العدد 4856 - الأربعاء 23 ديسمبر 2015م الموافق 12 ربيع الاول 1437هـ

«آيباد» لكل سجين!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جهاز لوحي من نوع آيباد لكل سجين! هذا ليس مُزاحاً. فقد قررت وزارة العدل البريطانية أنها ستسمح «للسجناء استخدام الكمبيوتر المحمول (آيباد) و (لابتوب) حتى يتمكنوا من البقاء على اتصال مع أسرهم، وأيضاً تعلم مهارات جديدة» كما جاء. وقد أعلن مقر رئيس الوزراء البريطاني «أنه ستتم التوصية باقتراح استخدام آيباد في السجون».

رئيس مصلحة السجون البريطانية السابق السير مارتن ناري قال لـ «التايمز» إن «وجود الكمبيوتر اللوحي قد يساعد السجناء على تحسين القراءة والكتابة والحساب والسماح لهم استخدام «فيس تايم» أو «سكايب» للاتصال بأطفالهم وأسرهم، فتلك التكنولوجيا ستتيح لهم الحفاظ على العلاقات الأسرية، وجعل وقتهم أكثر فائدة».

عندما قرأتُ ذلك الخبر تذكرت ما كان يقوله الأديب والشاعر الفرنسي فيكتور هوغو إن «مَنْ يفتح باب مدرسة يُغلق بابَ سجن». وهو قولٌ حكيم من رجل حصيف. فحين يتحوَّل السجن إلى مركزٍ للتعليم الحقيقي، والتربية السليمة، فكأن ذلك ابتعاث للسجناء نحو الذات وتنمية لقابلياتهم ومَلَكَاتِهِم، وبالتالي يُصبح المكان «جوهريّاً» أشبه بالمدرسة.

كعربي ومُنتَمٍ إلى عالم إسلامي، كانت ومازالت الصورة المأخوذة لدي عن شكل السِّجن والحياة فيه، أشبه بالجحيم والكَبْت وترك السجناء ينزفون وقتاً وجهداً بلا طائل، يحوطهم سجَّانون غِلاظ، لا رحمة لديهم ولا شعوراً إلاَّ بصبّ القسوة على المحبوسين. فالثقافة لدى أولئك السَّجَّانين لم تكن سوى أن هؤلاء هم شرار الخلق، وسيبقون أشراراً وكأن ذلك وَشْماً في أبدانهم، وبالتالي يخرج السجين وهو يحمل بين جنبتيه عقداً وحقداً متراكماً، يعيده إلى المربع ذاته الذي سُجِنَ بسببه، أو أنه يُربّي أبناءه على الثأر والكره.

ليس ذلك فحسب، بل إن أمكنة السجن في الكثير من الدول عادةً مَّا تكون قاتمة كئيبة ومغلقة الأبواب شحيحة الحاجات، في حين أن هذا أمر مُضِرّ بالنزلاء. فالسجن ليس بالضرورة أن يكون مكاناً يُحسّ فيه السجين بالوحشة والغربة كقيمة طبيعية للعقاب الذي يستحقه، فهذه النظرة خاطئة ولا تحمل أي نوع من أنواع التأهيل السليم للنزيل.

أتذكر في هذا الشأن ما ورد عن النبي (ص) من أنه كان يحبس السجناء في البيوت العادية التي يسكنها الناس عادة وتتوافر فيها جميع الوسائل التي تجعل من حياة النزيل مريحة ومستكفية. وكان يُوزِّع المسجونين على بيوت الصحابة التي يسكنونها. ويُستَشهَد في ذلك بمن حَبَسَهم في دار لامرأة نجَّاريَّة (من بني النجار).

وقد ورَدت نصوص وتوجيهات تحثّ الإمام (الحاكم الشرعي) على اتباع أساليب للحفاظ على حقوق السجين وحفظ حقه الطبيعي الذي يجب أن يناله، كإخراج السجناء في إجازة «يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد» وذلك كي لا ينقطع عن مجتمعه وأسرته ولا يحصل تفكك عائلي يزيد من أصل المشكلة.

ومن الأشياء الجدير ذكرها هنا ما جاء عن يعقوب بن إبراهيم (أبو يوسف القاضي) وهو تلميذ (أو صاحب) الإمام أبي حنيفة النعمان. وقد ولاه موسى بن المهدي القضاء في بغداد، ثم واصل على ذلك هارون الرشيد من بعده. وكان هذا القاضي مِمَّن يُشهَد لهم بالشجاعة في إبداء آرائه الشرعية والحقوقية أمام هارون الرشيد دوَّنها في صحيفة مشهورة فيما يتعلق بحقوق السجناء.

وكانت تلك الصحيفة قد تضمَّنت كسوة الشتاء والصيف والطعام، وأن يُمنَح السجين مبلغاً من الدراهم (عشرة دراهم شهريّاً). كما يُحذِّر هارون من فساد السَّجّانين في سرقة ما يُكتَب لأهل السجن، ويطلب منه أن يأمر الولاة بالنظر إلى أمر المحبوسين «فمن كان عليه أدَبٌ أُدّب وأُطلق، ومن لم يكن له قضية خلي عنه» كما جاء.

وكان ينهاه عن أذية السجين بالضرب فـ «هذا ممّا لا يجوز ولا يحل في الإسلام، فظهر المؤمن حمىً ولا يجوز أذيته». وكان هذا القاضي صريحاً في قوله لهارون. ومما يُذكر هنا أنه قال في اليوم الذي مات فيه: «اللَّهُمَّ إنك تعلمُ أني لم أجر فِي حكم حكمت بِهِ بين عبادك متعمدًا، ولقد اجتهدت في الحكم بِما وافق كتابك وسنة نبيك، وكل ما أشكل عليّ جعلت أَبَا حنيفة بيني وبينك، وكان عندي والله ممن يعرف أمرك ولا يخرج عَن الحق وهو يعلمه».

ومن الحقوق الثابتة للسجين حقه في الخلوة بزوجته. وقد وَرَدَت هنا حادثة وهو أنه وبعد أن حَكَمَ الإمام علي بن أبي طالب على رجل قال له الأخير: «احبسها معي (أي زوجتي)، فقال عليٌ: لكَ ذلك، انطلقي معه لا عليك أحداً». ومما ورد عن الخليفة عمر بن عبدالعزيز أنه قال حول حق السجين في لقاء أهله: «واجعلوا أهله قريباً منه» كما أورد ذلك الطبسي.

في المحصلة فإن ما يجب أن يُعرَف أن مثل تلك الحقوق ليست ترفاً ولا تصدقاً على السجين، بل هي حقوق أساسية من حقوقه وَجَبَ أن ينالها وإلاّ اعتُبِرَ ذلك انتهاكاً لحقه الطبيعي. وإذا ما أردنا إصلاح مَنْ نعتقد أنه وقع في جرم وزلّة فعلينا معالجته بالصورة التي يخرج وهو مواطن صالح.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4856 - الأربعاء 23 ديسمبر 2015م الموافق 12 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 12:52 ص

      هم بعد بريطانيا أساس المصايب

      لا اطيق سماع اسمع بريطانيا بسبب الكره الذي احمله لهذه المملكة التي ما إن اقرأ في تاريخ امتنا العربية الا وأجد المصائب من بريطانيا وهي من تسبب في القضية الأم قضية فلسطين وبالطبع نحن شعب البحرين احد الشعوب التي حصلت على قسط وافر من ظلم بريطانيا

    • زائر 19 زائر 14 | 6:55 ص

      بريطانيا ساس البلا بس علينا

      الدول الغربية تعتني بمواطنيها وتغطي على جرائمها في حق العالم الثالث

    • زائر 13 | 12:28 ص

      اخ محمد

      المشكلة انك تتكلم عن بريطانيا وهي سو البلاء

    • زائر 11 | 11:43 م

      شكرا شكرا لتسليط الضوء على هذه القضية

      قضية غاية في الأهمية
      من الجور والظلم أن تعاقب زوجة السجين ووالداه وأبناءه
      متى يطبق العدل الالهي

    • زائر 8 | 11:19 م

      اشكرك

      احسنت

    • زائر 7 | 11:19 م

      يمكن تسمع وزارة العدل عندنا

      ويتم التطبيق هنا

    • زائر 3 | 10:21 م

      هذا القضية طرحها الأستاذ أحمد الشقيري

      في برنامج خواطر في أحد المواسم

    • زائر 2 | 9:36 م

      m&m

      احنا المواطنين مالهم حقوق فكيف بسجين يعارض الحكومة.

    • زائر 1 | 9:35 م

      خووووش خوووش

      في سجون الي بالي بالكم يدخلون المخدرات ولا يدخلون اكل مو بعد ايباد
      الخوف من الفاضيح التي يقوم بها منتسبي الأمن في السجون بحق المعتقلين يجعل من كل شيء ممنوع
      هناك فرق كبير بين دولة تريد أن يعيش شعبها بأمان وخير وووو ودولة تطحن شعبها
      اللهم انتقم لنا من كل ظالم
      وحسبي الله ونعم الوكيل.

اقرأ ايضاً