العدد 4834 - الثلثاء 01 ديسمبر 2015م الموافق 18 صفر 1437هـ

إسقاط «سوخوي 24»: هل هي مغامرة أم خطة مدروسة؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

قبل أسبوع أسقط الجيش التركي طائرة روسية من نوع «سوخوي 24»، وكان للفعل تداعياته السياسية والعسكرية في سياق الاحتراب والعنف المتصاعد بالمنطقة. ترى هل كان الحدث مغامرة تركية أم خطة مدروسة؟ وما هي تداعياته وانعكاساته على موازين القوى والأطراف المتنازعة؟

بداية وفي مقاربة موازين القوى حسب الخبراء، روسيا تتفرد بمزايا في منظومتها العسكرية وامتلاكها لتصاميم وتقنيات متطورة في مجال الطيران ناهيك عن منظومة حرب إلكترونية كـ «كراسوخا-4» المتميزة بقدرتها على شل وإبطال رادارات العدو واكتشاف أهدافه الجوية عن بعد 300 كلم، ما يعني أن الحدث وضع هيبة روسيا السياسية وقوتها العسكرية على المحك، خصوصاً مع شعورها بالخيانة و «الطعن في الظهر» تماماً كما عبر الرئيس «فلاديمير بوتين».

غضب واستنفار روسي

صحيح روسيا ليست في وارد المغامرة والاندفاع باتجاه حرب عالمية مفتوحة لا يرغبها أي طرف، إلا أن الصحيح أيضاً أنها لاتزال غاضبة لما تعرضت إليه صورتها ومكانتها في الداخل والخارج. الغضب عبر عنه متحدث من الكرملين قائلاً «إن تصرف سلاح الجو التركي «جنون مطبق»، وإن تعامل أنقرة مع الأزمة ذكره «بمسرح العبث»، منوهاً أن لا أحد يملك الحق في إسقاط طائرة روسية غدراً من الخلف.

ثمة تحدٍّ واستنفار مباشر أفرزه الحدث، دفع بروسيا لاتخاذ إجراءات تصعيدية وعقوبات اقتصادية وصفت بالانتقامية والتي على ما يبدو جاءت مدروسة بعناية كرد فعل مباشر وسريع على التهديد التركي، ولاسيما في القطاع السياحي والعسكري المتوقع أن يؤثر على ميزان القوى في ميدان الحرب علاوة عن خيارات أخرى مفتوحة لم يفصح عنها بعد.

من حيث الاقتصاد، لم يتوانَ «بوتين» عن ممارسة صلاحياته بتوقيع نص مرسوم يعيد العمل بالتأشيرات بين موسكو وتركيا والذي سينفذ بداية 2016، كذلك حظر وتوقيف رحلات الطيران السياحي بينهما، ومنع رجال الأعمال الروس من توظيف الأتراك، في السياق أشار موقع الكرملين الإلكتروني «بأن تلك الإجراءات ستؤثر عاجلاً أم آجلاً على الواردات الصناعية والزراعية التركية والعمليات التجارية لشركاتها في روسيا، مصادر إعلامية أخرى تتوقع وصول خسائر تركيا إلى «50 مليار دولار» سنوياً إن توقف تصدير الغاز الروسي الذي يمثل «60 في المئة» من احتياجات تركيا، ما يعني خسائر في عائدات الأخيرة، يضاف إليها خسائر صادراتها الزراعية بنحو «4 مليارات دولار سنوياً» ويقدر انكماش السياحة بـ «36 مليار دولار».

أما لجهة الإجراءات العسكرية، فالدلائل تشير إلى توسعة الوجود الروسي العسكري في سورية من خلال نصب منظومة صواريخ متطورة من طراز «إس-300» و «إس-400»، والهدف طبعاً تطويق النفوذ التركي داخل الأراضي السورية والتأثير على مسار العمليات القتالية في الشمال، وبالتالي ضرب خطوط إمدادات الدعم التركية لفصائل المعارضة المسلحة وضعضعة قوتها التفاوضية، لم تكتفِ بذلك فهددت بوضوح وصراحة عن تصديها لأي تهديد جوي يمس نشاطها في سورية، كما لم تتردد في مطالبة الأتراك بإغلاق حدودهم مع سورية، والسؤال الذي يتردد الآن هل ستكتفي روسيا بالعقوبات الاقتصادية التي تلحق بها الضرر أيضاً؟ الجواب، لا.

مغامرة من يسدد ثمنها؟

عودة على بدء، للإجابة عن السؤال فيما إذا كان إسقاط الطائرة مغامرة تركية أم خطة مدروسة؟ في الحقيقة تتعدد الترجيحات، فمن قائل إن الحدث تم بالتنسيق مع واشنطن كمقدمة لإنشاء منطقة حظر الطيران شمال سورية، وهناك من اعتبرها مغامرة لم تقدر تبعاتها وهي ببعدين، أولهما من طرف «الحكومة» التي أرادت توجيه ضربة معنوية «لروسيا» باستهداف فخر صناعتها الحربية، واستنزاف جهودها الدبلوماسية والعسكرية للقضاء على الإرهاب وتحقيق حل سياسي للأزمة واستدراجها لتجاوز الميدان السوري هذا من جانب، ومن جانب آخر فرض الأمر الواقع على «حلف الناتو» لقبول خطة «أردوغان» بإقامة منطقة عازلة، أما المغامرة الأخرى فهي من طرف «الجيش» لتصفية حساباته مع النظام، وخصوصاً بعد تسريبه أنباء بأن إسقاط الطائرة جاء على خلفية تعليمات مسبقة وأكيدة من الحكومة، وأنه التزم بقواعد الاشتباك والتعليمات المعطاة له، وعليه فالقيادة السياسية تتحمل نتائج قرارها، ولاسيما بعد محاولات من القيادة السياسية تتهم فيها «عناصر» من الجيش بافتعال الأزمة مع روسيا بهدف إحراج «أردوغان».

بشكل عام الآراء التي رجحت فرضية المغامرة، أجمعت أن «أردوغان» أقدم على خطوة خطيرة متهورة ستسدد تركيا ثمنها غالياً حسب مسئول تركي، فيما اعتبرها محللون سياسيون نقلة استراتيجية في إعادة تموضع تركيا في الأزمة السورية والإقليمية، وخصوصاً أن إسقاط الطائرة تسبب في رفع التوتر وحدة لغة «أردوغان» حين اتهم روسيا بـ «المكر واللعب بالنار» وأن إسقاط الطائرة كان رد فعل تلقائياً لانتهاك مجالهم الجوي، كما وصف انتقادات «بوتين» بأنها «غير مقبولة»، وأن «روسيا ملزمة بإثبات ادعاءاتها وإلا ستعتبر كاذبة.

استدراك فات أوانه

إلى هنا تراجع الخطاب الرسمي التركي فجأة مستدركاً وباحثاً عن تبريرات لما حدث، ولاسيما مع صمت حلفائه أو خفوت تضامنهم الذي عبرت عنه مجلة «الايكونومست» البريطانية في نقدها لتركيا فكتبت «كان يمكن تجاوز اسقاط الطائرة لأن تجنب التصعيد هو الجزء السهل، وكان الأجدى التحلي بضبط النفس، تركيا بحاجة لأن تفهم أنه مثلما تحظى بدعم حلفائها في الناتو، فإن عليها مسئوليات تجاههم، ولأن الخطوات الانفعالية تعرقل حملة محاربة الدولة الإسلامية، وإنها لو كانت جادة في رغبتها التخلص من الأسد، فسبيلها الوحيد هو العمل مع روسيا وليس محاربتها، وخصوصاً أن تركيا تعيق الحملة ضد داعش لأن أولويتها ضرب الأكراد والإطاحة بالأسد بدلاً من سحق الإرهابيين، كما أنها فشلت في وقف تدفق نفط داعش خارج سورية، وكذلك الأموال والمجندين إليها».

تراجع تركيا واستدراكها لنتائج ما حدث جاء بعد خطابات رئيسها النارية والانفعالية وتهديده لمن يتجرأ على اختراق الحدود التركية، ليعود ويعبر عن «حزنه لاسقاط الطائرة، والتمنى بعدم تكرار الواقعة، وعودة الأمور لمجاريها، وإنهم لم يكونوا ليصعدوا الأمور، بل المحافظة على سلام المنطقة والعالم، لافتاً لإمكانية حل المشاكل بالطرق الدبلوماسية، وآملاً في لقاء «بوتين» على هامش قمة المناخ في باريس، برغم تجاهل الأخير لمحاولاته الاتصال هاتفياً بسبب رفض أنقرة الاعتذار، كما صرح نائب رئيس وزرائه بشيء من الندم «إن اسقاط الطائرة لم يكن متعمداً، ولم نعلم أنها طائرة روسية»، ومع الوضع المربك فإن ذلك لم يمنعهم من تأكيد المضي في المهمات الجوية مع الحلفاء لضرب «داعش» في سورية.

الخلاصة، على رغم الاستدراك التركي واتجاه الناتو نحو التهدئة واحتواء الأزمة، إلا أن باب الخيارات يبقى مفتوحاً أمام الروس للمزيد في رد الطعنة التركية وبطرق عسكرية واقتصادية وأمنية قد يخترق فيها الأمن التركي من خلال «حزب العمال الكردستاني»، كما ستستغل الحدث في تقوية أوراقها التفاوضية ومطالبها المتعلقة بحل الأزمة السورية، ناهيك عن تكثيف وضعها العسكري النوعي في المنطقة.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4834 - الثلثاء 01 ديسمبر 2015م الموافق 18 صفر 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 4:45 ص

      بوتين لن يشتبك مع تركيا عسكريا بل سيلجأ إلى حرب الوكالة.

      روسيا ستلجأ إلى حزب العمال الكردستاني كما فعلت في الثمانيينات و التسعينات لضرب تركيا و الرد التركي سيكون بالمثل في الشيشان و داغستان و شبه جزيرة القرم. آلاف المعوقين و المشوهين الذين يعيشون في الشيشان و داغستان.
      أما الحديث عن العقوبات الإقتصادية التي ستفرضها روسيا على تركيا فهو محض هراء .. لأن الروس في أمس الحاجة إلى تركيا، فهي ثاني مشتري للغاز (و الغاز و النفط يشكل 60% من الإقتصاد الروسي - علما بأن أسعار النفط في الأرض)، و روسيا تحتاج لتركيا في المنتجات الغذائية لأنها فرضت حظر على الغرب.

    • زائر 10 | 4:06 ص

      لا تقعدون تنفخون في بوتين و تسوون منه سوبرمان!

      1) تركيا لم تتراجع عن موقفها و الدليل أنها رفضت الإعتذار أكثر من مرة على لسان أكثر من مسؤول تركي. تركيا أبدت عن أسفها و مصيبة أن لا يفرق المرء بين إبداء الأسف و الإعتذار. أنا أيضا آسف لحال اللاجئين السوريين، هل يعني أنني أتحمل مسؤولية ما حدث لهم؟
      2) حلف النيتو أبدى دعمه لتركيا من اليوم الأول، راجعي تصريحات أمين عام الحلف، و تصريحات باراك حسين أوباما.
      3) بوتين يتحمل مسؤولية ما حدث، نسق مع نتنياهو من بداية تدخله في سوريا، و لكنه لم ينسق مع أردوغان علما بأن تركيا تشارك سوريا 900 كم من الحدود.

    • زائر 9 | 2:13 ص

      خبر طازج ... دعوة الجبل الأسود (مونتريغو) للإنضمام إلى حلف النيتو!

      غباء بوتين جعله يسكرب على روحه قول ... بالأمس تم دعوة الجبل الأسود للإنضمام إلى حلف النيتو (و هم أيضا يرغبون في ذلك)، هذا الخبر لم يكن وارد بسبب انتصارات بوتين المتتالية في أوكرانيا ... و لكن عجرفة بوتين و تهوره في استعداء الأتراك جعله في عزلة ... و الآن بلد آخر من شرق أوربا ينضم إلى حلف النيتو ليسهل تطويق روسيا من الجهة الغربية بقواعد عسكرية غربية (أمريكية).

    • زائر 8 | 2:08 ص

      بوتين وقع في فخ النيتو!

      عندما قامت أمريكا بسحب نظام باتريوت من تركيا، ظن بوتين أنه ضوء أخضر لكي يعربد في سماء تركيا و يفعل في تركيا ما يفعله في أوكرانيا ... تم تنبيهه مرتين علنا و عبر القنوات الدبلوماسية بالكف عن تلك الممارسات ... لم يعتقد بوتين أن الأتراك جادين ... و لكنه في 24 نوفمبر عرف جدية الأتراك.
      اليوم بفضل غباء بوتين ... لديه عدو جديد هو تركيا التي هو في أمس الحاجة لصداقتها. تركيا لديها نفوذ على التتار المسلمين في شبه جزيرة القرم و هي ثاني مشتري للغاز الروسي و هي أيضا تستطيع اللعب في الشيشان و داغستان.

    • زائر 7 | 1:01 ص

      الحدث مغامرة تركية

      لأن الصهاريج النفط لداعش التي دمرتها روسيا تخص صهر اردوغان (اداعة .... اللندية)

    • زائر 6 | 12:13 ص

      اسقاط سخوي جاء ردا على احراق تريلات النفط

      النفط السوري المسروق يصدّر لتركيا فجاء الردّ الروسي باحراق تلك الناقلات فزعل قردوغان فقام باسقاط السخوي وعليه ان يكون كفؤ ويواجه العقوبات الروسية

    • زائر 2 | 10:30 م

      روسيا

      لا تستطيع روسيا الرد عسكرياً على تركيا لانها تعلم انها ستواجه الناتو الذي يتفوق عليها في كل شيء

    • زائر 3 زائر 2 | 11:29 م

      الحكمة مطلوبة

      مع ان التحرك الروسي مفهوم وواضح لجميع الدول المجاورة لسورية فكان يجب علي تركيا التعاون مع روسيا في هذه المهمة والقضاء علي خوارج العصر الارهابيين ولكن حصل ما كان غير متوقع / لعلنا نتعلم من أخطائنا حتي لا نندم بعدها

    • زائر 4 زائر 2 | 11:50 م

      اختلف معك....روسيا دولة عظمى....

      روسيا لا تقارن بتركيا من حيث القوه العسكريه و مع أن تركيا من ضمن الناتو هذا لايعني أن الناتو سيقف معها حتى إذا اعتدت على دوله مثل روسيا . بوتن رده العسكري سيكون موجع ومعروف عنه دهاءه وشخصيته انتقاميه. بدأ بالعقوبات ولن يكتفي بها.........

    • زائر 12 زائر 2 | 4:38 ص

      حلف الناتو

      روسيا لن تصمد أسبوع واحد امام حلف الناتو

    • زائر 1 | 9:01 م

      هذا يسمى (غباء قاده)

      ماعمله اردوغان يعتبر غباء ومايعمله غيره الان فى بعض الدول ايظا فى نفس الوصف (غباء) ولكن متى يستفيقوا؟ هل بعد خراب البصره؟ (بلدانهم)؟

اقرأ ايضاً