العدد 4794 - الخميس 22 أكتوبر 2015م الموافق 08 محرم 1437هـ

إنهم فتيةٌ آمنوا بربهم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

ونحن نتفيأ ظلال ذكرى ملحمة كربلاء، كثيراً ما يلحّ عليّ خاطرٌ يقول: ماذا كان سينقل القرآن الكريم عن مقتل سبط الرسول (ص) لو كان مستمراً في النزول حتى يوم عاشوراء؟

اهتم القرآن الكريم بنقل قصص الأنبياء وأتباعهم، وما لاقوه من محن وعذابات، وما قادوه من نضالات لإصلاح الأوضاع الفكرية والدينية والسياسية الفاسدة. ويتحدّث في العديد من السور، عن قصص الأمم الأخرى، وكيف قاد الأنبياء حركات الإصلاح، التي لم تقتصر على العبادات، بل شملت المعاملات اليومية وسياسة الناس والتحكم في البشر على أيدي قوى المال والسلطان ورجال الكهنوت المرتشين.

القرآن الكريم تحدّث في العديد من سوره، عن الحروب التي خاضها المسلمون ضد مشركي قريش، بدءًا بغزوة بدرٍ وأُحُد، إلى غزوة الخندق في سورة «الأحزاب»، وغزوة تبوك في سورة «التوبة»، فضلاً عن الوعد بفتح مكة قبل تحقّقه بسنتين، كما في سورة «الفتح». كما سجّل القرآن تفاصيل عمّا كان يعتري المسلمين من لحظات ضعف وهزيمة، ويوبّخهم أحياناً بسبب بعض تلك المواقف في تلك الحروب، أو يشد أزرهم ويثبت قلوبهم في مواقف أخرى.

وسجّل القرآن جوانب أخرى ذات بعد اجتماعي، واهتم كثيراً بالأخلاق وترسيخ القيم والمبادئ ذات البعد الإنساني؛ من أجل خلق مجتمع فاضل، يقوم على العدل والمساواة ومناهضة الجور والاستغلال. ولذلك نسأل: ماذا لو استمر القرآن في النزول حتى العام 61 للهجرة؟ هل سيمر بها مرور الكرام؟ أم سيهملها؟ أما سيتوقف أمامها طويلاً؟

القرآن الكريم تحدّث عن قصة أهل الكهف التي وقعت قبل بضعة قرون من نزوله، في سورةٍ تحمل اسم «الكهف»، من الآية 9 حتى 26، وقال عنهم: «نحن نقص عليك نبأهم بالحق. إنهم فتيةٌ آمنوا بربِّهم وزدناهم هدى». وكيف ربط على قلوبهم، حيث قالوا: «هؤلاء قومُنا اتخذوا من دونه آلهةً...»؛ وكيف اعتزلوا قومهم إلى الكهف، «ولبثوا في كهفهم ثلاثَ مئةٍ سنينَ وازدادوا تسعا»، وكيف تنازع الناس في أمرهم بعد عودتهم إلى الحياة، «فقالوا ابنوا عليهم بنياناً. ربهم أعلم بهم. قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً».

كان الناس في الجزيرة العربية يتداولون قصة أهل الكهف نقلاً عن أهل الكتاب، فثبّت القرآن النظرة الإسلامية للواقعة؛ قصة فتيةٍ آمنوا بربهم، وتمسّكوا بمبادئهم وقيمهم، وحين زاد عليهم التضييق فرّوا بدينهم إلى كهفٍ بعيد، حيث نشر الله لهم أفياء رحمته. فماذا كان سيقول القرآن لو كان ينزل أثناء أو بعد واقعة كربلاء؟

حفيد رسول الإسلام محمد (ص)، يُحاصَر في صحراء على بعد 1400 كيلومتر من مدينة جده، ويُمنع عنه الماء ويتعرض مرافقوه من نساء وأطفال إلى العطش، ويُقتل مع 16 رجلا وشاباً من آل بيت محمد، مع 100 من أصحابه وأنصاره، ليس بينهم إلا صالح تقي، نقي السريرة، لم يبغوا علواً في الأرض ولا فساداً. كان رائدهم الإصلاح، ووقف الفساد الذي أخذ ينخر في جسد الأمة ويدمّر أخلاقها، ويستبيح حقوقها ويسحق كرامتها ويقوّض احترامها لذاتها.

ما الذي يمكن أن يتناوله القرآن من قصة كربلاء؟ سواءً عن فتية ورجال وشيوخ آمنوا بربهم وتمسّكوا بمبادئ محمد ودافعوا عن بقاء دينه إلى الأبد في وجه أعاصير الردة الجاهلية، أم عن جيشٍ أجهز جنوده على أبناء الرسول وهم يكبّرون، ثم اصطفوا لأداء الصلاة فوق أشلاء الشهداء.

ماذا كان سيقول القرآن عن فتية أبدوا من الصبر والشجاعة والإيمان والتضحيات، لم يضعفوا ولم يستكينوا، ما أذهل العقول وحيّر الألباب، قال فيهم سيد شباب أهل الجنة: «فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي». رحمة الله عليكم وبركاته عليكم أهل البيت وأنصارهم... إنه حميد مجيد.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4794 - الخميس 22 أكتوبر 2015م الموافق 08 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 20 | 4:15 م

      القرآن الكريم به الكثير من الاسرار و هو معجزة بحد ذاته ... ام محمود

      قال تعالى :فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ
      هذه الاية تذكر بكاء الارض و السماء عند استشهاد النبي يحيي ع و استشهاد الامام الحسين ع
      القران يعتبر لغز و به الكثير من الاسرار التي كشفها العلم و منها حساب الارقام و الامام علي ع مذكور في القرآن الكريم و الامام الحسين و الامام المهدي و اهل البيت جميعهم في آيات تشملهم جميعا و نهاية امريكا و اسرائيل
      ...

    • زائر 19 | 10:28 ص

      رحمة الله عليكم وبركاته أهل البيت ... إنه حميد مجيد

      ماذا كان سيقول القرآن عن فتية أبدوا من الصبر والشجاعة والإيمان والتضحيات، لم يضعفوا ولم يستكينوا، ما أذهل العقول وحيّر الألباب، قال فيهم سيد شباب أهل الجنة: «فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي، ولا أهل بيتٍ أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي».

    • زائر 16 | 6:47 ص

      مساء الخير

      زائر 11 قويه عليك أصدق حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم 'انا اشكك في اسلامك نعم الصحاح الخمسه كلها تجمع صحه هادا الحديث الشريف ماشي خلي تحليلك لنفسك حديث آخر عن النبي صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وعلى أي يا على انت قسيم الجنه والنار بعد قل لا اسئلكم عليه اجرا إلا المودة في القربي بعد أزيدك ايه نزلت بحقهم المباهلة محمد( ص)'على وفاطمة والحسن والحسين راجع شرح شيخ الإسلام ابن تيمية

    • زائر 15 | 6:44 ص

      السلام عليك يا ابا عبدالله وعلى الارواح التي حلت بفنائك

      اللهم العن اول ظالم ظلم حق محمد وال محمد اللهم العن العصابة التي جاهدت الحسين (ع )

    • زائر 7 | 2:58 ص

      سلام الله عليك يا أبا عبدالله.

      الحسين من أحيا دين جده الطريق المستقيم .

    • زائر 6 | 2:16 ص

      اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي

      تكررت وصية النبي باتباع اهل بيته وورود احاديث بصور مختلفة كلها تحث على الاهتمام باهل البيت له دلالات كبيرة. كما ورد ذكر آل ابراهيم وآل عمران وتفضيلهم على العالمين.
      التفضيل ليس ليس جزافا وليس للقرابة فقط لان ابي لهب عم النبي. اذا التفضيل بهدف خلق القذوة

    • زائر 4 | 1:24 ص

      عن عائشة ر

      في تاريخ ابن عساكر ومقتل الخوارزمي ومجمع الزوائد وغيرها واللفظ للثاني ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة ، قالت : ان رسول الله ( ص ) أجلس حسينا على فخذه فجاء جبريل إليه ، فقال : هذا ابنك ؟ قال : نعم ، قال : أما ان أمتك ستقتله بعدك ، فدمعت عينا رسول الله ، فقال جبريل : ان شئت أريتك الأرض التي يقتل فيها ؟ قال : " نعم " فأراه جبريل ترابا من تراب الطف . وفي لفظ آخر : فأشار له جبريل إلى الطف بالعراق فأخذ تربة حمراء ، فأراه إياها فقال ، هذه من تربة مصرعه

    • زائر 11 زائر 4 | 3:18 ص

      الصراحه

      قويه ودي أصدق بس ماقدرت

    • زائر 17 زائر 4 | 7:43 ص

      السلام

      ليش قويه ليس قويه و لا شيء الحقيقه هذه و الحقيقه مره.

    • زائر 3 | 1:23 ص

      وروى الطبراني ايضا

      روى الطبراني وابن أبي شيبة والخوارزمي وغيرهم واللفظ للأول ، عن صالح بن أربد عن أم سلمة رضي الله عنها قالت قال رسول الله : اجلسي بالباب ، ولا يلجن علي أحد ، فقمت بالباب إذ جاء الحسين رضي الله عنه فذهبت أتناوله فسبقني الغلام فدخل على جده ، فقلت : يا نبي الله جعلني الله فداك أمرتني أن لا يلج عليك أحد ، وان ابنك جاء فذهبت أتناوله فسبقني ، فلما طال ذلك تطلعت من الباب فوجدتك تقلب بكفيك شيئا ودموعك تسيل والصبي على بطنك ؟ قال : نعم ، أتاني جبريل ( ع ) فاخبرني أن أمتي يقتلونه ، وأتاني بالتربة التي يقتل

    • زائر 2 | 1:21 ص

      حديث جبرئيل للنبي ص عن حادثة كربلاء واعطائه لتربة منها

      في مستدرك الصحيحين وطبقات ابن سعد وتاريخ ابن عساكر وغيرها واللفظ للأول - قال : أخبرتني أم سلمه : رضي الله عنها : ان رسول الله ( ص ) اضطجع ذات ليلة للنوم فاستيقظ وهو حائر ثم اضطجع فرقد ثم استيقظ وهو حائر دون ما رأيت به المرة الأولى ثم اضطجع فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبلها فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال : أخبرني جبريل ان هذا يقتل بأرض العراق - للحسين - فقلت لجبريل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها فهذه تربتها . فقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم

اقرأ ايضاً