العدد 4748 - الأحد 06 سبتمبر 2015م الموافق 22 ذي القعدة 1436هـ

الاختلاف لا يعني الخلاف

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يحدث كثيراً أن نختلف مع أحدهم في وجهة نظر أو النظر في تفسير أمر أو التعامل مع موقف ما، وحين نتناقش معه نكتشف في النهاية أننا متفقان تماماً في وجهة النظر وأن هذا الاختلاف لا وجود له، نتساءل في أنفسنا وأحيانا نشارك الآخر تساؤلنا: إذاً لماذا كنا نتجادل؟ ولمَ اختلفنا بهذا الشكل؟ حينها ندرك أن كل واحد منا كان يسعى إلى التشبث بفكرته وتوصيل ما يقصده للآخر بكل الطرق في حين يكون الطرف الآخر لا يريد السماع أحياناً لشدة تشبثه بفكرته أيضاً وظنه أن من يتحدث معه على خطأ، وأنه وحده من يعرف كل الأمور بخيرها وشرها.

هذه المواقف تحدث كثيراً خصوصاً في ما يحتمل الخطأ ونقيضه، وفي ما هو مصيري؛ فنجد الناس البسطاء والمسئولين فيما بينهم والدول في علاقاتها بعضها ببعض، جميعهم يختلفون حتى في تلك الأمور التي من المفترض أن تكون بديهية، فكيف بما دون ذلك، بل وأحياناً يتناقض المرء مع ذاته لأنه يتمنى شيئاً ويظن أنه من المستحيل الوصول إليه، فيعيش صراعاً بين رغباته وواقعه الذي وضعه لنفسه.

هذه المواقف تذكر بحكاية قرأتها مذ كنت في سن في مبكرة تحكي أن هناك ثلاثة مسافرين التقوا في طريق سفر طويل، وكانوا من جنسيات مختلفة، ولا يفهمون لغة بعضهم. وعندما أراد الثلاثة تحضير الطعام، قال الفارسي: ليكن طعامنا ( أنكور) فاعترض التركي وقال بل ليكن أزوم، ولكن العربي قال: لا هذا ولا ذاك، نريده عنباً. مع العلم أن الكلمات الثلاث هي لطعام واحد بلغات مختلفة.

كلما صادفني موقف كهذا، وكلما وجدت أحد الأشخاص مصراً على التشبث برأيه وهو نفسه ما أقوله ولكنه يرفض الاستماع إلي، أتذكر هذه الحكاية، فسبب الخلاف هو ذاته: عدم فهم الطرف الآخر. وعدم الفهم لا يكون بسبب اختلاف اللغة فحسب، بل أحياناً يكون بسبب سوء توصيل المعلومة من قبل مرسل الرسالة أو سوء استقبالها من قبل الطرف الآخر، وأحياناً يكون بسبب تصور مسبق لدى مستقبل الرسالة أن من يكلمه أو يتواصل معه يريد به شراً، وأحياناً أخرى يكون بسبب احتدام الموقف الذي يتطلب أن يدلي كل شخص برأيه وتصوره فتمنع العصبية ويمنع التجهم إرسال الرسالة أو استقبالها أو الإثنين معاً بالشكل الصحيح.

الاختلاف وارد بل طبيعي في كل المواقف، لكن أن يتحول هذا الاختلاف إلى خلاف فتلك هي المشكلة. أن يرى كل فرد اختلافه هو الصواب وكل ما سواه مجرد أشخاص بأفكار أو سلوكيات خاطئة فهي مشكلة، أن يشعر الفرد أن عليه أن يغير كل من حوله ليكونوا متطابقين معه في رؤاه وأفكاره وأحلامه وسلوكياته بل أحياناً حتى في مظهره فتلك مشكلة.

من الضروري أن نعي جميعاً أن الحديقة أجمل بألوانها المختلفة وأنواع أزهارها وثمارها المختلفة، ولهذا لا تكتمل الحياة ولا يكون المجتمع شاملاً إلا بكل أفكارنا معاً وطرق عيشنا وباختلافنا جميعاً في طريقة العيش والتفكير والأحلام.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4748 - الأحد 06 سبتمبر 2015م الموافق 22 ذي القعدة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 2:59 ص

      هذه

      المفاهيم لا تنطبق علينا نحن العرب خلافنا اختلاف ونرتب عليه اثر وواقعنا يقول ذلك

    • زائر 2 | 2:00 ص

      وهم الفهم العميق.

      هذه الحالات اما هي حالة كما يطلق عليها وهم الفهم العميق التي تترتب على من يتشبث برأيه بمفهوم الإدراك الدقيق للنقطة المتجادل عليها ..
      وأما هو تعصب معدم غير قابل للتغير من طرف بسبب عوامل عدة ثقافية اجتماعية سياسية ...الخ
      هذه الحالات كثيرة وغير محصورة على فئة دون اخرى وعلى مكان دون اخر..
      تشكلت وبأشكال مختلفة في الحاضر مع سطوع مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة وتفاقم الأحداث في مختلف المجالات وبالتالي تباين الآراء واختلاف وجهات النظر الخ...

اقرأ ايضاً