العدد 4817 - السبت 14 نوفمبر 2015م الموافق 01 صفر 1437هـ

«العاشق الياباني» لإيزابيل الليندي...قصة تجتاح التاريخ والرومانسية

غلاف الرواية - إيزابيل الليندي
غلاف الرواية - إيزابيل الليندي

بتجدُّد وحيوية، وهي في الثالثة والسبعين من عمرها، تطلع الروائية البيروفية المولد، التشيلية النشأة، إيزابيل الليندي، على قرَّائها بروايتها الجديدة «العاشق الياباني»... قصة حب فارقة بين شابة (إلما فاليسكو) وبستاني ياباني (إيجيمي)، في لعبة التعاقب الزمني بين الماضي والحاضر. رحلة تمتد من بولندا فترة الحرب العالمية الثانية، وصولاً بها إلى وقتنا الراهن في سان فرانسيسكو.

الرواية التي صدرت عن دار النشر الإسبانية «بلاثا وخانيس»، تتركَّز ابتداء حول الحب فترة الهرم والشيخوخة... في سن يقترب فيها الإنسان من التلاشي؛ أو هكذا يبدو الأمر، فيما تأخذنا الرواية إلى الضد من ذلك، في تثبيت لقيمة الحب في الروح والنفس والمشاعر الإنسانية، بغضِّ النظر عن السن، وحتى العجز. تختار الليندي ولاية كاليفورنيا، وتحديداً مدينة سان فرانسيسكو، لتكون مسرحاً لأحداث روايتها.

تعود «إلما» التي تبلغ من العمر 81 سنة، بذاكرتها إلى سنوات بعيدة، في محاولة لاستعادة ذكريات حب فارق.

وبحسب الليندي نفسها، كانت للرواية دوافع أظهرتها إلى النور، بوقوف موضوعها هذه المرة على الشيخوخة والعواطف المرتبطة بها، كونها كانت على تواصل في سنواتها الأخيرة مع كبار السن من الجنسين، واتفاق ذلك مع طبيعة بيئتها الخاصة، إذا ما عرفنا أن والديها بلغا الرابعة والتسعين (والدتها)، فيما بلغ والدها الثامنة والتسعين، كل ذلك أتاح لها القبض على فكرة روايتها التي بدأتها في العام 2013.

تَبْرع الليندي في توظيف ومزج الكوميديا المحليَّة بالخيال التاريخي، والإمعان في الغموض والرومانسية، ومسحة من حواشٍ لها نصيب من الخيال، للخروج برواية بذلك المستوى الأخَّاذ من براعة السبك والهيمنة على شخصياتها.

الحب... الكراهية

موضوعات الحب والكراهية هي في الصميم من عملها الروائي الذي بين أيدينا... تلك المشاعر التي ربما لا يمكن الإحاطة بها ما لم تكن شغلت حيِّزاً من تجربة وحياة أي منا. حالات العشاق تصلنا بتلك السلاسة التي تتمتع بها لغة الليندي.

ثمة استدعاء لابد منه في أثناء قراءة هذه الرواية. استدعاء لعملها الروائي الأول الذي أصدرته في العام 1982 وحمل عنوان «منزل الأرواح»، الذي احتل مكانة كبيرة وبارزة، وحظي بشهرة كاسحة في الأدب الأميركي اللاتيني الحديث.

رون تشارلز، كتب تقريراً عن الرواية في صحيفة «واشنطن بوست»، يوم الاثنين (2 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015)، نورد أهم ما جاء فيه، مع هوامش وملاحظات ارتأى المحرر أهميتها.

في الثالثة والسبعين من عمرها، هي الروائية التشيلية إيزابيل الليندي، التي امتد بها العمر في نهاية المطاف، بما يكفي للكتابة عن التقاعد الذي سيكون من دون شك، متضمِّناً جانباً من مرجعيتها الشخصية، بما لذلك من سطوة لا يمكن تجاهلها؛ فيما لا يوجد شيء يتم التقاعد من أجله إذا ما تعلق الأمر بتعاملها وتعاطيها مع السنوات المُمعنة في ظلمتها.

وعلى رغم أن روايتها الجديدة «العاشق الياباني» كانت حيوية ونشطة في حركة بيعها، إلا أن الروح الخصبة هي نفسها التي باعت من خلالها 65 مليون نسخة من الكتب التي أصدرتها طوال سنوات، وفي جميع أنحاء العالم.

ففي الوقت الذي يتم فيه تجاهل التوقُّعات الكئيبة، والنكات المُبتذلة عن كبار السن، تلتقط الليندي جانباً من التعقيد العميق والحقيقي، في التزام واضح بحال من الشغف بالحياة الممتدَّة. ربما تبدو «العاشق الياباني» مليئة بأسطوانات الأوكسجين والمسكِّنات (تلك التي لا تفارق كبار السن؛ سواء أكانوا في مأوى العَجَزَة أو كانوا ضمن حيِّزهم الخاص)، إلا أنها تظل في لغتها وحراكها في حال من الانفجار على مدار العمل مثل كرسي توربيني متحرِّك.

مكان القلق

«العاشق الياباني»، تمثل قصة تجتاح التاريخ والرومانسية، وتجري أحداثها في «لارك هاوس»، وهو - بطبيعته - حيِّز للقلق والاضطراب أكثر منه مكاناً للحالات التي تأوي أشخاصاً قبل بلوغهم مرحلة الراحة النهائية. يقيم في المكان نحو 250 من النزلاء - معظمهم في الثمانينات من العمر - من بينهم مفكرون أحرار، باحثون روحيون، ناشطون اجتماعيون وبيئيون، عدميون، وعدد قليل من الهيبيين ممن لا يزالون على قيد الحياة في منطقة خليج سان فرانسيسكو.

قبل أن تتقدَّم حالات بعضهم من خلال مستويات أربعة للعجز حدَّدتها المنشأة، تلك التي تنتهي إلى «الجنة»، يتمتع كبار السن بمجموعة متنوعة من الفصول التعليمية بدءاً من الرسم وانتهاء بعلم الفلك. يُكرِّس نادي السينما في عروضه أفلاماً عنيفة على نحو خاص. تدور احتجاجات فعَّالة في الشوارع بشكل مفاجئ. (تمتنع الشرطة عن إطلاق الغاز المسيل للدموع خوفاً من قتلهم) «كان الأشخاص المسنِّون في المنزل (كما تكتب الليندي) دليلاً قاطعاً على تلك المرحلة من أعمارهم، على رغم كل حدودها المنهكة التي تحدُّ من طاقتهم وحركتهم، إلا أنهم لا يتوقفون ولو لمرة واحدة عن اللهو والمشاركة في هرج الحياة ومرجها».

وككاتبة مسرحية تعرف شخصياتها، يجب عليهم ألاَّ يُطيلوا الجلوس لتناول العشاء. تبدأ الليندي على الفور بتوسيع هذه القصة من خلال التركيز على مُساعِدة شابة مستجدَّة في «لارك هاوس»، إيرينا برازيل، المهاجرة من أوروبا الشرقية، والتي تبلغ من العمر 23 عاماً. إيرينا عديمة الخبرة، ولكنها سعيدة بحصولها على الوظيفة، كما أن بعض المقيمين في دار العَجَزة كانوا مسرورين لأنها بينهم. على رغم أن أمراً مُروِّعاً يطاردها (بذكريات جرائم مروعة مصدرها المكان الذي جاءت منه «أوروبا الشرقية»)، إلا أنها استطاعت بث نوع من المتعة بين النزلاء المسنِّين، التي تأخذ حيواتهم في التجلِّي من خلال فصول الرواية.

من القصر إلى دار العَجَزَة

ألما بيلاسكو، أصبحت المرأةَ المقيمة والمُفضَّلة في الدار بالنسبة إلى إيرينا. سيدة أنيقة وكتومة، والتي التحقت مؤخراً بـ «لارك هاوس» في ظروف غامضة إلى حدٍّ ما. تبدو في صحة جيدة، وباستطاعتها الاهتمام بالكثير من شئونها. تخلَّت ألما عن القصر الذي كانت تقيم فيه، هرباً من هيمنة عائلتها، والمؤسسة الخيرية التي تملكها، تلك التي تقوم بإنشاء الحدائق في الأحياء الفقيرة. أصبحت متحرِّرة من كل تلك الالتزامات والواجبات، واتخذت لها غرفة متواضعة في «لارك هاوس»؛ حيث تحتفظ هنالك بمسافة مشروعة لا يقربها أحد وقتما شاءت. لا تحتفظ بأي نوع من التعاطف اتجاه مجموعة العصر الروحاني الجديد المقيمة في الدار. تأتي وتذهب كما تشاء من دون شعور بالعناء أو التدخل من أي طرف كان. تقود سيارتها الصغيرة في الأنحاء، تتجاهل تماماً أنظمة المرور، والتي ظلَّت تنظر إليها باعتبارها أمراً اختيارياً. «ولكن إلى أين تذهب؟ ومن هو الذي يقوم بإرسال تلك الرسائل لها وباقات الورد»؟

لا يوجد شيء متخم (بالحواشي والإطناب الذي لا طائل من ورائه) حول هذه القصة الأخَّاذة، ولا شيء قاطعاً فيها.

جزء كبير من الرواية يتم تخصيصه لإعادة بناء تفاصيل الحياة الماضية والحافلة بالأحداث لألما بيلاسكو، وفي ذلك السعي تقتحم الليندي النصف الثاني من القرن العشرين، جامعة في هذه الفصول الفظائع النازية في بولندا، وقصص المقاومة الفرنسية، واعتقال الأميركيين اليابانيين، وكذلك محنة الإيدز. كل ذلك يتم ضبطه بشكل سريع، ولكنها تترك أثرها على مجمل مشاهد العمل الروائي. ومن الواضح أن هناك ما يكفي من المواد الخام في جانبها التاريخي والوثائقي، كي تسند إليها الرواية للحصول على كتاب بحجم يعادل ثلاثة أضعافها، ولكن قصص الليندي بطبعها رشيقة، على رغم أنها في كثير من الأحيان تبدو أكثر عصفاً وهيجاناً، إلا أنها لا تدخل في حال اشتباك، ولا تنمو تصاعداً في صورة سطحية.

أوباما: روايات القمع والعنف

نحن إزاء مؤلفة تعرف كيف تحسم وتحافظ على الوتيرة السريعة في بعض مفاصل العمل، لمن يدرك الجوانب الدنيا في تراتبية التعقيد التي تتسم بها التجربة الأدبية، ومعظمنا يريد - طبعاً - قصة ثريَّة وجذَّابة.

عندما قدَّم الرئيس أوباما وسام الحرية لإزابيل العام الماضي (2014) صاغ عبارته على النحو الآتي: «تحكي روايات إزابيل ومذكراتها قصة الأُسَر، السحر، الرومانسية، القمع، العنف، والفداء. تحكي كل الأشياء الكبيرة. ولكن يصبح الكبير في يديها قابلاً للإدراك والاحتواء، ومألوفاً وإنسانياً».

يرجع جزء كبير من نجاح رواية «العاشق الياباني» إلى قدرتها على الحفاظ على قصص الماضي والحاضر، على قدم المساواة، وبشكل جذَّاب؛ لتعكس، إلى حدٍّ ما، التأهُّب لدى أولئك المقيمين في دار العَجَزة، ممن يمكن أن نستذكرهم، دون فقدان اهتمامهم بمحيطهم الحالي.

تاريخ ألما، وكما يوحي العنوان، يشمل علاقتها مع الأميركيين اليابانيين، في وقت كانت مثل قصة الحب هذه غير مقبولة بالنسبة إلى أسرتها وأقرانها. ولكن الآن، وبعد أن عاشت تلك العقود الممتدة من العنصرية، ربما تتاح لألما الفرصة كي تحظى بنصيب من السعادة التي حرمت منها لفترة طويلة من الزمن. يبدو تيار التشويق الرومانسي حول القصة أكثر قتامة بكثير من ماضي إيرينا (المهاجرة من أوروبا الشرقية). التاريخ الذي تلطَّخ بالجريمة المروعة بحيث وصلت إلى قناعة بعدم السماح لأي شخص من الاقتراب منها مرة أخرى.

أليندي، التي ولدت في بيرو، وترعرعت في تشيلي، تواصل كتابة رواياتها باللغة الإسبانية، على رغم أنها تتحدَّث الانجليزية بطلاقة.

والترجمة التي بين أيدينا، جاءت على نحو سلس من قبل: نيك كايستور، وأماندا هوبكنسون، لتنقل الفكاهة الساحرة التي تتمتع بها الكاتبة، مع لمسة خفيفة ولمَّاحة بتصرُّف. تمكَّنت الليندي في روايتها هذه من مزج الكوميديا المحلية بالخيال التاريخي، والغموض والرومانسية، مع عدد من حواشي الخيال لخلق رواية بهذا المستوى من السبك والهيمنة على شخصياتها.

ضوء

يُذكر أن إيزابيل الليندي، روائية تشيلية وُلدت في 2 أغسطس/ آب 1942. حصلت على العديد من الجوائز الأدبية المهمة، وظلت من الأسماء المرشَّحة بشكل دائم للحصول على جائزة نوبل في الأدب. تُصنَّف كتاباتها في إطار الواقعية السحرية، وتنشط في مجال حقوق المرأة والتحرُّر العالمي.

لم تخْلُ حياتها من الصدمات، وكان أعظمها وفاة ابنتها باولا في العام 1993 وهي في سن الثامنة والعشرين، بعد دخولها في غيبوبة بسبب مضاعفات مرض البورفيريا (البُرفيريَّة أو الاضطرابات البُرفيريَّة هي مجموعةٌ من الاضطرابات الجينية الناتجة عن مشكلاتٍ تتعلَّق بطريقة صنع الجسم لمادَّة تُدعى «الهيم». والهيمُ موجودٌ في مختلف أنحاء الجسم، وخاصَّةً في الدم ونقي العظم، حيث يقوم بنقل الأكسجين. تُصِيبُ الاضطراباتُ البُرفيريَّة الجلدَ والجهاز العصبي. وتنشأ لدى الأشخاص المصابين بالنمط الجلدي من هذه الاضطرابات بثراتٌ وتورُّماتٌ ونفطاتٌ جلدية عندما يتعرَّض الجلدُ إلى ضوء الشمس)، وعن تلك الصدمة قالت: «أخذوا ابنتي شابة حية بحال جيدة، وأعادوها جثة هامدة».

كانت تأثيرات وفاة ابنتها باولا على أمِّها شديدة، لكن إيزابيل ظلت طوال حياتها امرأة قوية، فحوَّلت ألمها إلى كتاب جميل استعادت فيه طفولتها وذكرياتها، اسمته «باولا» على اسم ابنتها، وخصَّصت ريعه لدعم مراكز علاج السرطان. أثَّر عليها الانقلاب الذي أطاح بعمِّها سلفادور الليندي، كما أثَّر على الشعب التشيلي، وبسبب قرابتها بالرئيس، فإنها صُنفت تلقائياً كعدوة للنظام، ونُفيت إلى فنزويلا، غير أن تأثيرات الانقلاب الأعمق، ستظهر فيما بعد وبالتفصيل في روايتها الأولى «بيت الأرواح». بعد ذلك لم تعد تشيلي بالنسبة لها كما كانت، وكلما زارتها، وجدتها «أصغر، وأقل رحابة بكثير». من بين أعمالها: «بيت الأرواح» (رواية) 1982، «سيدة البورسلين البدينة» (رواية) 1984، «عن الحب والظلال» (رواية) 1985، «إيفا لونا» (رواية) 1987، «حكايات إيفا لونا» (قصص قصيرة) 1990، «الخطة اللانهائية» (رواية) 1991، «باولا» (مذكرات) 1994، «آفروديت (وصفات، قصص، وأفروديتيات أخرى) 1997، «ابنة الحظ» (رواية) 1999، «صور عتيقة» (رواية) 2000، «مدينة الوحوش» (رواية) 2002، «بلدي المخترع» (مذكرات) 2003، «مملكة التنِّين الذهبي» (رواية للأطفال والبالغين) 2004، «غابة الأقزام» (رواية للأطفال والبالغين) 2005، «زورو» (رواية) 2005، «إنيس... يا حبيبة روحي» (رواية) 2006، «حصيلة الأيام» (مذكرات) 2008، «الجزيرة تحت البحر» (رواية) 2010.يشار هنا إلى أن كاتب التقرير في «واشنطن بوست»، رون تشارلز، هو رئيس تحرير الكتاب العالمي بصحيفة واشنطن بوست. كان يجد متعة طوال 12 عاماً، في تدريس الأدب الأميركي والنظرية النقدية في الغرب الأوسط، لكنه تحوَّل أخيراً إلى الصحافة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً