العدد 4763 - الإثنين 21 سبتمبر 2015م الموافق 07 ذي الحجة 1436هـ

محطّات في حياتنا

مريم الشروقي maryam.alsherooqi [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ونحن صغار لدينا طاقة كبيرة للّعب وعدم الاهتمام بالدراسة، طاقة كبيرة جدّاً للحب وعدم الكراهية، نولد على الفطرة ووالدانا يعلّماننا أصول الدنيا والدين، وننام نوماً عميقاً بلا هموم ولا أحزان، فالدنيا مازالت وردية فعلاً في عيوننا، وهذه الطفولة وبراءتها تجدها في كل مدينة وقرية، وعند كل طائفة ومذهب، من دون أن يشوّهها أحد، بل أكثر من ذلك، عندما تُسرد الحكايات الوطنية النقيّة في الحب، ترتبط هذه القصص بتراث وحضارة الوطن، فمن منّا لم يسمع من والديه قصّة (أم الخضر والليف) على سبيل المثال؟!

بعد ذلك نكبر قليلاً وندخل سن المراهقة، هذه المراهقة التي لا يعجبنا خلالها شيئاً، فلا حديث الوالدين يعجبنا، ولا حديث الأهل يعجبنا، ونرتبط ارتباطاً قويّاً بالأصدقاء والأفلام، ونتأثّر بهم، ولكن يبقى صوت أهلنا حول الحس الوطني وحب هذه الأرض الطاهرة والتسامح والتعايش.

في المراهقة تبدأ قصص الغرام، ونتعلّق بشخصيات، قد تكون هوليوودية أو عربية أو تكون شخصيات رياضية، ونعشق حركاتهم وممارساتهم، والبعض ينظر إلى القوة الخارقة لتلك الشخصيات، فمن منّا على سبيل المثال لم يتأثّر بـ (رامبو) ومن منّا لم يتأثّر بأفلام (فريد شوقي) في القوّة و (عبدالحليم) في الرومانسية، ما أجملها من مرحلة يبقى فيها النقاء مسيطراً على المشاعر، على رغم من حساسيتها فإنّ المراهق ينظر إلى دينه نظرة والديه، فتجد يوم الجمعة هو يوم مقدّس، والجميع في المسجد.

ولكن بعد المراهقة تبدأ الحياة الحقيقية بمرارتها وجمالها شيئاً فشيئاً، تتدفّق علينا، فالبعض منّا انخرط في العمل السياسي والبعض انخرط في العمل الديني، والبعض لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فعلى سبيل المثال هلّت علينا فترات التحرّر والتطوّر، والجميع كان مشغولاً بهذه الشعارات، وخاصة في مرحلة القومية العربية، والبعض الآخر التحق بالجماعات الدينية، حتى وصل إلى مرحلة التطرّف، وعشنا ضياع فلسطين والنكسة والانفتاح والانغلاق والديكتاتورية والديموقراطية، وأصبحت الهموم تختلف من فترة الطفولة إلى هذه الفترة، وذهبت البراءة شيئاً فشيئاً، ناهيك عن نصح الأهل، فهذا النصح يُصبح في هذه الفترة ثقيلاًً على النفس، أليس كذلك؟!

بعد ذلك نصل إلى فترة منتصف العمر، بين سن الأربعين والخمسين، وتأتي هموم الأسرة والوظيفة والحياة والسياسة والطائفة والدين والدنيا، ويصبح الإنسان في عالم آخر، وتصبح الشعارات مجرّد شعارات أو ذكرى في بعض الأحيان، إلاّ من يتشبّث بها، ونصطدم بالواقع المرير، هذا الواقع الذي يجرّدنا من إنسانيتنا وديننا وعروبتنا، فنصبح بعد العطاء بالتمحور حول أنفسنا، وتدخل الأنانية في كل مجال، والمحسوبية نبحث عنها في كل قطر حتى نستفيد، إلاّ من رحم طبعاً!

أمّا سن الستّينات، فإنّه سن يُرجعنا إلى الماضي الجميل، ماضي الطفولة والأسرة والصحبة الخيّرة، وأيضاً نتذكّر نصح الأم ونصح الأب وكلام الأخ وكلام الأخت والأقارب والأصدقاء والجيران، ونتحسّر على فترة مضت لن ترجع في يوم من الأيام، وشريط الحياة كالأفلام يمر علينا في لحظة، ونتمنّى لو يعود الزمان حتى نغيّر الفكر أو الفكرة أو الموقف.

نعلم بأنّ اللحظات التي تنتهي لا ترجع أبداً، فهي محطات في حياتنا جميعاً، وليسارع الشباب والمراهقون وأيضاً الذين وصلوا إلى سن الثلاثين بمراجعة حياتهم، ففي سن الستّين نصل إلى الوهن تقريباً، وقد لا يكون الوهن جسدياً بقدر ما يكون الوهن فكرياً، فلا تنسوا يا معشر الشباب.

إقرأ أيضا لـ "مريم الشروقي"

العدد 4763 - الإثنين 21 سبتمبر 2015م الموافق 07 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 1:05 ص

      الله يحفظج وخليج يارب

      كل دقيقه في حياة الانسان له قيمه وله عبره وكل موقف وكل محطه مكتوبه علينه لا محال منه جعل حياتج كله سعاده وحب وتواصل

    • زائر 5 | 12:25 ص

      سطيم

      الواحد من يتزوج خلاص حكم عليه بالإعدام فقر قلة في المال مسؤليات التزامات لا ضروف الحياه تسمح للرفاهيه والتفرغ ولا طبيعت البيئه والتركيب الفكري لبنات المجتمع. الله كريم

    • زائر 2 | 11:24 م

      من منا لم يتأثر ؟

      نحن لم نتأثر بما ذكرتي من شخصيات
      من صغرنا الى سن مراهقتنا الى سن شيخوختنا لم نتأثر إلا بمحمد وآله (الامام الحسين)فقط.

    • زائر 3 زائر 2 | 12:17 ص

      تفضل هالعينات العجيبة

      نحن؟ من أنتم؟ لا يكون تفكر الناس كلها ربعك اللي في قراكم؟

    • زائر 7 زائر 2 | 12:55 ص

      ليس هذا ما تقصده الكاتبه

      الشخصيات المذكورة مجرد أمثله تطرحها الكاتب
      ولا تقل لي أنك لم تتأثر إلا بسيدي ومولاي الامام الحسين عليه السلام
      فهناك شخصيات لها ثقلها في حياتك وله ذكرى في شريط الزمني ولهم تأثير في نجاحك صقلك بعض قرارتك فتأثرت بهم وحتى ام السعف والليل ابائنا كثيرا ما كونوا يرددونها على مسامعنا والأمثال لا تعارض

    • زائر 8 زائر 2 | 12:59 ص

      صادق يالاخو

      تابعنا مسلسلات وافلام لكن ذكرياتنا اوتعلقنا كل بمحمد وآل بيت محمد تنقلاتنا من مأتم إلى مأتم وأوقات نذكر ملابس والطباخ الي في محرم كان ""وأشياء واجد جميلة

    • زائر 1 | 10:24 م

      الكاسر

      خلينا نستانس مثل انت ما ستانستي
      وبعدين بشوف روحي اي توجه اسلك الديني او السياسي او العدم

اقرأ ايضاً