العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ

المشروب القاتل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

قبل 26 عاماً وتسعة أشهر وبضعة أيام من صباحنا هذا حصلت كارثة ومأساة. فعندما كانت طائرة الـ بوينغ 747 المملوكة لشركة بان أميركان تحلِّق فوق قرية لوكربي بمدينة دمفريز وغالواي الأسكتلندية حصل انفجار في الطائرة وهي في الجو ما أدى إلى مقتل 259 شخصاً من ركابها، و 11 آخرين من القرية التي سقطت فيها الطائرة، حيث أدى الحطام إلى إصابتهم بإصابات قاتلة.

بعد أن جاء المحققون إلى المكان، وجمعوا العيّنات والأدلة الحسّيّة وغيرها في محيط جغرافي لعدة كيلومترات، والسفر إلى أكثر من بلد، تبيّن لهم أن المنفّذين، كانوا قد وضعوا متفجرات داخل «جهاز تسجيل في حقيبة بالمنطقة المخصصة للأمتعة أحدثت فجوة قطرها 50 سنتيمتراً في جسم الطائرة وأن انخفاضاً مفاجئاً في ضغط الهواء أدّى إلى انشطار الطائرة وهي في الهواء».

تذكرت هذه الحادثة، عندما قال تنظيم داعش وعبر مجلة دابق التي يُصدرها بأنه هو مَنْ قام بإسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء نهاية الشهر الماضي باستخدام عبوة لمشروب شويبس جولد الذي تُنتجه شركة كوكاكولا. وأظهرت الصور التي بثها التنظيم عبوة من ذلك المشروب وإلى جانبها «جهاز تفجير ومفتاح» وهو ما يعني أنها قنبلة ذات وسائل بدائية جداً.

الخبراء الذين استُنطِقوا وأخِذَ رأيهم ومن بينهم جيمي أوكسلي أستاذ الكيمياء المتخصص في المفرقعات في جامعة رود أيلاند شرق الولايات المتحدة الأميركية قالوا إن ذلك ممكن لكنه يعتمد على «المكان الذي وُضِعَت فيه - العبوة - وشدّة المواد المتفجرة داخلها». مضيفين أن «من الأماكن الحساسة في الطائرة خط الوقود وقمرة القيادة وأي مكان قريب من جسم الطائرة». ووفقاً لحديث خبراء روس فإن القنبلة أدّت إلى تحطم إحدى نوافذ الطائرة ما أدى إلى خلل مدمِّر في ضغط الهواء.

وتعضيداً لما قاله هؤلاء الخبراء، فإن المقاربة بين تفجير لوكربي وبين تفجير شبه جزيرة سيناء هو أمر جدير بالتصديق. فكمية المتفجرات التي وُضِعَت في جهاز التسجيل داخل طائرة بان أميركان ليست بفارق أصغر عن الطائرة الروسية وإلا لما حدث شرخ في جسمها، وهو السبب في تحطم الطائرتيْن، وخصوصاً أن الهدف هو فقط الإخلال بتوازن ضغط الهواء كي تنشطر وهي في الجو.

الحقيقة، أن التعليق اللازم في هذه الحادثة، وفي عموم الصراع مع التنظيمات هو معرفة عقلها الأمني والتنظيمي الذي تعمل به إلى الحدّ الذي تخترق فيه أكثر أنظمة السلامة تطوراً وحذراً. وإذا ما أردنا الواقع على حقيقته فإن كافة الشواهد والحوادث دلَّلت على أن هذه التنظيمات (وليس داعش فقط) تمتلك عقولاً أمنية رهيبة، تحتاج الدول لأن تأخذها كعدو حقيقي وليس باستسهال.

عندما يقرأ أيّ منا المعارك الأمنية التي دارت بين تنظيم القاعدة والاستخبارات الباكستانية والإقليمية والأميركية في بداية الألفية يكتشف أن هؤلاء لا يعملون بطريقة ساذجة أو بالتغاضي عن أيّ نسبة مئوية من المحاذير الأمنية، بل هم يتعاملون مع كل الناس على أنهم غير مأموني الجانب، ولا يرون أن ساعة واحدة من يومهم يمكن أن تكون وقت راحة أو تخفّف مما هم عليه من إجراءات احترازية.

أتذكر قصة اعتقال الرجل الثالث في تنظيم القاعدة في باكستان المسمّى بأبي فرج الليبي وكيف بذل الباكستانيون جهوداً مضنية كي يُمسكوا به. في المحاولات الفاشلة التي قاموا بها للإمساك به، ظهر لهم أنه لا يُقابل أحداً مطلقاً خارج الدائرة اللصيقة التي لا تزيد عن شخصين، بل يعتمد على سعاة البريد، في نقل ما يريد نقله؛ أي إنه لا يعتمد أبداً على وسائل إلكترونية مطلقاً.

كما أنه لا يأتي في أيّ موعد مضروب، بل يتخلَّف عنه في المرة الأولى والثانية والثالثة حتى يتوثّق من الأمر، ثم في التالية يأتي بضحية ثم يراقبه عن بُعد، فإن عَبَرَ بسلام خرج هو كي يعبر، وإنْ قُتِلَ هرب من المكان. ولا يستقل سيارة مطلقاً بل درجات نارية أو هوائية للتمويه وسرعة الهرب من المكان، ومن خلفه قناصة وحماية للدفاع، وغيرها من الأمور التي لا يسع ذكره الآن، الأمر يعطينا فكرة عن هؤلاء.

الأخطر من ذلك هو المدى الذي استطاع أولئك النفاذ إليه. فخلال عمليات الرَّصد والقبض ضد أفراد تلك الجماعات ظَهَرَ للأمن الباكستاني أن بعض المتعاونين معهم كانوا ينتمون إلى مجموعة المهمات الخاصة للمغاوير في الجيش الباكستاني كما يذكر ذلك برويز مشرف نفسه في مذكراته. وهو أمر خطير جداً، أن يصل نفوذهم إلى القوات الخاصة في جيش نظامي، وكان ذلك في الحقيقة، جرس إنذار لكافة الدول، التي قد تتفاجأ في يوم من الأيام بخروج هؤلاء من تحت أرجلها وعلى حين غرّة.

الأمر ليس سهلاً ولا يحتاج إلى خطابات فقط، بل إلى كتف بكتف، رغم أن المنطق الذي يفرض على جميع الدول والأحزاب إدراكه هو أن المعركة الصّماء مع تلك التنظيمات هي في النزال الفكري معها إن بَقِيَ له من حظ.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 8:18 ص

      أين الخطأ؟ شباب ذو طاقات جبارة ولكن لا يستطيع استغلالها لاسباب كثيرة

      كتب أحد الولاة للخليفه عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يطلب مالاً كثيراً ليبني سوراً حول عاصمة الولايه.فأجابه عمر: ماذا تنفع الأسوار؟؟ حصنها بالعدل ونقي طرقها من الظلم.

    • زائر 1 | 10:45 م

      نموذجان

      كثير من المتطرفين الاسلاميين كانوا جنودا في البداية ويمكن تذكر قصة اغتيال الرئيس الراحل محمد انور السادات وكذلك ما حدث في الجزائر خلال الحرب الاهلية في التسعينيات

اقرأ ايضاً