العدد 4806 - الثلثاء 03 نوفمبر 2015م الموافق 20 محرم 1437هـ

«فيينا 2» رهن المصالح والخلافات

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اجتماع «فيينا 2» الذي شارك فيه ممثلو 17 دولة إقليمية بينهم الولايات المتحدة وروسيا والسعودية وتركيا وإيران والعراق والأردن ومصر ولبنان والإمارات إضافة إلى إيطاليا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا والصين والإتحاد الأوربي والأمم المتحدة، قد غابت عنه جامعة الدول العربية، والأهم سورية النظام والمعارضة التي رأى بعض أطرافها أن لا جدية من مشروع الاجتماع ولا فائدة، فهل حقّاً أن اللقاء غير ذي معنى وليس جادّاً في أهدافه وبيانه؟ ثم لما دُعيت إيران لحضوره؟ وهل ثمة أفق لأي حل سياسي توافقي ينهي الحرب على سورية؟

جدية «فيينا 2»

في مدى الجدية، اختلفت الآرء وتضاربت، فمنها من وجده غير ذي معنى وفائدة، في حين رآه آخرين أنه يضع مرتكزات مهمة لمحادثات سلام، ولإيجاد صيغة سياسية ومساحة مشتركة بين أطراف النزاع قد تؤدي إلى خطة انتقالية وعملية سياسية تنهي الحرب، وتخلق مناخاً حياديّاً بين السوريين، وخصوصاً أن آليات اللقاءات تعمل بوتيرة متسارعة وتشكل في عمقها تجسيداً عمليّاً لمبادرة وخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، الخاصة بتكوين أربع لجان «فرق عمل» تتشكل بين السوريين بهدف وضع مرتكزات توافقية لحل الأزمة بالبحث في قضاياها الأكثر تعقيداً المتعلقة بالسلامة والحماية ومكافحة الإرهاب والقضايا السياسية والقانونية وإعادة الإعمار، ذلك على رغم ما أثير من غموض حول مصيرها إذ لم يأتِ على ذكرها في بيان «فيينا 2» الأخير.

لقاءات «فيينا 2» تمت مباشرة بعد الزيارة السرية التي قام بها الرئيس «بشار الأسد» لموسكو الشهر الماضي، والتي أثيرت حولها التكهنات والتخمينات المتباينة، فهناك من فسرها باستعراض عضلات روسي غرضه بث عدة رسائل، تثبت قدرة روسيا على الإمساك بأوراق اللعبة وخلطها تماماً كما حدث في انخراطها وتدخلها العسكري المفاجئ في سورية، وأيضاً لتجديدها شرعية الأسد ودوره في أية عملية سياسية انتقالية مقبلة، والتأكيد على أن أي حل لابد من مروره عبر روسيا ضماناً لمصالحها، بيد أن ثمة من تكهن بوجود «صفقة» يجرى تداولها خلف الكواليس لتلبية مطلب معارضي النظام وحلفائهم بتنحيّ الأسد أو عبر بقائه في الحكم فترة محددة في المرحلة الانتقالية، إلا أن الكرملين نفى تلك التكهنات والظنون.

لماذا تشارك إيران؟

لاشك لقاءات «فيينا 2» نوعية؛ كونها سجلت اختراقاً بجلوس كل الأطراف الإقليمية على طاولة واحدة، كما عبرت عن ولادة النظام الإقليمي الجديد في المنطقة والعالم ولاسيما بعد الاتفاق النووي الإيراني، ولهذا اعتبر البعض مشاركة إيران فيها تمثل اختراقاً دبلوماسيّاً ومنعطفاً للنزاع، وإنها الظاهرة الأبرز، وخصوصاً أن أطراف التحالف والمعارضة السورية لطالما اعتبرت أية مشاركة لها في الشأن السوري «خط أحمر»، وتبعاً لتقارير صحافية فإن مشاركة إيران تعبر عن الأهمية الجيوسياسية التي توليها «إدارة أوباما» لها، كما أنها إحدى تمثلات السياسة الخارجية الأميركية التي ترى فيها –أي إيران- عامل استقرار يمكنه إحداث توازن ما في المنطقة.

في الإطار ذاته، ذهب آخرون إلى أبعد من ذلك، ورأوا أن غرض الولايات المتحدة من إشراكها جاء على خلفية سعيها لتوسيع التناقض بينها وبين الروس وعلى من يمسك بورقة النظام السوري، في حين تسود رؤى مغايرة تجد أن الروس والإيرانيين يتبعون سياسة المناورة والالتفافات وكسب الوقت على أمل أن تتغير ظروف كل طرف السياسية والميدانية التي تدور رحاها في مناطق أخرى، فيتنازلون عن شروطهم وخطوطهم الحمراء، كما أن التحالف بينهما في سورية يلعب دوراً تكامليّاً في مجالات محددة ومشتركة لمحاربة الإرهاب، واستناداً إلى طبيعة مصالحهما التكتيكية والإستراتيجية وأهدافهما الخاصة، فطبيعة هذا التحالف لا شك تمثل تحدياً للولايات المتحدة وحلفائها، وهي لا تعني بالطبع أن كلا النظامين الروسي والإيراني يتمسك «ببشار الأسد» تمسكاً «أبديّاً»، فكلاهما يدركان أن أي تحول مستقبلي قد يجردهما ويحرمهما من مصالحهما في سورية، وبالتالي لابد من تأمين تلك المصالح وخصوصاً أن البديل الحالي هو الجماعات التكفيرية الإرهابية.

استمر السجال في «فيينا 2» حول بقاء «الأسد» في الحكم وحول طبيعة دوره في المرحلة الانتقالية التي قد تطول نسبيّاً إذا ما تم ربطها بأولوية محاربة الإرهاب وعقد انتخابات ووضع دستور، أو بما قد يحدث من تسويات لبقية ملفات المنطقة، أو بين موسكو وواشنطن لجهة دورها الجديد عالميّاً وفي الشرق الأوسط، كذلك قضية أوكرانيا واعتراف الغرب بأن القرم روسية إضافة إلى إشكالية الدروع الصاروخية الأطلسية، إلا أن الأهم فيما توصل إليه المجتمعون كان استبعادهم للحل العسكري.

بيان من «9» نقاط ولكن؟

حول أي أفق لحل سياسي توافقي يضع حدّاً نهائيّاً للحرب، يمكننا التمعن في مضمون بيان الـ «9» نقاط الذي صدر عن «فيينا 2»، حيث أشار إلى خلافات كبيرة لاتزال قائمة على رغم الاتفاق على تسريع الجهود؛ لإنهاء الحرب، كما كشف عن تباين الآراء حول بنوده، فمن وجده يشكل خارطة طريق بما يشير إليه من ثوابت تتعلق بوحدة سورية واستقلالها وسلامة أراضيها وهويتها العلمانية، واعترافه ضمنيّاً بالدولة ومؤسساتها بل وبالنظام عبر تأكيده في البند (7) أهمية «جمع ممثلي الحكومة والمعارضة في عملية سياسية تفضي إلى تشكيل حكومة ذات مصداقية وشاملة وغير طائفية، ووضع دستور جديد وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة وموافقة الحكومة والتزام معايير الشفافية والمحاسبة والنزاهة»، فيما يجده آخرون أنه مجرد عناوين فضفاضة ومفتوحة على تفسيرات متعددة، لواسيما في البند (9) الذي يشير إلى أن «المشاركين ومعهم الأمم المتحدة سيدرسون ترتيبات وتنفيذ وقف لإطلاق النار بكل أنحاء البلاد يبدأ في تاريخ محدد وبالتوازي مع هذه العملية السياسية الجديدة»، هذا في الوقت الذي يعرف فيه الجميع دور دول حضرت اللقاءات وتدعم الجماعات المسلحة وتمدها بالمال والسلاح، وها هي الولايات المتحدة تعلن وقت افتتاح «فيينا 2» إرسالها قوات برية خاصة إلى شمال سورية، وأنها لن تقبل بحل عسكري أحادي الجانب، تقصد بالطبع أي تقدم ميداني قد يحققه الروس بعد تدخلهم العسكري في سورية.

ختاماً، من السابق لأوانه التكهن بالمطلق بفشل «فيينا 2» في توصله لحل للأزمة السورية، فقط بسبب عدم اتفاق أطرافه على دور «للأسد» في أي عملية سياسية انتقالية مقترحة، أو لجهة تخندقهم عند مواقفهم وعدم تقديمهم لأي تنازلات بشأن النظام، لكن من المهم إدراك أن الفشل في إنهاء هذا الجمود السياسي وإيجاد حلول، يعني ما يعنيه من استمرار الاستنزاف المدمر والخراب وعبث الحرب المفتعلة بارتكاب الجرائم بحق الشعب السوري ودولته، يعني التوجه إلى مسار التصعيد العسكري وبأعلى المستويات، ما قد يؤدي إلى تقسيم سورية لكيانات ودويلات ومدن موزعة تبعاً للمذاهب والإثنيات، فالكلمة الفصلى وقتها ستكون لما يفرضه الميدان.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4806 - الثلثاء 03 نوفمبر 2015م الموافق 20 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً