العدد 4777 - الإثنين 05 أكتوبر 2015م الموافق 21 ذي الحجة 1436هـ

المهارات والتدريب بين القمة والقاعدة

عصمت الموسوي

كاتبة بحرينية

فنّان، رائع، موهوب، تلك هي المواصفات الدارجة التي يستخدمها عامَّة الناس للتعبير عن إعجابهم بمهارات فنَّان أو طبيب أو مهندس أو كاتب أو موظف أو أي خبير في أي حقل من حقول العلم والمعرفة، أما المتخصصون العارفون الملاصقون لهذا الحقل أو ذاك فيقولون: متمرس، متدرب، جيد التمرين، يمتلك الخبرة والممارسة الطويلة ويتقن عمله.

في كتابه outliers «المبرزون» يستعرض الكاتب مالكوم جلادويل الفِرص المواتية والمناسبة للنجاح، يقول: «إنَّ الإنسان الناجح هو شخص وُجِد في بُقعةٍ مَّا من الأرض، وضمن حقبةٍ تاريخيةٍ معينةٍ، وأتيحت له الفرصُ التي لم تُتح لغيره، وهو يرى أنَّ المرء يحتاج إلى مستوى معين من الذكاء فحسب؛ باعتبار أنَّ محصلات الذكاء العالية تبدأ من 120 فما فوق، وقد تصل في بعض الحالات النادرة إلى 200، وكلما ارتفعت نسبة محصلة الذكاء كانت فرص النجاح أكبر».

الكاتب لا يُنكِر أنَّ للذكاء أثراً في تحقيق النجاح عند معدل في حدود 120، لكن أيَّة زيادة في المحصِّلة على هذه النسب فإنها لا تُترجم إلى أية ميزة ذات قيمة فيما يتعلق بتحقيق مزيد من النجاح، بالتالي ليس بالضرورة أن يكون المرء خارقًا وعبقريًّا كي ينجح أو يبدع، فالنجاح يحتاج إلى هذا المستوى الذي يجدر أن يترافق مع التدريب المكثف، إذن، المحك هو عدد الساعات التي يقضيها الإنسان في التدريب والتدريب والتدريب.

ويستشهد الكاتب بدراسة قام بها مجموعة من العلماء عن أثر عدد ساعات التدريب في تنمية الموهبة وتحويلها إلى إنجاز حقيقي، إذ وجدوا أن عدد ساعات التدريب يجب ألا تقل عن عشرة آلاف ساعة، ولتفسير ذلك يضع الباحثون احتمالاً بأن المخ يحتاج فعلاً إلى هذا العدد من الساعات لكي يستوعب كل ما يحتاج إليه ليصل بالأداء إلى مستوى الإتقان الحقيقي.

الدراسات وفق الكاتب تؤكد أنَّه لا يكفي أن تكون ذكيّاً، بل تحتاج إلى أن تكون مبدعاً، والإبداع مهارة تختلف جدّاً عن الذكاء، فالمرء يحتاج إلى النسبة المطلوبة من الذكاء العقلي، بالإضافة إلى نسبة غير قليلة من الذكاء العملي، ونُدرك أنَّ الذكاء العقلي موروث، أمَّا العملي فهو مكتسب، وهو يجيء عبر قاعدة العشرة آلاف ساعة تدريب التي يؤكد عليها الكاتب، ويرى أنها أحد أهم أسباب خلق النجاح.

ويهتم التدريب، كما نعلم، بتنمية وتطوير مهارات وقدرات الإنسان من الناحية الإدارية والسلوكية. أمَّا التطوير فيرمي إلى تحسين المستوى واكتساب المهارات والأفكارالحيوية المتجدّدة في علم الأعمال والإدارة، وكثير من الاختبارات التي تجرى اليوم على المتقدمين للوظائف في شتَّى أنحاء العالم لا تلتفت إلى معدل الذكاء، بل إلى مستوى ودرجة ونوع التدريب الذي تلقَّاه طالب الوظيفة، واللافت أنَّ وزارات الدولة ومؤسساتها ومرافقها في بلدنا قد أولت التدريب جانباً كبيراً إلا أنه ظل مقتصراً على الشرائح الدنيا أو المتوسطة من الموظفين، وكثيراً ما اشتكى الموظف المتدرب من أنَّ الأفكار والممارسات الجديدة التي تلقّاها كان يجدر أن تصل إلى رئيسه أولاً لكي يصار إلى تأسيس حالة هرمونيَّة منسجمة من القمة إلى القاعدة، بيدَ أنَّ كثيراً من المسئولين تجدهم في حال من الثبات والسكون والجمود الذي يحول دون تطوير المؤسسة، بل إن هذا المسئول سيقف حجر عثرة ضدَّ انتهاج أيّ تغيير إداريّ على أيّ مستوى، ولأنَّنا ننتمي إلى ثقافة «الكبير كبير ولا يحتاج إلى تغيير أو تطوير»، فإنَّ الموظف الصغير المتمرس والمتدرب تدريباً عالياً قد يصبح منافساً خطراً للكبير فيسارع الى التخلص منه ومن أمثاله من أجل إعادة المؤسَّسة إلى حال الثَّبات والجمود المعهودة، وكفى الله الموظفين شر التدريب ونتائج التدريب.

إقرأ أيضا لـ "عصمت الموسوي"

العدد 4777 - الإثنين 05 أكتوبر 2015م الموافق 21 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً