العدد 4781 - الجمعة 09 أكتوبر 2015م الموافق 25 ذي الحجة 1436هـ

محمد النبهان: أصدرنا 120 عنواناً وتزكم أنفاسي رائحة الركاكة في الكتابة

حين يكون الناشر مثقفاً... مدير «دار مسعى» مثالاً

محمد النبهان
محمد النبهان

الوسط - منصورة عبدالأمير 

09 أكتوبر 2015

يرفض مدير دار مسعى للنشر والتوزيع محمد النبهان أن يلبس دور الناقد أو «المقيّم» للأعمال التي تقدم لدار مسعى، لكن هذا الناقد الشاعر يدير عمله بطريقة لا تشبه الطريقة المألوفة التي تدير بها دور النشر أعمالها. «دار مسعى» لا تتوقف عند اختيار الكتاب اللائق بالمكتبة البحرينية والخليجية والعربية، مديرها النبهان، يقوم بدور أكثر أهمية، دور يجعل من منشورات ومطبوعات «مسعى» إضافة أنيقة ومثرية للمكتبة البحرينية والخليجية أولاً ثم العربية ثالثاً. وليس ذلك فحسب لكن «مسعى» أضافت 120 كتاباً للمكتبة العربية منذ تأسيسها بعد ثلاثة أعوام، أي بما يعادل 40 كتاباً في العام الواحد، اهتمت بمحتواه كما بعنوانه وورقه وتصميم غلافه. مدير «مسعى» محمد النبهان تحدث خلال لقاء «الوسط» معه عن مفهومه لدور الناشر وعن مبادرات «مسعى» ومساعيها في الترويج للكتاب والقراءة على حد سواء.

لا يقتصر الدور الذي تقوم به دار مسعى للنشر والتوزيع على طباعة الكتاب وتوزيعه وإنما يبدو وكأن الدار تأخذ مهمة الناقد الذي يقيم المادة المقدمة وربما يقترح على كاتبها بعض التعديلات، وهو ما يتجاوز الدور المألوف للناشر، في هذا الجزء من العالم على الأقل. حدثني أكثر عن هذا الأمر.

- مسعى ليست مطبعة، أو موزع كتب، الطباعة والتوزيع يأتيان في المرحلة الأخيرة من عملية النشر. هناك التباس كبير في فهم دور دار النشر حتى في أوساط المثقفين والكتّاب. أيضاً ليست كل دور النشر تعي هذا الدور وتشتغل عليه وتؤسس منه نواتها في عالم صناعة الكتاب. الكتاب صناعة من الفكرة/ المادة/ النص، إلى الإخراج الفني بكل تفاصيله إلى الشكل النهائي الذي يظهر عليه الكتاب ويقدم للقارئ. ربما احتاج الكاتب عبر هذه المراحل إلى إعادة النظر في تفصيلة ما قد تخص النص نفسه أو الشكل، ثمة هذا الحوار المتواصل بين المؤلف والناشر الذي قد يعيد بناء المخطوط بالكامل أو شكله المناسب الذي سيظهر عليه ككتاب. من هنا تأتي فكرة التعديلات التي أشرت لها، لكن بعد إجازة النص نفسه كنص إبداعي يحمل قيمة أدبية أو فكرية أو علمية مضافة، مسعى بدأت من هذا الباب الصعب في عالم النشر، هناك الكثير من الشعراء والروائيين والنقاد، ولنا جهدنا واجتهادنا في البحث عن النصوص التي نرى أنها تعبر عن فكرة «مسعى» إبداعياً وفنياً. لا نريد أن نلبس دور الناقد لكن هي خياراتنا، تزكم أنفاسنا أي رائحة ركاكة أو استسهال في الكتابة، ولهذا نضع كل هذا الجهد في صناعة الكتاب ونقف إلى صف الكاتب المبدع ونسخّر كل الإمكانيات التحريرية والإخراجية ليظهر كما يليق بنصه.

كم عدد الإصدارات التي تصدرها الدار سنوياً، وهل تغطي جميع أنواع الحقول المعرفية أم إنها مقتصرة على الأنواع الأدبية.

- منذ أن انطلقنا بشكل جديد من البحرين منذ ثلاث سنوات أصدرنا قرابة 120 عنواناً، بمعدل 40 عنواناً في السنة، طبعاً كمعدل وإلا فالرقم يتصاعد من سنة لأخرى، كرقم أيضاً هذا إنجاز استثنائي في البحرين، لكننا لا ننظر مرة أخرى للعدد، نتساءل يومياً قبل أن نجري أية إحصائية أو جرد رقمي هل أضافت مسعى قيمة في نشر هذا الكتاب أو ذاك؟

بالتأكيد ليست كل الإصدارات مقتصرة على الأنواع الأدبية، لكن نسبتها في الحقول المعرفية الأخرى أقل، هناك إصدارات - وإن كانت قليلة - في التاريخ والسياسة والمعرفة وأدب الرحلة وكتب الأطفال. مازلنا في بداية الطريق نتحسس خطواتنا ونفتح بوابات في اتجاهات مختلفة. نعم، الصبغة الأدبية مسيطرة وهذا طبيعي كوننا من هذا الحقل وكونه خيارنا الأول الذي تأسست عليه فكرة الدار.

تدعمون المؤلفين الجدد من الشباب وتقدمون مادتهم بشكل لائق جداً... بل إن لديكم مبادرات مخصصة لدعم هؤلاء الشباب وتشجيعهم.

- مسعى تأسست على أعمدة رئيسية وركائز أساسية في الدار عبر النشر لأسماء في المشهدين السردي والشعري، وبشكل مواز تماماً لأصوات جديدة في المشهدين. لدينا فلسفة مفادها أن أي مشروع لا يواكب حركة الحاضر لا وجود له فيه ولا يستطيع أن يعبره لحاضر آخر، نحن لا نملك المستقبل ولا أحد يستطيع ذلك، لا يشغلنا ذلك، نريد أن نكون في الحاضر الآن والحاضر الذي كان أو الذي سيكونه ولا يمكن ذلك إلا بمواكبة نفس الجيل الذي يصنع المشهد الآن ويؤسس له. من هنا فتحنا بوابة للشباب، نشاركهم في صناعة نتاجهم بحسب إمكانياتنا وخبراتنا. أي كتابة تستحق سوف نلتف حولها ونقدمها بما يليق والنص. ومن هنا أسسنا فكرة مشروع «صندوق علي الصافي للإبداع الشعري» يدعم ويتكفل بكل الإصدارات الشعرية الأولى لشعراء شباب. ونعتز جداً بكل الإصدارات التي خرجت من هذا المشروع، نعتز ونفتخر بها جداً.

من علي الصافي؟

- علي الصافي شاعر كويتي من جيل قريب جداً، نشر مجموعته الأولى «خديجة لا تحرك ساكناً» في منتصف التسعينيات وبعدها في عام 2000 توفي في حادث مروري وهو في مقتبل الثلاثينيات من العمر، شاعر مهم ومؤثر في أبناء جيله، ديوانه كان بمثابة علامة فارقة في إصدارات الجيل نفسه، لكنه رحل مبكراً وترك جرحاً في الشعر مفتوحاً على احتمالات كثيرة... حين نسمي المشروع باسمه فإننا نريد لهذه الإصدارات الأولى أن تكون علامات فارقة في أفق شعري مفتوح على احتمالات كثيرة... وأيضاً تخليداً لروح الصافي، روح الشعر الجديد المحدث بلغته وفكرته ودهشته.

ما الذي تقدمه دار مسعى لحركة النشر في البحرين والخليج بشكل عام، وهل لديكم أي إحصائيات تتعلق بهذا الأمر؟

- نحن كدار نشر لسنا معنيين بوضع الأرقام والإحصائيات، أتصور هذا عمل اللجان التي تهتم بالكتاب مثل: معارض الكتب والمكتبات والمواقع المختصة. مسعى بدأت كمشروع خليجي يهتم بأدب وفكر المنطقة ثم انفتحت على العالم العربي عبر بعض الإصدارات، لكنها بالغالب تهتم بهذه المنطقة، بشعرائها وروائييها وكتابها وفنانيها. بالمقابل نريد لهذا النتاج أن يصل للآخر في كل مكان، عبر هذه البوابة. خذي مثلاً في الشعر، لايزال الشاعر يعاني الأمرين من أجل أن يجد دار نشر واحدة تقبل بنشر نتاجه الشعري. كذلك هنا في البحرين توجد طاقات مذهلة في الكتابة السردية والترجمة والمسرح وغيرها، لكنهم لا يجدون طرقاً للوصول لناشر أو أن فكرة النشر مؤجلة، لهذا نحن وبعلاقاتنا مع الكتاب والمثقفين نحاول أن نفتح نافذة لكتب جديدة، وقد حصل الأمر مع شعراء وروائيين ومترجمين شباب كثر طبعت أعمالهم ونشرت واشتهرت...

كيف يمكن أن تعزز هذه الجهود التي تقوم بها «مسعى» توجهات القراءة والإقبال على الكتب لدى القراء بمختلف أنواعهم.

- مسعى صديقة للكاتب، وشريكة في إصدار الكتاب بمواصفات إبداعية وفنية، وبغض النظر عن صفتها التجارية تسعى عبر خطة ثقافية لدعم المنتج الإبداعي وتقديمه بشكل يحترم النص، وبالتالي تحتاج دعم المثقفين والقراء، وهذا ما يفرحنا الآن بوجود قراء ومثقفين يقفون معنا عبر كل المراحل، أخذنا على عاتقنا أنا وشركائي وبالأخص شريكتي في التأسيس هنا في البحرين الأستاذة نهلة أبوالفتح ألا نخذل هذا القارئ، ليس مهماً كم المنتج ولكن مستواه هو الأهم، كذلك لدينا مجموعة من الأصدقاء من كتاب ومثقفين يقفون معنا لإيمانهم بفكرة المشروع. وربما نعلن قريباً عن لجنة استشارية تضيف وتقترح الإصدارات الجديدة حسب خطة الدار التي يقوم أساسها أولاً على القيمة الإبداعية للنص.

ما هي التحديات التي تواجه ناشر الكتب في العالم العربي في مجال التشجيع على القراءة والترويج للكتب، على الأخص مع ارتفاع شعبية الكتاب الإلكتروني والوسائط الرقمية الأخرى؟

- التحدي الحقيقي هو الاستمرارية، نسبة القراءة في العالم العربي متدنية جداً، لكننا مرة أخرى نعوّل على الأجيال الجديدة، ثمة مجاميع شبابية تحمل هموم القراءة، وأن تكون القراءة ثقافة وأسلوباً، نحاول أن نكون إيجابيين ونفكر أن ترتفع نسبة القراءة مع ملاحظتنا أن أغلب زوار معارض الكتب الذين يهتمون باقتناء الكتب هم من الشباب. أما عن الكتاب الإلكتروني والنشر الرقمي فهو بالتأكيد مهدد لصناعة الكتاب الورقي، لكنني دائماً أقول إن لكل منهما سمته الخاصة وطبيعته ومجالات عرضه وتوزيعه، نحن نعيش في زمن مختلف عما هو قبل عشرين سنة، كانوا يقولون أن التلفزيون هدد عالم الكتاب، المقارنة غير دقيقة. فضلاً عن أن الكتاب الإلكتروني مازال يحاول أن يصل للقارئ بصعوبة، وأتصور أن الخطر الحقيقي هو إهدار الحقوق، أقصد قرصنة الكتب وإتاحتها مجاناً للقارئ.

لماذا اخترت نشاط طباعة الكتب ونشرها وهي صناعة تواجه الكثير من التهديدات على الأخص في العالم العربي.

- عند كل كاتب بلا استثناء أحلام في مشاريع ثقافية كإصدار مطبوعة أو مركز ثقافي أو دار نشر أو غيرها من مشاريع تضيف للحراك الثقافي في أي منطقة جغرافية يتواجد بها، أحياناً مثل هذه الأحلام لا تتحقق إلا ضمن ظروف معينة، لنقل فرص أو قرارات تغير مجرى كل مسيرتك المهنية... هنا الفرصة والظروف تحققت وغامرنا، وأتصور أنه لولا وجود أشخاص يحملون الفكرة والحلم ذاتهما لما تحقق شيء مؤسس بهذا الشكل الذي ينقل الحلم لواقع تبني عليه وتطوره وتعطيه كل وقتك وجهدك، وحين تدخل بكل هذا الحماس لا تفكر بالتهديدات بقدر ما تكون هذه التهديدات مبرراً للنجاح.

العدد 4781 - الجمعة 09 أكتوبر 2015م الموافق 25 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً