الإيماني هي مدد الله للارتقاء بوعي البشرية، وانتصارها سيغير الوعي في المنطقة بأكملها، فحركة التنوير هي بداية للانتقال إلى عصر جديد. عصر الإنسانية والأخلاق والقيم، عصر المجتمعات المبنية على الفضيلة والخير والنور... وهو ما يعني عملياً وقف مشروعي في تدمير المنطقة ووقف مشروعي في إغواء البشر».

فصرخ إبليس وقال بصوت غاضب: «كل المعطيات الحالية هي في صالحي، وسأسرع في وتيرة إنتاج وتوزيع ونشر نظاراتي على البشر، قبل أن تنجح أي حركة تنويرية إيمانية في وقف مشروعي لتدمير المنطقة».

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 4745 - الخميس 03 سبتمبر 2015م الموافق 19 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:39 ص

      شكرا لهذا المقال الجميل

      دائما مقالاتك جميلة معبرة تلمس جراحنا إنسانيا إقتصاديا، وغيره
      سلمت للوطن والناس.

    • زائر 1 | 1:30 ص

      جميل جدا

      مقال جميل جدا... و يلامس الجرح... تحول مجتمعنا البحريني إلى مجتمع لا إنساني...
      الرحمة و التسامح و المحبة بدأت تتلاشى في هذا البلد..
      أصبحنا نرى شبابا و كهولا يبيعون ماء و موادا غذائية في الشوارع ، و لا أحد يكثرث لهم...

اقرأ ايضاً