العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ

حسين السماهيجي: ليس لدينا حركة نقدية بل جهود فردية

خلال ورقة قدمها في منتدى «الوسط» حول الكتابة النقدية

حسين السماهيجي - تصوير : عقيل الفردان
حسين السماهيجي - تصوير : عقيل الفردان

أكد الناقد حسين السماهيجي على أنه لا يمكن النظر إلى الحالة النقدية في البحرين باعتبارها حركةً نقديّة، مشيراً إلى أن ما هو موجود لا يتعدى كونه «جهوداً نقديّة فرديّة. يبذل أصحابُها ويضحّون بصورة ذاتيّة للبحث والكتابة والنّشر» مضيفاً بأنه «نتيجة لغياب الرّؤى والتّخطيط من جانب، وللبلاء العظيم الذي أصاب البحرين منذ عدة عقود، والمتمثّل بالاستقطابات السياسية/الطّائفيّة الحادّة، والذي تسرّب إلى كلّ المؤسّسات بدءاً من المؤسّسات الأهليّة وختاماً بالمؤسّسة الجامعيّة. فقد تعطّلت المسارات العلميّة الاعتياديّة التي من خلالها يمكن خلق بيئة نقديّة حقيقيّة قادرةٍ على تقديم أعمال علميّة رصينة دون أن تكون رهينةً لما نعايشه الآن من معادلات لا تبني وطناً، ولا تقدّم علماً».

جاء ذلك خلال منتدى ثقافي عقدته «الوسط» تحت عنوان «واقع الحركة النقدية في البحرين: إشكالات وهموم» تحدث خلاله كل من النقاد حسين السماهيجي، وفهد حسين، وزكريا رضي. وجاء في ورقة الناقد حسين السماهيجي ما يلي:

يشير مقترح الكتابةِ أعلاه، إلى وضعيّة «النقد» في البحرين. ولكنْ، وبغضّ النظر عن الذي تقترحه اللحظة التكامليّة في النظر إلى مجمل المحاور المقترحة من قبل الأعزّاء في القسم الثقافي بصحيفة «الوسط»، فإنّنا نلاحظ أنّ ثمة اتهاماً مضمراً يوجّه إلى الحركة النّقدية في البحرين. ولربّما كان لذلك ما يبرّره. وبغضّ النظر عن هذه الملاحظة، فيمكننا أن نقع على بؤرة هذه المحاور المقترحة من خلال ما تمّ اقتراحه واقع الحركة النقدية في البحرين: مكانة «حالة» النقد اليوم، أين هو النقد، وهل ما يوجد لدينا نقد.

وينبغي علينا كي نكون منصفين أن نضع هذا التساؤل، في هذه اللحظة الفارقة من تاريخنا الأدبي، في موضعه المناسب. فلا يمكن لنا أن نقارب هذا الموضوع إلا من خلال إثارة هذا التساؤل: هل توجد لدينا حركة نقديّة في البحرين؟ هذا السّؤال هو الأكثر إشكاليّة فيما يخصّ ما تعتني هذه الندوة به. أما محور (هل هناك حاجةٌ لتوثيق عملية النقد في البحرين، وهل هناك من قام بهذا الجهد)، فيؤشّر إلى حاجة مستمرّة للقيام بهذا العمل. ولكنْ، بشرط ألاّ يكون منصرفاً إلى مجرّد توثيق للكتابات والأبحاث والإصدارات. نعم، نحن بحاجة إلى التّوثيق النقدي. ولكنْ أيُّ توثيق هذا الذي نحن بحاجة إليه؟ وما الذي نقصده به؟ التّوثيق المتعارف عليه قام به الأخ د.منصور سرحان في كتبه التوثيقية المعروفة. ولكنّ هذا التوثيق، على أهميّته، هو توثيقٌ أوّلي. إنّه يمثّل لحظةَ المقاربة الأولى للجهد النّقدي في البحرين. أمّا ما نحن بحاجةٍ إليه، ما نطمح إلى أن يكون موجوداً باعتباره متجاوِزاً للجهد الرّاصد المحايد. ما يتحسّس مفاصلَ مسارات الجهود النّقدية في البحرين، وطبيعة اشتغالاتها واتصالها بالجهود الأخرى التي تناسلت منها. فهذا كلّه لم يتحقّق حتّى الآن. وربّما كان من الصّعب جدًّا قيامُ هذا اللقاءِ بتناوله. فهذا بحاجة إلى إعدادٍ خاصٍّ يتجاوز ما نحن فيه الآن، على أهميّته الكبيرة.

بالنّظر إلى كلّ ما سبق، سأنطلق مباشرة إلى ما أراه جوهر هذا اللقاء، والمتمثّل بالمحور المقترح (واقع الحركة النقدية في البحرين). هذا العنوان المقترح، يخبّئ تعقيدات شديدة في باطنه. وهو عنوان مراوغ جدّاً. فهل لدينا حركة نقديّة أصلاً كي نتكلّم عن واقعها فيما بعد؟

ثمّ، أيّ نقد هذا الذي من المفترض أن نتكلّم عنه؟ هل هو النقد الأدبي وما المقصود به؟ هل هو المعنيّ بالنّصّ الأدبي المتعارَف عليه أم أنّه قابلٌ للتّوسّع ليضمّ تحت جناحيه ما اتّصل به من جانب وحَاوَلَ أن يفترق عنه من جانبٍ مقابل، وهو ما عُرِف بالنقد الثقافي. هل هو النقد الذي تنتجه الجامعة أو المؤسّسات الأهليّة؟ كلّ ذلك يثير أسئلةً من الصّعب، في مثل هذا اللّقاء، القبضُ على أطرافها والوفاءُ من ثَمَّ لما تقترحه من سبلٍ لمعاينة ما نحن بصدده.

ومهما يكن من أمر، فإنّني هنا بصدد التأشير إلى مفاصل رئيسية ومحدّدة جدّاً. وسأعتبرها مجرّد لحظةِ انطلاق لمعاينات قادمة، آمل أن تبصر طريقَها إلى النّور في المستقبل، بمشيئة الله تعالى.

في ما يخصّ الحديث عن «واقع الحركة النقدية في البحرين». وسأسمّيها، هنا، الجهود النّقديّة في البحرين. سأجعل حديثي منصبّاً على حقل الشّعر. وهذا التأطير أو التّخصيص مردّه إلى أنّني معنيٌّ بهذا الجانب بصورة مباشرة. لأنّني مشتغلٌ بكتابته. ولأنّني من النّاحية التّخصّصيّة منصرفٌ إلى هذا الجانب من الكتابة النقدية، وهذا ما كرّست دراستي الأكاديميّة له. ألفت النّظرَ، أيضاً، إلى أنّني - وبغرض مزيدٍ من الضّبط المنهجي - سأجعل كلامي مقصوراً على النتاج المطبوع لمشتغلين بالنّقد من الزّملاء البحرينيّين فقط. وذلك لأنّ الجهود النقديّة في بلدٍ ما لن تتطوّر إلى ما يمكننا تلقّيه على أنّه حركةٌ نقديّةٌ حقيقيَّةٌ إلاّ على أكتاف أبنائها. وقد تستثمر في تطوّرها ما يقدّمه الآخرون من الأشقّاء مقيمين أو ضيوفاً. ولكنّها تعوّل في الأساس على أبناء هذا الوطن. إذ بذلك يتمّ إنتاجُ المعرفة وبلورتُها وتطويرُ رؤاها. وهذا بالطّبع، مع التّأكيد على أهميّة ما ينتجه غيرُهُم على صعيد الوعي والرَّفْد والتّطوير من خلال التواصل والتّلاقح الإيجابي. أمّا النّتاج المطبوع فأشير به إلى (الإصدارات النقدية، التقديمات النقدية لأعمال أدبيّة مطبوعة، بحوث وأوراق منشورة) وسأتجاوز التّناولات المنشورة في الصحافة؛ لأنّها غالباً ما تتّسم بالانطباعيّة والسّرعة وقد نجد مبرِّراتٍ لذلك بلحاظ ما يحكم العمل الصّحافي.

لنا أن نؤرّخ للنقد الأدبي الحديث والمعنيّ بالنّتاج الشّعري في البحرين مع ظهور الحداثة في فضاء الإبداع والكتابة. أي منذ سبعينيّات القرن العشرين وإلى الآن. وهذا الاختيار مبنيٌّ على ظهور هذه النزعة في الكتابة وما ترافق معها. وهو الأمر الذي مَهّد إلى العناية بالجهد النّقدي بسبب ما استشعره أصحابُ النتاج الإبداعي الجديد في تخلّقه الحداثي من ضرورة المنافحة عن هذا النتاج سواءٌ على صعيد التّنظير الرؤيوي لهذه الحركة أو على صعيد تقديم المنجز الإبداعي لها. ولابدّ، إذن، من أن يكون هذا التقديم رصيناً مساوِقاً ومنسجماً مع المستوى الرصين والعالي الذي صعدت إليه الحركةُ الشعريةُ في البحرين في أعمالها المضيئة. ومن جانب آخر فإنّ اختيارنا مبنيٌّ على أساس قيام المؤسّسة الحاضنة التي تُخَلِّق الأسماءَ النقدية بدفعِها إلى الأمام.

ألفت النظر إلى أنّ ما سبق لا يعني المنجزَ النقدي فيما يتعلّق بالمنجز الشّعري الحديث وفقط. بل ينصرف إلى المنجز النقدي ضمن هذه الفترة، ولكنّه ربّما كان مشتغلاً على المنجز الشعري المعاصر أو سواه. أو على نظرية الشعر وما يتّصل بها أيضاً.

إنّ اختيارنا لهذه اللّحظة لا يعني أنّنا نتجاوز المنجزات السّابقة لكتابات نقديّة مهمّة للغاية؛ مثل كتابات المرحوم إبراهيم العريّض. ولكنّ تلك الكتابات، من وجهة نظري، كانت محكومةً بسياقات مختلفة، ومتصلةً بمؤسّسات هي أيضاً مختلفة. وفوق ذلك كلّه كانت قد تخلّقت وتولّدت في بيئة مختلفة أيضاً. وكلّ ذلك لا يسمح بأن نجعلها على صعيدٍ واحدٍ مع هذه الإنجازات التي نشير إليها الآن.

سنقسّم الأعمال النقدية في مجال الشّعر إلى: أطاريح جامعيّة: وهي تنقسم إلى أطاريح تتناول أعمالاً بحرينيّة، وأخرى غير بحرينيّة. أو أطاريح تتكرّس على نظريّة الشعر وما يتعلّق بها. كتب نقديّة: وهي تنقسم، بالمثل، إلى كتب تتناول أعمالاً بحرينيّة وأخرى غير بحرينية. أو كتب تتكرّس على نظريّة الشعر وما يتعلّق بها. دراسات وتقديمات وأوراق منشورة: وهي، أيضاً، خاضعة لنفس التقسيمات السّابقة.

هذا التقسيم يتّسم بالإجرائيّة. وهو ضروريّ لمعاينة هذا المنجز النقدي الذي من المفروض من الناحية النظرية، أن يشكّل الأساس الصلب والمتين للحالة النقدية في البحرين. ومن خلاله يمكننا أن نتقدّم إلى الأمام فيما يخصّ منحها شرفَ التّسمية (الحركة النقدية).

لو قمنا بعمليّة رصدٍ أوّلية لتلك الجهود النقدية المبذولة، فسنجد أنّها جهودٌ قليلةٌ بل وربّما أمكن لنا اعتبارُها جهوداً نادرةً قياساً إلى الفترة الزّمنية أي ما يزيد على الأربعين عاماً. فمن تلك الجهود التي شكّلت أساس الجهد النقدي في البحرين: علوي الهاشميّ في نتاجاته المعروفة ومنها ما قالته النخلة للبحر (1981)، يوسف حسن ومنها (من ينابيع البحرين «الوطن في شعر أبي البحر الخطي») (1999)، حسين السماهيجي ومن نتاجاته «قراءة الأنوثة في الأيقونة الأدونيسية «ورقة نقدية ضمن ملتقى عبدالله الغذامي والممارسة النقدية والثقافية»، نشرت في الكتاب الصادر عن إدارة الثقافة العام 2003م، جعفر حسن «عبور الأبد الصّامت» (2001)، عبدالله جناحي، فهد حسين، كريم رضي: نصٌّ في غابة التأويل، 2001م. د.أنيسة المنصور «لمحات إبداعية لشاعر البحرين جعفر الخطي» (2004) وهو بحثٌ منشور في مجلة العلوم الإنسانية بكلية الآداب بجامعة البحرين، د.جليل العريّض «ديوان أبي البحر الشيخ جعفر الخطي» (2002)، د. جعفر مهدي آل طوق: جعفر الخطي حياته وشعره، 2003م. وهو أطروحة ماجستير، نذكرها تجاوزاً باعتبار أنّها في طريقها إلى النّشر إلى الآن كما علمتُ من صاحبها. أودّ أن أشير، هنا، إلى جهدٍ أكاديمي مهمّ ولكنّه غير منشور، وهو أطروحة الدكتوراه التي قدّمتها د.أنيسة المنصور في الجامعة التونسيّة، تحت عنوان (شعر البحرين)، أُنجِز بداية التسعينيات من القرن الماضي. واشتغل هذا البحث على شعر البحرين التراثي. وللأسف، فعلى الرّغم من أنّ الأستاذة الباحثة كانت ولسنوات طويلة عضوَ هيئة تدريس في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب بجامعة البحرين، إلاّ أنّ الجامعةَ لم تُكلّف نفسَها عناءَ القيامِ بنشره. بلْ، والأمر الأكثر غرابة هو عدم وجود نسخةٍ من هذا البحث في قسم الأطاريح هناك. كاظم منصور القيدوم: ديوان أبو البحر جعفر الخطي «دراسة تحليلية أدبية في شعره»، 2014م.

وألفت النظر إلى وجود بعض الأعمال التقديميّة والشّروح، وإن كانت بحاجة إلى متابعة من أصحابها، كجهد د.عبدعلي محمد حبيل في شرح «ملحمة الطف للدمستاني، 1992م» وجهد د. سالم النويدري في «ديوان ديك العرش، 2002م». حيث أخرجه وشرحه أيضاً. وهناك جهود أخرى متفرّقة في بعض المجلاّت لم يتسنّ لنا رصدها لضيق الوقت.

على مستوى الملتقيات النقدية، نستحضر ملتقى (طرفة بن العبد: دراسات وأبحاث ملتقى البحرين، 2000م). وعقد هذا الملتقى على هامش معرض البحرين الدولي التاسع للكتاب سنة 1998م. وشارك فيه من البحرين الأستاذان محمد جابر الأنصاري والمرحوم عبدالجليل العريض. أمّا الملتقى الآخر فهو ملتقى (القصيدة الحديثة في الخليج العربي: أبحاث مهرجان الشعر الثالث لمجلس التعاون لدول الخليج العربي بدولة البحرين، 2000م). وشارك فيه ثلاثة باحثين من جامعة البحرين، هم عبدالقادر فيدوح، عبدالكريم حسن، علوي الهاشمي. ومثل هذه الملتقيات النقدية، على أهميّتها، نجدها غائبة أو مغيّبة عند المؤسّسات الأهليّة، مثل أسرة الأدباء والكتّاب ومركز عبدالرحمن كانو ومركز الشيخ إبراهيم بن محمد آل خليفة وبقيّة المراكز التّابعة له. على أنّنا نستحضر، هنا، بعض ما عملته أسرة الأدباء والكتّاب ومن ذلك برنامج «ذاكرة الحداثة» وملف «الشعر البحريني في التسعينيات». وللأسف فإنّ الظروف حينَها لم تكن مهيَّأةً لإصدار تلك الأعمال ضمن كتب مستقلّة. إلَّا أنّ ملف «الشعر البحريني في التسعينيات» صدر ضمن «كلمات».

ومادمنا في ذكر أسرة الأدباء والكتّاب، فينبغي علينا أن نولي اهتماماً بالغاً لمنجزها الأهمّ «كلمات». فهذه المجلّة وعلى الرغم من كونها صوت الحالة الإبداعيّة الجديدة في البحرين. إلاّ أنّها تكشف عن خللٍ فادحٍ يتمثّل في غياب الأصوات النقدية البحرينية. فبالنّظر إلى أعدادها البالغة واحداً وعشرين عدداً (صدر العدد الأوّل منها خريف 1983م، وصدر العدد الأخير منها والذي يحمل الرقم «21» العام 2004م). في كل تلك الأعداد لا نجد حضوراً لصوت البحرين النّقدي إلاّ من خلال كتابات د.علوي الهاشمي، والذي حضر أربع مرّات في الأعداد (1-2-9- العدد المشترك 10/11). ثمّ سنجد حضوراً لزميلنا المرحوم محمد البنكي في العدد السابع عشر. هذا مع الإشارة إلى تضمّن العدد 20 ملف (الشعر البحريني في التسعينيات). والذي نشر موادَّ كلٍّ من كمال الذيب، جعفر حسن وكريم رضي.

أمّا المجلّة الأخرى التي تتّسم بأهميّة بالغة، فهي «البحرين الثّقافيّة». هذه المجلّة لم تتوقّف منذ أن صدر العدد الأوّل منها في أبريل/ نيسان 1994م. سنتخيّر، الأعداد الاثني عشر الأولى منها كعيّنة. وفيها نجد المواد النقدية التالية، مرتبةً بحسب الأعداد: العدد الثاني: يوسف حسن «النزعات الإنسانية في شعر الصعاليك». العدد الخامس: بدر الدوسري «عتمة النور... قراءة في ديوان سرور»- مبارك الخاطر «مقدمة في شعراء النهضة الحديثة في عمان». العدد السادس: إبراهيم العريض «رباعيات الخيام في تطورها التاريخي». العدد الثّامن: يوسف حسن «قصيدة البياض المفتوح». العدد الحادي عشر: علوي الهاشمي «النص الشعري الجديد في أبعاده التواصلية العامة».

ولابدّ لنا من الإشارة، هنا، إلى كتاب «الحصاد». وهو الإصدار الحولي الذي كان يصدره القسم الثقافي بصحيفة الأيّام بمتابعة واهتمام الصديق علي القميش. هذا «الحصاد» حوّل بعض الموادّ الصحفيّة إلى كتاب. ومن ذلك إصدار 2002م. والذي تضمّن، ضمن موادّه، محورين هما تكريم قاسم حدّاد ورحيل العريّض. ولدينا، أيضاً إصدار 2003م، والذي تضمّن ملف «التسعينيّون».

لو رجعنا إلى هذه الجهود النقدية المبذولة لوجدناها في حدود الخمسة والثلاثين عملاً أو تزيد قليلاً، وأقصد كلَّ ما ذكرتُه أعلاه من كتب أو أطاريح وسواها. وهذا ما أتيح لي رصده، هنا، وربما فاتني ذكر أعمال أخرى. وأشير إلى نقطة غايةٍ في الأهميّة. وهي أنّ ما سبق، ومع إضافة الجهود الأخرى، إنّما يكشف عن وجود خلل فادح في البيئة الحاضنة للجهد النقدي في البحرين. وأنا، هنا، أتحدّث حصراً عن النقد المتعلق بحقل الشّعر؛ وإن كنتُ على قناعة بأنّ ذلك ينطبق على الحقول الأخرى دون استثناء. ومن الواضح، أيضاً، أنّ هذا الخلل تتحمّل مسئوليّته جهاتٌ عدّة. وعلى رأسها جامعة البحرين وبقيّة المؤسّسات التعليمية الجامعيّة الخاصّة، ومعها تأتي مؤسّسات المجتمع المدني المعنيّة بهذا الشّأن.

فيما يتعلّق بجامعة البحرين، فهي تتحمّل مسئولية كبرى في تهيئة البيئة العلمية الحاضنة للطّاقات النقدية. ومن الواضح أنّ ذلك بحاجة إلى وضع خطط رصينة في برامج الدراسات العليا، وعلى صعيد التخطيط للملتقيات النقدية، واستقطاب الكفاءات العلمية الوطنيّة والتي للأسف الشديد قد أقصِيَت عن مكانها الطبيعي، بل وثمّة جهدٌ مستمرٌّ لمنعها من دخول هذه المؤسّسة الأهمّ والمساهمةِ من ثَمَّ في تقديم ما هو في دائرة اختصاصها. إنّني أشير، هنا، بشكلٍ صريحٍ إلى مكمن الدّاء في ذلك كلّه، وهو إدخال كلٍّ من المؤسّسة الجامعيّة والمؤسّسة الأهليّة ذات الاختصاص في دائرة الاستقطاب السياسي/المذهبي منذ بداية التسعينيّات. وهذا نتج عنه غيابٌ شبهُ كلّيٍّ للدراسات المعنيّة بتراث البحرين الشعري التاريخي، وهذا مجرّد مثالٍ ليس إلَّا. وكذلك، غيابٌ كبيرٌ للدراسات المعنيّة بالمشهد الشعري المعاصر في البحرين، سواءٌ عبر أطاريح أكاديمية أو عبر ملتقيات نقديّة خاصّة. وقل مثلَ ذلك، بل أسوأ منه، فيما يخصّ الجامعات الخاصّة. ويتضاعف هذا الغياب بسبب عدم تبنّي جامعة البحرين ممثَّلةً في قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية بكلية الآداب، لطباعة وإخراج الأعمال المتميّزة من هذه الأطاريح. والأمر الغريب حقّاً، هو أنّ جامعةً دشّنت برنامجها للماجستير في اللغة والأدب العربي منذ 1992م ولا تتبنّى طباعة إنجازات طلاّبها العلميّة ونشرها على مدى ثلاثة وعشرين عاماً، أي حتى العام 2015م. ولا تفسير لهذا الأمر إلاّ أنّه إهمالٌ من قبل الإدارات المتعاقبة، أو أنّ ما أنجزه طلاّبها الباحثون لا يرقى إلى أن يكون ضمن منشورات هذه الجامعة؛ أو الاحتمال الثالث وهو عدم وجود ميزانيّة مرصودة لهذا الجانب. ومهما يكن السّبب الحقيقي وراء ذلك، فهو فادحٌ في خطره على مستقبل الحركة العلمية في بلادنا البحرين.

أمّا فيما يتعلّق بالمؤسّسات الأهليّة، فالأمر نفسه يتكرّر. ومع أنّ هذه المؤسّسات بعضها يحاول تقديم ما باستطاعته، فإنّ المسئوليّة الكبرى تقع على عاتق إداراتها التي يجب أن تضع خططاً مستقبليّة للتّعامل مع هذه القضايا الشّائكة والتي تؤثّر على مستقبل هذا الوطن. على أنّنا نأمل أن تتجاوز مؤسّساتنا المهمّة هي أيضاً حالةَ الاستقطاب التي حدثت منذ عدّة سنوات، ونجم عنها شبهُ تعطُّلٍ للحالة الإبداعيّة في البلاد.

وفي الختام، فإنّ ما أودّ التأكيد عليه هو أنّنا وبالنظر إلى كلّ ما سبق، لا يمكننا أن ننظر إلى الحالة النقدية في البحرين باعتبارها حركةً نقديّة. ولكنّها جهودٌ نقديّةٌ فرديّة. يبذل أصحابُها ويضحّون بصورة ذاتيّة للبحث والكتابة والنّشر. ونتيجة لغياب الرّؤى والتّخطيط من جانب، وللبلاء العظيم الذي أصاب البحرين منذ عدة عقود، والمتمثّل بالاستقطابات السياسية/الطّائفيّة الحادّة، والذي تسرّب إلى كلّ المؤسّسات بدءاً من المؤسّسات الأهليّة وختاماً بالمؤسّسة الجامعيّة. فقد تعطّلت المسارات العلميّة الاعتياديّة التي من خلالها يمكن خلق بيئة نقديّة حقيقيّة قادرةٍ على تقديم أعمال علميّة رصينة دون أن تكون رهينةً لما نعايشه الآن من معادلات لا تبني وطناً، ولا تقدّم علماً.

العدد 4823 - الجمعة 20 نوفمبر 2015م الموافق 07 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً