العدد 4785 - الثلثاء 13 أكتوبر 2015م الموافق 29 ذي الحجة 1436هـ

الخبير الاستراتيجي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أضحت ظاهرة الاستسهال ظاهرة عربية بامتياز. ويتداول اليمنيون تعريف اليمن بأنه بلد المليون عقيد، وذلك لا يقتصر على اليمن بالطبع، ففيما يخص الألقاب العلمية فنحن العرب ذوو أعلى نسبة عالمية ممن يحملون درجة الدكتوراه والبروفسورية، رغم أن أياً من جامعاتنا لم تشمل في قائمة أفضل 500 جامعة في العالم بينما جامعة سنغافورة ذات الـ 5 ملايين ضمن القائمة، ولك أن تتصور غالبية حاملي درجات الدكتوراه والبروفسورية. وفي القرن العشرين تطورت ظاهرة مراكز البحوث والدراسات أو ما يطلق عليه (Think Tank) بدءاً بالولايات المتحدة ثم أوروبا ثم عمّت العالم. وهنا أيضاً فقد كان العرب آخر من تبنى إقامة مراكز الدراسات والبحوث العلمية ولكن كله تحت سيطرة الحكومة، خلافاً لمراكز الدراسات والبحوث في الشرق والغرب. وكما وصفتهم رفيعة غباش، رئيسة جامعة الخليج العربي السابقة، في مؤتمر المركز العربي للدراسات الاستراتيجية، في الدوحة بداية هذا العام مخاطبة المؤتمر «ليس عندنا في الخليج مراكز دراسات بل مكاتب علاقات عامة، وليس لدينا خبراء استراتيجيين بل موظفو علاقات عامة، مهمّتم التلميع للأنظمة».

ولقد تطلب التوسع الهائل في وسائط الإعلام بما في ذلك الصحف المصقولة والمئات من الفضائيات، الحاجة لمختصين ليدلوا بدلوهم في العديد من القضايا وخصوصاً الساخنة، حيث تعج منطقتنا بالحروب والنزاعات المسلحة، والصراعات مع الجيران، وهنا تزاحم من يدعون بالخبراء الاستراتيجيين على وسائط الإعلام وخصوصاً الفضائيات، ونَدُر بالطبع أن تجد فضائية عربية مستقلة. أضحى هؤلاء مدعي الخبرة الاستراتيجية مثل مياه الحنفية، ما أن تفتح التلفزيون حتى تراهم قد ملأوا الفضائيات بالتحاليل المبتسرة والأحكام القطعية.

فهم يهرفون فيما يعلمون وما لا يعلمون. ترى الواحد منهم حصل على شهادته بالتلصيق يتحدث عن قضايا الصراعات الاستراتيجية على المستوى الكوني، وانعكاساتها على المنطقة، ودور المنطقة في الصراع الكوني. وآخر لا يفهم نظرية كنيز في الاقتصاد، وهو يحلل بنية الاقتصاد وتوقعات المستقبل، في عالم متداخل تسوده العولمة، والتحولات المتسارعة.

من الصعب أن نسوق أمثلة على هذا الاستسهال، وشواهد على هذا الابتذال، فمن الواضح أن جل همهم هو الترويج والتبرير لأنظمتهم وإظهار سياساتها وقراراتها بأنها عين الصواب، وخيارات وسياسات المختلفين معها بأنها عين الخطأ، وتصوير قياداتها بالعبقرية والدهاء وتصوير خصومهم بالغباء والجبن. أحدهم خرج علينا بتحليل خائب وهو أن اللغة الفارسية ليست لغة غنية وتفتقد إلى المترادفات بينما هو لا يعرف الفارسية أصلاً.

وآخر تحدث عن خطة إيرانية لا أدري كيف حصل عليها، لاجتياح الجزيرة العربية من جنوب اليمن، ومن الشمال، العراق وسورية، بينما بحر الخليج وبحر عمان مفتوح أمامها. وهناك ما يردده الببغاوات في فضائية المسيرة اليمنية، عن الخيار الاستراتيجي لتحالف الحوثي صالح، وهم لا يفقهون أصلاً كلمة استراتيجي علماً أنه لا توجد أصلاً خطة استراتيجية ولا حتى تكتيكية.

وعلى الجانب السياسي فإن مهمة هؤلاء الخبراء تصوير منطقتنا بأنها جنة الله على الأرض وأننا محسودون من قبل الشعوب الأخرى بما نتمتع به من خير عميم. ولذا فإن همّهم تصوير النقيصة بأنها ميزة، فالديمقراطية تسبب الفتن والبرلمان يسبب الانقسامات، وبقاء المرأة في البيت لحفظ شرفها.

هؤلاء لا يمتلكون المعرفة الحقيقية ولا الموهبة الخلاقة، لذلك وفي حالات نادرة حيث يمكن مجادلتهم وجهاً لوجه؛ ولكن في المنتديات والمؤتمرات والفضائيات في العالم الغربي، فإنهم سرعان ما يتهافتون وتعوزهم الحجة، بل إن غالبيتهم يمتنع عن المناظرة، لأنهم لا يمتلكون الحجة أو المنطق، فمتى يعي من لديه القرار بأن هؤلاء عبء عليهم وعلى شرعيتهم وإسفين يفصل ما بينهم وما بين شعوبهم.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4785 - الثلثاء 13 أكتوبر 2015م الموافق 29 ذي الحجة 1436هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:00 ص

      خربانة خربانة

      اصحاب الفكر والرأي السليم في الوطن العربي اما يدجّنون لصالح الانظمة واما يبعدون.
      من لا تستطيع الانظمة العربية تدجينه لكي يصبح بويجي وصباغ احذية يضايقونه حتى يركنونه في زاوية ويقضون عليه وعلى علمه .
      الأمم الأخرى تطارد المتفوقين لتجلبهم وتستفيد مما منحهم الله من علم وتفوق ومواهب ودولنا ينبذونهم ويضايقونهم

    • زائر 1 | 11:45 م

      نستغرب من هؤلاء

      نعم اخي عبدالنبي.. اصبت الحقيقه في وصفهم..فقد كثرت المغالطات وكل من هؤلاء يهرويل لمصلحته مستغلا الوضع ..

اقرأ ايضاً