العدد 4797 - الأحد 25 أكتوبر 2015م الموافق 11 محرم 1437هـ

العِلْم في خدمة النهب

الاسكندرية - رجب سعد السيد 

25 أكتوبر 2015

هذا فصل من سيرة نهب الموارد الطبيعية، جرت أحداثه إبَّان ذروة العصر الإمبريالي، وساعد في خلق تلك الأحداث أحد المشتغلين بالعلم، ولا نقول عالماً.

فالرجل، واسمه جون موراي لم يكن أكثر من طالب طب اسكتلندي متعثر، اتجه إلى البحر ليدفن فشله بين أمواجه، ورضي بوظيفة متواضعة على متن سفينة لصيد الحيتان. بعد ذلك، حصل على وظيفة مساعد فني على متن سفينة الأبحاث الشهيرة «تشالنجر»، لمدة أربع سنوات، توافرت له خلالها خبرة كبيرة برواسب قاع المحيط والشعاب المرجانية.

ولم تلبث أن أخذت اهتمامات التاجر والمغامر في جون موراي تزاحم الاهتمامات العلمية الطارئة وغير الأصيلة. وقد تركزت تلك الاهتمامات في إحدى جزر المحيط الهادئ، وهي جزيرة كريسماس، التي تقع على مسافة 300 كيلومتر من ساحل جزيرة جاوة في المحيط الهندي.

وكانت نماذج من رسوبيات قاع المحيط عند تلك الجزيرة لفتت نظر جون موراي، إذ وجد بينها كتلاً صغيرة من الصخور مكونة من فوسفات الكالسيوم النقي. هنا، اكتملت ملامح مشروع كان يداعب أحلامه: استغلال مناجم الفوسفات في جزيرة كريسماس.

يذكر أن هذه الأحداث جرت في ثمانينات القرن التاسع عشر، الذي شهد اكتشاف الأسمدة الفوسفاتية ورواجها. وكانت الولايات المتحدة تحتكر صناعة هذه الأسمدة، والمملكة المتحدة من أكبر مستورديها. وكانت هذه الملابسات هي الدافع الذي فتح شهية جون موراي الاقتصادية، وهي التي جعلت كل الإدارات الحكومية الرسمية تستجيب لكل طلباته.

في بداية خطواته العملية لتأسيس مشروعه، فوجئ جون موراي بأن جزيرة كريسماس لا تدخل في نطاق «ملكية» الإمبراطورية البريطانية، التي لم تكن الشمس تغرب عن أملاكها. فاستغل صلاته الاجتماعية، واستجابت حكومته لتوصية منه باحتلال جزيرة كريسماس وإعلانها جزءاً من ممتلكات بريطانيا!

وسرعان ما تأسست شركة جزيرة كريسماس للفوسفات، وترأسها جون موراي نفسه. وبدأت أعمال التعديـن العام 1899. وفـي 1911، كانت الشركة صدَّرت مليون طن من فوسفات الجزيرة، وهي كمية ضخمة جدّاً بمقاييس تقنيات التعدين ووسائل النقل المعروفة في ذلك الوقت. فأين ذلك من فكرة «الاستدامة» التي يجرى الترويج لها في أيامنا هذه؟

نعود إلى قصة جون موراي، الذي قضى نحبه في حادث سيارة، وخلفه أبناء فكروا في أن يخلدوا سيرة أبيهم، فوظفوا بعض ثرواته التي ورثوها عنه في المسار نفسه؟ فكان أن مولوا بعثة حملت اسم الأب الراحل جون موراي على متن سفينة أبحاث مصرية هي «مباحث»، واهتمت باستكشاف مناطق من المحيط الهندي كانت لاتزال مجهولة في علوم البحار، وأولت جانباً كبيراً من اهتماماتها بقاع هذا المحيط، ربما بحثاً عن ثروات خبيئة، لم يجدوها!

العدد 4797 - الأحد 25 أكتوبر 2015م الموافق 11 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً