العدد 4745 - الخميس 03 سبتمبر 2015م الموافق 19 ذي القعدة 1436هـ

جريمة الابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي

علي سبكار

رئيس النادي العالمي للإعلام الاجتماعي للشرق الأوسط

يحقق لنا كل تطور تقني جديد مزيداً من الرفاهية لحياتنا فتصبح بطريقة أو بأخرى أسهل وأجمل، وهذا ما يدفعنا كبشر إلى استخدامه، لكن هذا التطور التقني، ومع الأسف، يحمل في طياته جوانب سلبية، من بينها ما يتعلق بصحتنا، وعلاقاتنا الاجتماعية، وربما تعرضنا لأشكال جديدة من الجرائم.

ورغم أن مواقع التواصل الاجتماعي وجدت أساساً لتسهيل تواصل بين العالم، وأدت إلى تطوير نمط التواصل والعلاقات البشرية، وأسهمت في تسريع نقل المعارف والعلوم والخبرات، وأتاحت أمام الأفراد والشركات والمؤسسات والكيانات المختلفة إمكانيات غير محدودة على صعيد التعليم والترويج، إلا أنه يجب الاعتراف في الوقت ذاته أن هذه الوسائل حملت في طياتها العديد من السلبيات، من بينها تسهيل جريمة الابتزاز.

فربما يكون انتحال الشخصية هي أكثر مظاهر الابتزاز على تلك المواقع، والإيقاع بالمستخدمين، وهناك كثير ممن ينتحلون صفة فتاة جميلة ويبدؤون باستدراج الشباب والدخول معهم في أحاديث جنسية أو تبادل صور فاضحة، كما أن هناك فتيات حقيقيات يلجأن إلى إجراء محادثات فيديو مع شباب وتتطور الأمور وتدخل في الخصوصيات، ثم يفاجأ هؤلاء الشباب أن الفتيات يحتفظن بتصوير فيديو للمحادثات، وهنا تبدأ عملية الابتزاز، ويجب القول إيضاً إن هناك شباب يقومون بذلك ويوقعون بضحايا من الفتيات.

ويكاد يكون هناك إجماع بين مستخدمي وسائل الإعلام الاجتماعي أن المبتز غالباً ما يكون مرتدياً عباءة نسائية أو متخفياً في ثوب رجل وسيم يمتطي أرجوحة الرومانسية، وبعد أن تقع الفأس على الرأس يكشف المبتز وجهه الحقيقي وتبدأ سيناريوهات الابتزاز.

وفي وقت لا توجد فيه جهة ما تقدم إحصائيات دقيقة حول جرائم الابتزاز عبر مواقع الإعلام الاجتماعي، يمكن القول إن الأمر تحوّل إلى شبه ظاهرة، وانتشر بشكل كبير على تلك المواقع.

وإن ما يزيد من خطر تعرضنا للابتزاز هو ما يعرفه العالم عنا كمجتمع خليجي غني، وهذا ما يجعلنا في قائمة أهداف المبتزين حول العالم، وكم سمعنا من قصة لشاب وقع في براثن عملية ابتزاز عبر فتاة من هذه الدولة أو تلك، بدأت برسالة عبر «الفيسبوك»، ومرت بمحادثة كاميرا جرى تسجيلها لاستخدامها في ابتزازه، وانتهت بعواقب وخيمة جداً.

وهذا يتطلب مراقبة لصيقة لأبنائنا والتنبه لما قد يمارس ضدهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما يجب التنبيه أيضاً إلى أن أولادنا ربما لا يكونون ضحايا لجريمة ابتزاز، بل ربما ينجرون إلى أن يمارسوا هم ذاتهم الابتزاز ضد ضحايا آخرين، وفي كلتا الحالتين سيقعون في ورطة كبيرة قد تكون سبباً في نهاية حياتهم أو تشويه سمعتهم أو الدخول إلى السجن والعقاب.

فكم من مقطع فاضح صوُّرَ لشخص ما في لحظة نشوة عابرة كان سبباً في تشويه سمعته وانفضاض أصدقائه من حوله وتفكك أسرته وتشرد أطفاله.

قد يخطر ببال البعض أن أحد أشكال الحد من جريمة الابتزاز يجب أن يتم عبر السيطرة على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن ذلك غير ممكن تقنياً، فلا يمكن السيطرة على شخص يجلس في الهند أو أستراليا أو المكسيك، ويختفي خلف اسم مثل السهم المكسور أو بنت الديرة، ويبث أفلاماً وصوراً ونصوصاً الله أعلم مدى دقتها وما الغاية منها، وقد سمعنا بقصة الشاب الذي جرى ضبطه بعدما أطلق قرابة سبعين ألف حساب على تويتر وحده، هل تتخيل أن شخصاً واحداً يملك ويدير ويبث عبر سبعين ألف حساب على «تويتر»؟

لكن هذا لا يعني ترك الساحة لكل من هب ودب، بل يجب إيجاد القوانين اللازمة لضبط الأشخاص المسيئين في استخدامهم لمواقع الإعلام الاجتماعي، وأيضاً يجب مراقبة هذه الوسائل وحماية الناس وخاصة الشرائح الأكثر ضعفاً مثل الأطفال من شرور بعض المستخدمين.

صديقي المحامي وعضو جمعية المحامين البحرينية نواف السيد يخبرنا أن القانون يحمي الناس من أي شكل من أشكال انتهاك حقوقهم، وأن عقوبة جريمة الابتزاز وفقاً للمادة رقم 363 من قانون العقوبات البحريني هي الحبس لا يزيد عن سنة أو الغرامة لا تزيد عن 100 دينار، وأن القانون نص على أنه إذا كان التهديد مرتبطاً بطلب أو تحقيق مصلحة يعد الظرف مشدداً، أي أن هناك إمكانية لمضاعفة العقوبة الأصلية.

ويؤكد المحامي السيد أن على المواطن أن يعرف كيف يلجأ للسلطات المعنية في الإبلاغ، وأن يطمئن إلى أنه سيتمتع بالسرية سواء لجأ إلى محامٍ أو النيابة العامة أو مركز شرطة، لكنه يعطي موضوع «الوعي في كيفية استخدام مواقع التواصل الاجتماعي» أهمية مطلقة، لأن الوقاية مقدمة على العلاج.

ما أود التركيز عليه هنا هو ضرورة الانتباه إلى تكريس مبدأ الاستخدام الأمثل لوسائل الإعلام الاجتماعي، عبر الوعي، وعبر التدريب، وتعريف الناس أن هناك جوانباً إيجابية كبيرة جداً لاستخدام هذه الوسائل على الصعيد الشخصي والمهني أيضاً.

وأكثر الفئات عرضة للتحرش والابتزاز هم شريحة الشباب، والمراهقين تحديداً هم الأكثر عرضة للابتزاز، لأنهم الشريحة العمرية الأكثر انسياقاً وراء إشباع حاجاتهم المختلفة، كما أن هناك شريحة المسئولين والمشهورين والشخصيات العامة، وهؤلاء نجدهم مطالبين بفتح حساباتهم على فيسبوك وأنستغرام مثلاً أمام الجميع لأسباب مختلفة من بينها ألا يتهموا بالتعالي أو التكبر أو الانغلاق، لكنهم في الوقت ذاته من أكثر الناس عرضة للابتزاز، لأن المجرم المبتز يدرك مسبقاً حساسية مناصبهم وأوضاعهم الاجتماعية، وأنهم يمكن أن يكونوا أكثر قدرة أو اضطراراً للدفع للحفاظ عليها.

وأود التأكيد على أنه كما أننا حريصون على اختيار أصدقائنا في الحياة الطبيعية، يجب أن نكون كذلك أيضاً في مواقع التواصل الاجتماعي، وأن نحذر دائماً من الغرباء، ونضع ما يمكن أن نسميه فلاتر أمام الأشخاص الجدد، ويمكن أن نتحقق من الشخص الذي يطلب صداقتنا على فيسبوك مثلاً عبر الدخول إلى صفحته، والاطلاع على تاريخ إنشائه لها، ومن هم أصدقاؤه، وما هي اهتماماته، ثم الحكم عليه بناءً على كل ذلك.

أيضاً لسنا مضطرين إلى كشف الكثير من جوانب حياتنا الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، فالأشخاص الذين ينشرون صور سياراتهم الفارهة، وبيوتهم أو قصورهم من الداخل والخارج، سيكونون طبعاً أكثر عرضة للابتزاز المالي، وكذلك الفتيات اللواتي يبالغن في نشر صورهن بأشكال وأوضاع مختلفة، يشجعن عدداً أكبر من الشباب على الوصول لهن وربما ابتزازهن.

إقرأ أيضا لـ "علي سبكار"

العدد 4745 - الخميس 03 سبتمبر 2015م الموافق 19 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً