العدد 4794 - الخميس 22 أكتوبر 2015م الموافق 08 محرم 1437هـ

التحول الرقمي وثقافة الإبداع

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

«التحول الرقمي» أصبحت من أكثر العبارات تكراراً في عالم الإدارة في هذه الفترة، وهذا يشير الى التغييرات الكبرى التي تحدثها حاليا تطبيقات التكنولوجيا الرقمية في جميع جوانب المجتمع البشري.

غير ان التركيز على هذه العبارة يأتي للتوضيح بأن هذه الفترة تتميز عن الفترات السابقة في أن التكنولوجيا الرقمية لا تسهل العمليات التقليدية السابقة، وإنما تستبدلها بالكامل. كما أن هذا «التحول الرقمي» لا يحدث إلا إذا تواجدت «ثقافة الإبداع» في بيئة العمل، بحيث يمكن إلغاء الأساليب التقليدية في كل الشركات الصغيرة والكبيرة، وفي قطاعات الأعمال بصورة شاملة، وفي خدمات الحكومة، وفي وسائل الاتصال الجماهيري، وفي الفن، والطب والتعليم، الخ.

«التحول الرقمي» ليس عبارة طنانة، وإنما مفهوم متكامل يشير إلى تغيير المكونات الأساسية للعمل، ابتداء من البنية التحتية، ونماذج التشغيل، الى التوزيع والتسويق، مما يعني انه برنامج يمس كل وظيفة في كل مجالات الأعمال.

أما لماذا كل هذا الحماس حالياً، فإن ذلك يعود الى محفزات رئيسية في بيئات الأعمال، منها التقدم الكبير في سعة وسرعة ورخص وسائل الاتصال والتطبيقات الذكية الهائلة وتغير الطلب على السلع الاستهلاكية، وتغير المنافسة. إضافة الى كل ذلك، فإن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة أعادت صوغ الأسواق، وهذه المتغيرات لم تعد سطحية، وانما هي عميقة الجذور تتزامن جميعها لتساهم في ايصال الأمور إلى نقطة تحول لا رجعة فيها.

في فترة التحول الرقمي، تصبح «ثقافة الإبداع» حاجة ضرورية لرؤية الطريق والتحرك نحو بيئة العمل الجديدة. وهذا ينطبق على الأشخاص والشركات والدول. فسنغافورة، مثلاً، من الدول التي سارعت الى الخروج من الأزمات التي واجهت منطقتها من خلال بث ثقافة الإبداع في مناهجها التعليمية، وفي سوق العمل، وتحشيد روح المبادرة والحماس من أجل التغيير، وتشجيع شركاتها ومواطنيها على المخاطرة في الأعمال والتسامح مع الفشل أثناء القيام بالتغييرات المطلوبة. وفي الوقت ذاته، فإن بنيتها التحتية وخدماتها، جميعها توجهت من أجل تسهيل التحول الرقمي، والتأكد من وجود قاعدة عريضة من المعرفة والابتكار والبحث والتطوير، والتأكد من تطابق المهارات بين احتياجات اقتصادها القائم على المعرفة ونوع الخريجين من المؤسسات التعليمية.

لقد أصبحت المهارات الشخصية (الناعمة)، مثل التفكير الإبداعي والنقدي وحل المشاكل والتسويق وخدمة الزبائن واتقان استخدامات التكنولوجيا الرقمية، من صلب المنهج التعليمي، وجزء لايتجزأ من برامج التدريب المستمرة في الشركات، وذلك بهدف إنعاش «ثقافة الإبداع» التي لايمكن للتحول الرقمي حدوثه من دونها.

وإذا كان الدور الحكومي محوري في إنجاح التحول الرقمي، فإن دور المؤسسات في القطاع الخاص لا يقل أهمية، وهو أمر لا يمكن إيكاله للاستشاريين وكأنه سيحدث بعد صرف المال على دراسات الجدوى، وانما يتطلب فهماً واضحاً للمهارات وللتقنيات والأسواق، وطبيعة المنتجات والخدمات والخبرات المطلوبة للاستجابة الى التحديات بصورة واقعية.

كما أن على المؤسسات أن تلتفت الى ان «ثقافة الإبداع» تتطلب منهم تدريب العاملين على القدرة على التفكير بشكل خلاق، أو «خارج الصندوق»، وذلك عبر استخدام الإلهام والخيال في حل المشكلات.

التفكير الإبداعي يتطلب النظر إلى المشكلات من زوايا غير متوقعة، ويشمل التفكير الجانبي وترك أساليب التفكير التقليدية وعدم الركون إلى الأفكار المسبقة.

ويمكن للمؤسسات تطوير القدرات الإبداعية للعاملين لديها من خلال تدريبهم على أساليب معينة، مثل اعتماد طريقة «قبعات التفكير الست» Six Thinking Hats، وهي واحدة من أساليب التفكير الإبداعي، والتي ابتكرها في 1985 «إدوارد دي بونو» Edward de Bono لتحليل أنماط التفكير عند الإنسان.

إن قبعات التفكير الست هي 6 أنماط تمثل أكثر أنماط التفكير الشائعة عند الناس، وملخصها ما يلي:

القبعة البيضاء: تمثل نمط التفكير بلغة الأرقام والحسابات والوثائق والإثباتات.

القبعة الحمراء: تمثل نمط التفكير العاطفي الذي يفعِّل العاطفة وخياراتها بشكل في كل المواقف.

القبعة الصفراء: تمثل نمط التفكير المتفائل الحالم الذي يركز على الإيجابيات.

القبعة السوداء: تمثل نمط التفكير المتشائم الذي يركز على السلبيات.

القبعة الخضراء: تمثل نمط التفكير الإبداعي، الذي يهتم بالبحث عن البدائل الأخرى، والتفكير بالأمور بطريقة غير مألوفة وجديدة، أو يعطي الكلمات مفهوماً معاكساً.

القبعة الزرقاء: وهي قبعة التحكم بالعمليات، وتمثل نمط التفكير التنسيقي الذي يضع جدول الأعمال ويخطط ويرتب وينظم باقي العمليات.

الفكرة الأساسية التي يقوم عليها برنامج التدريب على قبعات التفكير تهدف الى تدريب العاملين على ممارسة كل هذه الأنماط أثناء حل المشكلات، وذلك تجنباً للوقوع في مصيدة تشويش الأفكار.

ما يعنينا هو التأكيد على ضرورة توافر التدريب على مختلف الاساليب (من بينها طريقة القبعات الست) وذلك من اجل انعاش «ثقافة الإبداع»؛ لأنه ومن دونها لا يمكن ان ينجح «التحول الرقمي».

ان «ثقافة الابداع» هي ثقافة إيجابية تنفتح على المتغيرات وتستجيب لمتطلبات السوق التنافسية، وتستحث الجميع على الابتكار والتعلم المستمر، بصورة مؤسسية؛ وذلك من خلال تفكيك الأساليب التقليدية، والتخلي عن الطرق القديمة، واقتحام المخاطر، وتغيير نمط العمل ونتائجه بصورة جذرية.

ان كل ذلك يتطلب وعياً وطنياً، والتزاماً قيادياً من الحكومة ومن مجتمع الاعمال ومن داخل المؤسسات بمختلف احجامها وتنوع نشاطاتها، ضمن استراتيجية عامة وشاملة تربط التعليم والتدريب بسوق العمل وبالرؤية الاستراتيجية للبلاد.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4794 - الخميس 22 أكتوبر 2015م الموافق 08 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 12:32 ص

      استراتيجية القبعات الست تطبق في المدارس منذ سنوات ... ام محمود

      الكثير من المعلمات طبقوا هذه الاستراتيجية و هي تعتبر من مهارات التفكير العليا داخل الصفوف و انا حضرت لمادة الاجتماعيات و الدين و رأيت تفاعل الطالبات الايجابي لان مطلوب منا زيارة البعض لتبادل الخبرات و هو تغيير لنمط الدرس كل مجموعة تلبس طالباتها القبعة هناك الصفراء و الزرقاء و السوداء والبيضاء و الحمراء و هناك القبعة البنية ايضا اصبحوا سبع قبعات و يطبقون التمارين المعروضة في البوربوينت لكل قبعة و توجد في النت فيديوهات توضح كيفية التطبيق بطريقة مشوقة

    • زائر 2 | 3:23 ص

      شكر

      شكراً دكتور على تنويرنا

    • زائر 1 | 1:22 ص

      مقالات جميلة

      دكتور انا يعجبني عمودك في هذه الزاوية.. ودائما احرص على قراءة مقالك في هذا اليوم.. مقالات ذات مفاهيم جميلة ومتقدمة.. بالتوفيق

اقرأ ايضاً