العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ

عصفور في اليد!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في كل يوم، تزداد ملامح الوجود الروسي في سورية. في بداية الأمر، كان الانتشار في ستة مواقع من بينها العاصمة دمشق وطرطوس واللاذقية، إلاَّ أن الذي يظهر الآن، أنهم متواجدون في أماكن أخرى. ربما في حلب، وحماة ودير الزور ودرعا والسويداء، وبالتحديد في الأطراف الجغرافية المزدوجة.

لا يبدو أن السبب غامض إلى هذه الدرجة، لكن الأمر كان يحتاج إلى تأكيد. الموقف على الجبهة كان «خطيراً جداً إن لم يكن حرجاً، والمساعدة العسكرية (الروسية) كانت مطلوبة على نطاق واسع». هذا ما قاله إيفان كونوفالوف مدير مركز دراسات الاتجاهات الاستراتيجية في موسكو.

وإذا كان الأمر كذلك فهذا يعني أن المساعدة الروسية ليست عادية بل استثنائية. وإذا كانت استثنائية فهذا يعني أنها نافذة المفعول فوراً، وهو أمر بدأ يحصل فعلاً. التقارير المتابِعة عن كثب باتت تشير إلى أن الجيش السوري النظامي بدأ «في استخدام أنواع جديدة من الأسلحة الجوية والبرية التي قدمتها روسيا». وأن «قصف سلاح الجو» لأهدافه أصبح «أعنف وأكثر دقة».

قبل أيام، أذِيعَ خبر لم يحظَ بمتابعة واسعة من وسائل الإعلام، وهو أن الجيش السوري استولى على خط إمداد رئيسي على جبهة درعا توازي أهميته القصير. وكانت الأسباب في ذلك هو اختلال في الميزان العسكري جوياً وبرياً، وبالتحديد في سلاح الجو الذي بات يُصيب ويضرب بصورة أشد.

سليمان الخالدي وتوم بيري كَتَبَا تقريراً مهماً قبل أيام، نقلا فيه عن المعارضة السورية المسلحة أنها «تتوقع حرباً أصعب مع الروس في سورية». فالمقابلات التي أجرياها مع مسلحين من المعارضة كشفت أنهم أصبحوا يواجهون «بالفعل مقاومة أكبر من جانب القوات الحكومية».

في المناطق المحيطة بسهل الغاب قال أحد المسلحين المنتمين لـ أحرار الشام: «اليوم لدينا نوع جديد من الجنود يقاتلنا بشراسة وحرفية أكبر. ساحة المعركة تغيرت». وآخرون أصبحوا يؤكدون ظهور «أنواع جديدة من العربات المصفحة» فضلاً عن أن «الهجمات الجوية أصبحت أكثر دقة». لذلك بات من المؤكد أن «الوجود الروسي سيغير طبيعة المعركة» حسب زعيم لجبهة النصرة.

وخلال الأيام الماضية، كثَّف الجيش السوري غاراته على منطقتين في سورية لطالما كانَتَا في مرتبة ثانية من المواجهة، وهما الرقة وتدمر في وسط سورية، حيث شنَّت الطائرات الحربية غارات كثيفة هناك. وربما كان السبب في ذلك هو طلب وتخطيط روسي يهدف إلى إقناع الغرب بأن تدخله في سورية جاء أساساً لضرب تنظيم داعش، حيث أن الرقة وتدمر جزء من مناطق تمركزه.

ولا يُعلَم على وجه الدقة، ما إذا كان هناك جنود روس يشاركون على الأرض كما أكدت ذلك أطراف لبنانية وفلسطينية تقاتل مع الجيش النظامي في دمشق إلاَّ أن وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال صراحة بأن بلاده «قد» تطلب تدخلاً روسياً مباشراً في سورية إذا اقتضت الحاجة. وهو ما يعني في الفهم الصحافي أنه بداية «إقرار» بأصل الفكرة التي قد تكون واقعاً على الأرض أيضاً.

الحقيقة أن روسيا تفكر بشكل مختلف «جذرياً» عن التفكير الغربي، والسبب أن المصالح بين الجانبين مختلفة. فالقاعدة العسكرية البحرية التي تتمركز فيها على ساحل طرطوس «هي المنفذ الوحيد للروس على البحر المتوسط وتمثل حمايتها هدفاً استراتيجياً» كما يصف ذلك أندرو أوزبورن، وبالتالي فالروس متشكِّكين من بقائهم في تلك القاعدة حين تسقط الحكومة في سورية وتنهار مؤسسات الدولة، رغم وجود ضمانات غربية لها بخلاف ذلك، لكنها تعتقد أن عصفوراً في يدها أفضل من عشرة فوق الشجرة كما يقول المثل، وتجربتها في ليبيا مُرَّة في ذلك.

الخلاف الآخر هو ما يُعلنه الروس مراراً وتكراراً وهو خشيتهم من الخمسة آلاف (أو الألفَيْ مقاتل) المنتمين إلى التنظيمات الإسلامية المتشددة في سورية، وهم من مواطني جمهوريات سوفيتية سابقة، من تكوين جبهة ضدهم بعد هزيمة الحكومة السورية وعودتهم إلى دولهم، لتتحول منطقة جنوب روسيا القوقازية إلى شيشان كبرى تُؤذِي موسكو في أمنها القومي.

فالمنطقة الفاصلة بين سورية وجنوب روسيا تكاد تكون بلا حدود إذا ما أزحنا الجغرافيا التركية المُسهِّلة لكل هؤلاء دخول الأراضي السورية في وقت سابق، وبالتالي لا يبقى أمامهم سوى أرمينيا وجورجيا أو جانبي اليابسة حيث البحر الأسود وبحر قزوين المغلق. هذان السببان هما الدافعان الحقيقيان للتدخل الروسي في سورية.

أما توقيت تدخل الكرملين في سورية فقد لخصها كما أشرنا أعلاه إيفان كونوفالوف، وأصبح الروس «يسعون للحد من الضرر» كما قال أحد الدبلوماسيين، والذي بات يتعاظم في وجه الحكومة السورية. بل إن أندرو فايس الذي عمل خبيراً في شئون روسيا في إدارتين أميركيتين قال بأن موسكو خَشِيَت أن يكون النظام السوري قد «أصبح في وضع صعب» وهو فعلاً كان كذلك.

لذا، وحسب الكولونيل السابق في الجيش الروسي والذي يُدير معهد كارنيجي بموسكو ديمتري ترينين فإن خطة الكرملين «الأساسية هي مساعدة بشار على البقاء في دمشق» واستعادة الأرض التي خسرها في المناطق الغربية والشمالية لإعداد طرف مفاوض له القدرة على وضع شروط جيدة على الطاولة (فضلاً عن فرصتها للقضاء على غرمائها من مقاتلي القوقاز في سورية).

موسكو لا تريد أن ترى فيكتور يانوكوفيتش آخر في سورية، يضطرها إلى التدخل في الوقت الضائع عسكرياً ليُثار الرأي العام ضدها كما حدث لها في شبه جزيرة القرم وشرق أوكرانيا. لذلك جاءت إليهم وهي «مضطرة» قبل أن يأتوها وهي مُرغَمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4767 - الجمعة 25 سبتمبر 2015م الموافق 11 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 11:39 ص

      اذا امريكا انتصرت في العراق

      روسيا ستنتصر في سوريا!! ..هولاء اي الجيش السوري والروسي يقاتلون منظمات جهادية وليس جيش نظامي..اي عملية كر وفر ويبدو ان نهاية الحرب تبدو بعيدة وليس العكس

    • زائر 2 | 7:44 ص

      الدفاع عن مصالح روسيا مشروع

      فهي لم تتدخل سلبيا اما شياطين الانس وهم امريكا فتدخلهم سلبي ولحمايه اسرائيل ولي ذراع المقاومه والشمس اقرب لهم من ذلك.

    • زائر 1 | 4:22 ص

      هجوم ريف حلب

      هجوم ريف حلب الاخير من قبل الجيش السوري دليل آخر على دعم الروس لدمشق

اقرأ ايضاً