العدد 4807 - الأربعاء 04 نوفمبر 2015م الموافق 21 محرم 1437هـ

أيها النّكَديُّون ماذا ستجنون؟!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في وجه كلِّ إنسان 43 عضلة. أما مجموع عضلات الجسم فهي تزيد على 600، كما يقول الأطباء. وعندما يضحك الإنسان نتيجة إدراك يؤدي إلى انفعال فتقلُّصٌ عضلي فإن هناك 17 عضلة في الوجه تبدأ في الحركة، إلى جانب 63 عضلة أخرى في بقية أعضاء الجسم. يا له من تمرين سهل، وفي الوقت نفسه يُشكِّل ترويحاً عن النفس وإسعاداً لها بالمجان وكسب الآخرين.

أمَّا حين نغضب أو نعبّس، أو نريد أن نُظهِر التعاسة، فإن علينا إنهاض 43 عضلة في أجسامنا حتى ترتسم عليها ملامح العبوس. وإلى جانب ذلك، فإننا نعيش أوقاتاً كريهة، يُخيِّم فيها الحزن علينا، ولا نمنح الآخرين فرصة كي يُحبُّونا أو يتقربوا منا، أو يعتبرونا أشخاصاً بشوشين مستطابي المجالسة. وهنا يأتي التناقض بين الأمرين في تكوين العلاقات الاجتماعية.

الحقيقة، أن مسألة الضحك أو الابتسام أو بشاشة الوجه هي الأمور المهمَّة في حياتنا. فالابتسامة حبائل المودّة كما في الأثر، وقد شُبِّهَت بذلك، كونها الأقدر على كسب الآخرين، وكأنك تجرّهم إليك بسلوك سهل ولا يحتاج إلى عناء. فأنت حين تبتسم حتى ولو مجاملة فهذا لا يعني أنه نفاق، بل هو أمر حميد ومطلوب، حتى مع الأشرار فضلاً عن الأخيار. وقد قيل: «جاملوا الأشرار بأخلاقكم تسلموا من غوائلهم، وباينوهم بأعمالكم كيلا تكونوا منهم».

بول إيكمان وهو أستاذ في علم النفس يقول عن التفريق بين الابتسامة الحقيقية والمزيفة، إن في الحالة الثانية «تتحرك عضلة الوجه الرئيسية التي تمتد من عظمة الخد إلى حافة الشفة. وفي الابتسامة الأصلية ينخفض الحاجبان والبشرة بين جفن العين الأعلى والحاجبين قليلاً. والعضلات التي تتحرَّك هي عضلة العين المدارية والجزء الجانبي». لكن يبقى كلاهما ابتسامة، ولها مفعول إيجابي عند الآخر؛ لأنك وحين تبتسم بأيّ من الطريقتين كأنك تعطي للآخرين عربون محبّة.

أتذكر أن مايكل ميلر، وهو طبيب بكلية الطب بجامعة ماريلاند الأميركية، وخلال عقد مؤتمر الكلية الأميركية للقلب في أورلاندو بولاية فلوريدا قبل فترة قال: «لا نوصيك أن تضحك من دون أن تمارس التمارين البدنية، لكن نوصيك أن تجرب أن تضحك بانتظام. ثلاثون دقيقة من التمارين الرياضية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيّاً و15 دقيقة من الضحك يوميّاً ربما يفيدان جهاز الأوعية الدموية».

وقال ميلر كما نشرت ذلك «رويترز» إن «غشاء الأوعية الدموية هو الخط الأول في الإصابة بتصلب الشرايين، لذلك في ضوء نتائج دراستنا، من المتصور أن الضحك قد يكون مهمّاً في الحفاظ على غشاء الأوعية الدموية في حالة صحية والتقليل من خطر الإصابة بأمراض الأوعية الدموية للقلب». إنها فوائد يمكن للمرء أن يحصل عليها دون شراء ولا إنفاق، بل هي في يده ومتناوله.

وفي الوقت الذي يمنح الضحك الإنسان صحة جيدة، ويحدّ من ارتفاع ضغط دمه، وتعب قلبه، ويقوِّي مناعته، ويُوسِّع من قوة رئتيه حين يُدخِل الأكسجين إليها، فضلاً عن منحه الإنسان الثقة ويُنشِّط من عقله وطاقته، يوجِع النَّكَد والعبوس الإنسان ويُتعب قلبه وكامل صحته وعقله، ويُقلل من ثقته بنفسه، ويُحطم لديه كل أمل، فيعيش البؤس فلا يرى إلاّ الظلام والعُقَد.

إن العبوس والنَّكَد لم تُقرَنا (في عمومهما) إلاَّ بالأشياء المنبوذة. بل إن النَّكَد عُرِّف بالشؤْم واللؤْم على حد سواء. وأنه كل «شيء جرّ على صاحبه شَرّاً» ونَكِدِ الرجلُ أي «قَلَّلَ العَطاء أَو لم يُعْط ألبَتَّة». وعندما كان يقال عن أرض إنها نكدة أو «أَرَضُونَ نِكاد» فهي «قليلة الخير». كما في القاموس، لذلك فهي غير محمودة، وبالتالي من الظلم أن يعيش الإنسان أسيراً في أغلال النَّكَد والهَم.

كثيرون اليوم مع شديد الأسف، هم أسرى لهذا السلوك، فتراهم صباح مساء مقيّدون كالعبيد في شراك الأحزان والهموم والنَّكَد، فلا ترى وجوههم إلاَّ وأجبُنُهُم مقضّبة، وعيونهم غائرة، وزاوية أفواههم مشدودة وذقونهم متجعِّدَة، كأنهم في حزن لا ينتهي. بعضهم يحسب أن ذلك فعلاً جيداً قد يطرد الحسد عنه، والبعض الآخر يراه (خطأ) وسيلة للتنفيس ورمي زفيره الكريه.

لا يعلم هؤلاء أنهم يُربُّون الحزن في نفوسهم من خلال تعبيرات وجوههم حتى وإن كانت غير مقصودة، أو مُرائِية. كيف؟ عندما يرسم أحدهم على وجهه تعبيراً يدلّ على الغضب أو القرف، فإن مشاعر ذلك الغضب والقرف تتولّد لديه أتوماتيكيّاً، أي أن الخارج يؤثر على الداخل بشكل مباشر. وهو أمر أكَّده العلماء النفسيون في أبحاثهم من بينهم بول إيكمان ذاته.

البعض يتذرع بصعوبات الحياة ومشاكلها التي تسلبه ابتسامته، في حين يجهل تمام الجهل، أن نَكَده وعبوسه لن يأتيا له إلاَّ بِهَمٍّ مضاعَف، يزيده تعباً ويُنفِّر الآخرين عنه (بما فيه الزوج من زوجته أو الأخيرة من زوجها) في حين، أن انشراح صدره وابتسامته قد تفتح له أملاً ودافعاً لا حدّ له. والتجارب على ذلك لا حصر لها.

أختم بوصف إعرابية لزوجها وأخلاقه في البيت ومع أهله وعياله عندما يدخل إلى البيت أو يخرج منه أو يفقد شيئاً ذُكِرَت في محاسن التأويل للقاسمي وهي تترحَّم عليه بعد وفاته، فتقول: «لقد كان ضحوكاً إذا وَلَج، سكوتاً إذا خرج، آكلاً ما وَجَد، غير سائلٍ عما فَقَد».

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4807 - الأربعاء 04 نوفمبر 2015م الموافق 21 محرم 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 4:34 ص

      بحب الناس الرايقة

      انا كلش اكره النكد والنكديين .. ولا اتخذ قرار سريع في استبعادهم من حياتي

    • زائر 7 | 2:27 ص

      مقال الخميس !

      بُنيَّ إنَّ البِرّ أمرٌ هـيّنُ
      وجهٌ بشوشٌ ولسانٌ ليّنُ..
      مقال رائع مُحبّذ ليوم الخميس على الأقل نتفاءل..!
      سلمت استاذ

    • زائر 5 | 1:24 ص

      ممتاز

      احسنت....سلمت يداك ابو عبد الله

    • زائر 4 | 1:18 ص

      مشكور اخ محمد

      بس ربعنا يحبون النكد طول السنه كله حزن وسواد يمكن يتغيروا بعد هل هل نصيحه

    • زائر 3 | 11:42 م

      موضوع مهم وجميل

      أحسنت وسلمت أناملك على هكذا موضوع مهم جداً في حياة الانسان لما له من تأثير على حياته الشخصيه والعائليه والعمليه

    • زائر 2 | 11:20 م

      موضوعك شيق ..

      الإنسان متقلب كالجو لا يستقر على حالة واحدة في اليوم فما بالك في السنة رغم أن للسنة 4 فصول معروفة بينما فصول الانسان غير معروفة لانها أكثر تعقيدا فما يصلحه الضحك والابتسامة يفسده الحزن والكآبة ثم يعالجه الفرح والامل وهكذا دواليك .

    • زائر 1 | 10:19 م

      تعليق

      اكثر من خسائر الألمان بعد الحرب العالمية لم يحصل لكنهم كانوا اكثر شعب مستمتع بحياته

    • زائر 8 زائر 1 | 3:41 ص

      إذا ارت دخول قلوب الآخرين عليك ببتسامه لهم.

      بعض المسؤلين دائما مقضب في وجه الموظف ويكون العمل ممل،ولكن بينما يكون البشاشه في وجه المسؤول يكون العمل ممتعًا وشيقا ويكون عندك حماس وتتفاءل بل الخير.

اقرأ ايضاً