العدد 4796 - السبت 24 أكتوبر 2015م الموافق 10 محرم 1437هـ

ناعية الطف الخطيب عبدالزهراء الكعبي

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رغم رحيله عن الدنيا قبل أربعين عاماً، إلا أنه ظلّ يحضر في اليوم العاشر من المحرّم كل عام، ليقرأ تفاصيل «المقتل الحسيني» في عدد من تلفزيونات وإذاعات الدول العربية والإسلامية، بفضل طريقته المميزة وإخلاصه للمنبر الحسيني.

وُلد الشيخ عبدالزهراء بن فلاح الكعبي، في مدينة المشخاب العراقية، (1327هـ/ 1909م)، وصادفت ولادته ذكرى ولادة السيدة فاطمة الزهراء (ع)، ومنها حمل اسمها تيمُّناً، ومن المفارقات أنه استشهد في يوم شهادتها أيضاً (13 جمادى الآخرة 1394هـ/ 1974م).

حفظ القرآن الكريم وهو في سن مبكرة خلال ستة أشهر، وتلقى العلوم الدينية والأصول والمنطق والبلاغة، وأصبح من أساتذة الحوزة العلمية في كربلاء، يلقي دروسه في الفقه واللغة العربية وفن الخطابة، وأصبح يطلب لارتقاء المنبر في المدن الأخرى كالنجف وبغداد والحلة والبصرة والديوانية، كما طلب في البحرين والكويت وسورية ولبنان ومصر، إلى جانب القطيف والأحساء والأهواز، حيث نالت طريقته الخطابية استحسان وإعجاب الجمهور.

كان يلتزم الخطابة باللغة العربية الفصحى، دون لحن أو خطأ لغوي، فأخذت طريقته تسري للقلوب. وكان يلتزم بالروايات التاريخية، دون حاجة إلى الروايات المبالغ فيها أو المكذوبة، أو اختلاق المعاجز والخوارق وزيادة الوصف لاستدرار مزيد من الدموع. فما حدث في كربلاء جرائم الأمويين يفوق الوصف ويستعصي على العقول استيعابها ولا تحتاج إلى تضخيم. وقد بدأت الإذاعة العراقية ببث خطابه بدءاً من صباح يوم العاشر من المحرم من العام 1959، وأعادته مساءً بعد تلقيها 14 ألف طلبٍ بتكراره، كما قامت لاحقاً إذاعتا الأهواز وطهران ببثه في هذه المناسبة.

كان يهتم بالقرآن الكريم والحديث الشريف، وينتقي مواضيعه من التاريخ والسيرة، وكتب التفسير والأخلاق، إلى جانب انتقائه القصائد من عيون الشعر العربي، حيث تمثل جميعها المادة الأساس للمنبر الحسيني. وكان يهتم باقتناء ما يتعلق بالتاريخ الإسلامي كمؤلفات طه حسين والعقاد وأحمد أمين وعبدالفتاح عبدالمقصود وبنت الشاطئ والعلايلي، فضلاً عن السيد عبدالحسين شرف الدين والسيد محسن الأمين ومحمد جواد مغنية وكاشف الغطاء. وكان يقضي وقتاً طويلاً معتزلاً في مكتبته يقرأ ويجمع ويحفظ، من الصباح حتى وقت الزوال. وحين رحل عن الدنيا لم يترك لأهله وذريته (ولدان وأربع بنات) غير بيته ومكتبته التي تضم عشرة آلاف كتاب، بيعت بعد رحيله بثمن بخس.

في ذكرى رحيله العشرين، منتصف التسعينيات، حاول بعض أصدقائه ومحبيه إعداد كتابٍ عنه، بجمع ما أدركوه وعرفوه عن أستاذهم من حوادث ومعلومات تخص سيرته الذاتية، وتم طبعه ونشره في بيروت (1993)، وعندما بدأوا في الإعداد لكتابٍ ثانٍ، تلقوا تهديدات من النظام السابق، بحجة أنه يؤثر على مكانة الدولة ويعارض سياستها، ويزيد من نفوذ الأحزاب الإسلامية المعارضة! وحفاظاً على حياة هؤلاء تم تجميد فكرة الكتاب، حتى سقط النظام في 2003، فأعيدت إلى الحياة حيث انفتحت الأبواب أمام حرية النشر للصحف والكتب والفضائيات. وتم طباعة الكتاب في العام 2012، في 220 صفحة من الحجم الصغير، جمع 30 مقالاً قصيراً، أقرب للخواطر والذكريات بأقلام أصدقائه ومعاصريه، مع مقالين لبعض جيرانه أحدهما من أفغانستان والآخر من الهند، مع قصيدتي رثاء ومقالة تأبينية نشرتها «العرفان» اللبنانية.

من الأمور الجميلة التي اتفق عليها كتّاب هذه الخواطر، وأكثرهم خطباء وشيوخ دين، أنه كان متواضعاً، لا يرد طالباً، ويمدّ يده بالعون لكل محتاج، ولا يفرض مبلغاً لقاء خطابته، ويترك الأمر لتقدير مضيفه، حتى لو كان فقيراً. كما كان يهتم بحل مشاكل الناس ويسعى لإصلاح ذات البين، ويساعد الشباب الفقراء في تكاليف الزواج. وحدث أكثر من مرةٍ أن يلاقيه محتاج أو أرملة في الطريق وهو خارجٌ توّاً من مجلس حسيني، فيطلب منه مساعدةً فيمد يده للمظروف الذي يحتوي أجرة خطابته، فيقدّمه إليه وهو لا يعلم كم يحتوي من مال. ويدخل داره مسروراً ليقول كلمته المشهورة: «الحمد لله... لقد ذهب المال في محله». ويالها من درسٍ بليغ.

في 1969، اعتقل عالم الدين السيد حسن الشيرازي، فأرسل مع عدد من زملائه برقيةً إلى رئيس الحكومة آنذاك أحمد حسن البكر، مطالبين بإطلاق سراحه، فتم اعتقال الخطيب الكعبي وزميله الزبيدي في دائرة أمن كربلاء لينقلا إلى مديرية الأمن في بغداد، ثم إلى سجن بعقوبة، ليحكم عليهما بالسجن أربعة أشهر. واستمرت علاقة نظام البعث مع رجال الدين بصورة متوترة ودامية لثلاثة عقود قادمة، حيث تعرّض المئات منهم إلى الاعتقال والسجن والتهجير والتصفيات الجسدية.

في السادس من يونيو/ حزيران من العام 1974، كان يحضر مجلس تأبين لأحد الخطباء، وقامت الأيدي الخفية بدسّ السم له في فنجان قهوة، حيث توجه بعدها إلى مجلسه بالصحن العباسي، وأثناء المجلس تعرّض لحالة إغماء، وفي طريق نقله إلى المستشفى ترتفع روحه إلى السماء.

هذا الخطيب الذي جاء من أسرة فقيرة، ليحجز له مكانة خاصة في القلوب والمنابر، بصوته الشجي وأدائه الفصيح البديع، حفّت بنعشه الجماهير بحفاوةٍ بالغةٍ، وأقيمت له مجالس الفاتحة في العديد من البلدان، كما تفعل مع مراجع الدين الكبار.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4796 - السبت 24 أكتوبر 2015م الموافق 10 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 23 | 2:19 م

      جرائم الأمويين تفوق الوصف

      كان يلتزم الخطابة باللغة العربية الفصحى، دون لحن أو خطأ لغوي، فأخذت طريقته تسري للقلوب. وكان يلتزم بالروايات التاريخية، دون حاجة إلى الروايات المبالغ فيها أو المكذوبة، أو اختلاق المعاجز والخوارق وزيادة الوصف لاستدرار مزيد من الدموع. فما حدث في كربلاء جرائم الأمويين يفوق الوصف ويستعصي على العقول استيعابها ولا تحتاج إلى تضخيم.

    • زائر 24 زائر 23 | 10:23 م

      عبد الزهراء ، أخلص للحسين فخلد ذكره

      اخذتني الذاكره الى الوراء عندما كنت صغير احضر مجالسه مع والدي رحمه الله في رأس رمان .

    • زائر 22 | 7:08 ص

      رحمك الله يا عبدالزهره الكعبي

      بالفعل كان خطيب رائع في النعي ،، أما الآن الخطيب الشيخ زمان الحسناوي ناعي رائع وأيضا المبدع دائما وابدا الشيخ حسين الأكرف طيب الله أنفاسه (إبداع أكرفي متنوع ).

    • زائر 21 | 6:53 ص

      الله يرحمه , أحب سماع المقتل بصوته .

      ______________________________ من الناس الخالدون , ترك بصمته باسم الحسين , هذا طريق النجاح .

    • زائر 20 | 5:05 ص

      رحمك الله ايها العالم الجليل

      الله يحشره مع النبي والأئمة الأطهار في دار القرار
      كان صوتاً شجي لمصيبة كربلاء

    • زائر 19 | 4:36 ص

      الله يرحم عبالزهراء

      صراحة كان يقرا يوم عاشر بتفاصيل وروعة وكان صوته يبكى الملايين من شيعة علي
      هنيئا له بالشهاده والله يحشرهو ويه محمد واله فى الجنه انشاء الله

    • زائر 18 | 3:10 ص

      الشيخ عبد الزهراء الكعبي

      عبد الزهراء الكعبي من الخطباء المميزين وله طريقته الخاصة في قراءة المقتل والتي يحاول معظم الخطباء عن قراءة المقتل تقليدها وإتباعها نسأل الله أن يجمعه مع محمد وآل محمد صل الله عليه وآله

    • زائر 17 | 2:41 ص

      رحمة الله عليه

      مثال للصدق والإخلاص

    • زائر 16 | 1:35 ص

      رحمه الله عليه

      اخر مجلس عزاء الي هذا العالم كان في البحرين وكان يقرء كل سنه في مسجد راس رمان

    • زائر 15 | 1:08 ص

      رحمه الله رحمة الأبرار فهو أحد رجالات اهل البيت

      رجل مؤمن صادق لذلك كانت كلماته تصيب قلوب المؤمنين وتلقى صداها فكان محبوبا بمعنى الكلمة وله مكانة عالية جدا لذلك اغتاله النظام العفلقي المجرم الذي يعمد لكل شخصية مرموقة اجتماعيا ليتخلّص منها اذ لا يريد الظهور الشعبي الا له فقط .
      كشخص اعشق هذا الرجل المؤمن الذي منحه الله موهبة الصوت والبلاغة فصقلهما بتعلم القرآن واحاديث اهل البيت
      رحمه الله رحمة الابرار

    • زائر 14 | 12:57 ص

      عبد علي البصري تكمله

      وقال وكيع : هم المسلمون . وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : هم النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه . والتفسير المتقدم ، عن ابن عباس أعم ، وأشمل ، والله أعلم هذا ابن كثر يقول انهم المؤمنون , قال رسول الله اني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ابدا كتاب الله وعترتي اهل بيتي .

    • زائر 13 | 12:56 ص

      الصوت الحزين

      الله يرحمه برحمته الواسعة وحشره مع محمد وال محمد انه سميع مجيب الفاتحة

    • زائر 12 | 12:39 ص

      مقالة رائعة

      بارك الله فيك ياسيدنه معلومات رائعه في المقال

    • زائر 11 | 12:38 ص

      رجل عظيم

      شكرا سيد لذكر قليل من مناقب هذا الرجل الفذ- هنيئا له المنازل العلى الذي يسكنها بقرب أهل البيت عليهم السلام

    • زائر 10 | 12:36 ص

      عبد علي البصري تكمله

      صراط الذين انعمت عليهم ... فمن هم الذين انعم الله عليهم . في هذه الآيه , بلحاض أن يكونوا من دين الاسلام لان الدعاء في السوره الكريمه اهدنا الصراط المستقيم هو دين الاسلام و القرآن كما هو مبين في التفاسير .( تفسير ابن كثير) وقال أبو جعفر ، عن الربيع بن أنس : ( صراط الذين أنعمت عليهم ) قال : هم النبيون . وقال ابن جريج ، عن ابن عباس : هم المؤمنون . وكذا قال مجاهد ...... تكمله

    • زائر 9 | 12:24 ص

      عبد علي البصري تكمله

      وقد والصراط هذا معرف كما هو في الآيه السابقه ومعرف مره اخرى في الآيه الاحقه , فهو معرف بالاستقامه ليس فيه أي خطأ معصوم لانه صراط الله , ومعرف مره اخرى في هذه الآيه ( صراط الذين انعمت عليهم ) بأشخاص أكيد هم مستقيمون , ولو لم يكن كذلك لما جاز أن يعرف الصراط بالاستقامه مره ومره بأشخاص غير مأهلين مره اخرى, غير المغضوب عليهم ولم يضلو قط بصريح القرآن فمن هم ؟؟؟

    • زائر 8 | 12:18 ص

      رحمة الله عليه

      هو افضل من ينعى الحسين عليه السلام في يوم العاشر من المحرم بحيث تستمع له كل عام على الرغم من رحيلة منذ اربعين عامة .
      اين هو الآن هو في وجداننا اللذي لاينسى كل عام اما قاتليه من حزب البعث الدموي فهو ذاكرة النسيان الله لايرجعها .

    • زائر 7 | 12:17 ص

      دروس ونموذج لخطباء العصر الحديث..

      الشيخ عبدالزهراء بن فلاح الكعبي، كان متواضعاً، لا يرد طالباً، ويمدّ يده بالعون لكل محتاج، ولا يفرض مبلغاً لقاء خطابته، ويترك الأمر لتقدير مضيفه، حتى لو كان فقيراً ...

    • زائر 6 | 12:01 ص

      عبد علي البصري

      بعد البسلمه والحمد والثناء والاخلاص و الاستعانه , تنتقل السوره الى موضوع آخر وهو الدعاء بالهدايه الى الصراط المستقيم , (اهدنا الصراط المستقيم ) هذه الآيه فيها خصوصيه وحصر ويتجلى ذلك في (( اهدنا )) فقط بالهدايه الى الصراط المستقيم , وهو معرف بأل التعريف وبالنعت بالاستقامه و لا يحتمل التعدديه ولا يليق حتى في اللغه مفرد ليس له جمع صراط فهو واحد و لا يحتمل التعدديه , ولا يختلف اثنان بأن الصراط المعرف و المعني هو ما نص عليه القرآن و السنه النبويه
      ..... تكمله ,

    • زائر 5 | 11:40 م

      رحمه الله

      مبدع وخصوصا عند قراءته المقتل.

    • زائر 4 | 11:24 م

      صوته لم يمت!

      ما زال صوته يصدح بمقتل الحسين في كل سنة، والمتأمل لطريقة سرده يعلم حجم الروح الشفافة بين جنبي الكعبي. يقدم الرسالة عبر المأساة، العِبرة مع العَبرة. حقيق ع خطباء هذا الزمن الاقتداء به سلوكا وتواضعاً وكلمة حق.

    • زائر 3 | 11:17 م

      أم محمد

      فعلا اداؤه وصوته الشجي يخترق القلوب من كنا صغار نرغب في سماعه أتذكر انه اذا حدث تشويش ع قناة طهران نتضجر ""أصبح صوته إلى الآن جزئ نعيش من خلاله واقعة كربلاء ""

    • زائر 2 | 10:45 م

      الكاسر

      اذكر في يوم العاشر من كل سنة الوالد الله يحفضة ويطول في عمرة يشغل لنا الراديو والاستماع لمصيبة الامام المظلوم فعلا كان صوتة شجي وطريقته السريعة في القراءة روعة

    • زائر 1 | 10:39 م

      سطوم

      رحمة الله عليه. أين دفن هاذا العالم الجليل

اقرأ ايضاً