العدد 4863 - الأربعاء 30 ديسمبر 2015م الموافق 19 ربيع الاول 1437هـ

«الإصلاح» تنتدي حول زعيمها الراحــل: غادر بقلب نابض بالحب... خصماً للطائفية... وحالماً بوطن لا تــــــرجف فيه العدالة

الصالح وفخرو يستعيدان ذاكرة برلمان 73 والحقائب الوزارية: عيسى بن محمد لا يبرح الذاكرة ولا يُنسى

استذكر رفاق درب الرئيس السابق لجمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة مناقبه في منتدى بالمحرق
استذكر رفاق درب الرئيس السابق لجمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة مناقبه في منتدى بالمحرق

استذكر رفاق درب الرئيس السابق لجمعية الإصلاح الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، مناقبه، في المنتدى الذي احتضنته الجمعية بالمحرق، مساء أمس الأول الثلثاء (29 ديسمبر/ كانون الأول 2015).

وعلى مدى 3 ساعات تقريباً، وثق الرفاق والتلاميذ، مآثر الفقيد وسيرته، تصدرها حديث رئيس مجلس الشورى علي الصالح، والوزير الأسبق علي فخرو، حيث قال عنه الصالح: «كان الشيخ عيسى بن محمد محباً للناس، ويستمتع بخدمة صاحب الحق»، مستعرضاً مواقفه التاريخية، بما في ذلك استقالته من منصبه الوزاري في خطوة وصفها الصالح أنها «كانت سابقة نادرة، ولافتة».

فيما اختار فخرو الخروج عن النمط الكلاسيكي لسرد السير الذاتية، ليتحف الحضور الذي غصت به الجمعية، بكلمات مؤثرة، توجها بالإشارة لأيامه مع الفقيد في شهوره الأخيرة، حيث قال: «عندما قابلته في الشهور الأخيرة من حياته، وجدته كعادته راضياً بقدر الله وقضائه، متسماً برقة الصداقة والمودة، وعندما ضمني شعرت بذلك الدفء الساحر ينساب من هذا الصديق، وكأنه كان يودع إذ يتذكر ويعيد التذكر».

وعبر استرجاع ذاكرة العقود الماضية، بين المجلس الوطني (برلمان 73) والعمل الحكومي، استعرض المشاركون في المنتدى، عطاءات الشيخ عيسى بن محمد، حتى ذهب من كان قريباً منه وشاهداً على أبعاد شخصيته، للقول إن سر كل ما يحيط بالشيخ عيسى بن محمد من هالة إنما يعود لـ«قلبه النابض بالحب، مرحه، خصومته للطائفية، وسعيه لوطن لا يرجف فيه العدل والسلام».

الشيخ: عيسى بن محمد فجوة قد لا تعوض

باكورة فقرات المنتدى الذي اشتمل على 11 فقرة، ما بين كلمات وأشعار ومقطع فيديو، كانت لنائب رئيس جمعية الإصلاح عبداللطيف الشيخ، والذي قال: «تتشرف جمعية الإصلاح أن تحتضن الجميع في منتدى رد الوفاء والجميل لشخصية وطنية، استطاعت أن تكتب بخطواتها وبحروف من نور ما يدفع جيلنا المعاصر لتعزيز دوره الوطني والدعوي وبأسلوب حضاري خدمة للدين والوطن»، مثنياً على الحضور الذي «جاء ليرد جزءاً من الوفاء لنجم من نجوم الوطن، أعطى وساهم وترك بصمات مؤثرة».

وأضاف «نلتقي اليوم في منتدى الشيخ عيسى بن محمد المؤسس للجمعية، والذي قدم الكثير لخدمة دينه ووطنه، والذي أكد في أكثر من مقام ان دعوتنا في خدمة الدين والوطن، هي دعوة ولادة لا تموت، فيجب ان يسير هذا الجيل على ما سار عليه السابقون»، مشيراً إلى «أننا اليوم نؤكد على هذه المعاني الجليلة، ونستذكر الأسسس التي تركها الشيخ عيسى، لتصل جمعية الإصلاح لهذه المكانة المرموقة في البحرين والمنطقة، وتؤدي دورها الخيري والدعوي والاجتماعي والوطني عن طريق مجموعة كبيرة من المشروعات والقطاعات المختلفة».

واعتبر الشيخ أن «الشيخ عيسى ترك برحيله فجوة قد لا تعوض؛ نظراً لمكانته ولفكره الوسطي المعتدل، وكذلك بدوره في الدعوة لله وفي العمل الخيري، لكن ستظل بصماته بينة للاجيال، ويكفي جمعية الإصلاح فخراً مساهمتها الجليلة في تربية الأجيال في ظل قيادة الشيخ عيسى، والتي كان لها الدور الوطني الرائد في ازدهار البحرين، فبصماته ستظل مرسومة في نفس كل من عاصره».

وأردف «ترك الشيخ عيسى مع صحبه من المؤسسين أرضية صلبة للعمل الدعوي نبع منها الخير وتخرج منها الأبناء، فامتد عمل الجمعية لربوع البحرين من خلال فروعها الستة فضلا عن تعليم القرآن الكريم من خلال مراكز التحفيظ المنتشرة، وقطاعاتها الطلابية والشبابية والنسائية واجهزة التواصل مع المجتمع، وهي الصدقة الجارية التي ستستمر مصداقاً لقول النبي (ص) «اذا مات ابن آدم انقطع عمله الا من ثلاث، صدقة جارية، او علم ينتفع به، او ولد صالح يدعو له».

ونوه إلى أن «كل ذلك يدفعنا من أجل الاستمرار على نهج الشيخ عيسى والأوائل من المؤسسين بخطوات ثابتة لتحقيق الأهداف المنشودة وفق أنظمة مؤسسية راسخة وجودة عالية».

كما قال: «لقد أرسى الشيخ عيسى ومن خلال لقاءاته مع أبنائه أعضاء الجمعية خلال ترؤسه مجلس الادارة لـ 18 دورة متعاقبة، عدة أسس لعمل الجمعية، أهمها: الانفتاح على المجتمع، التواصل مع الآخرين وعدم نبذهم، فنحن دعاة لا قضاة، الدعوة للمحافظة على الاخاء، والاهتمام باللحمة الوطنية»، مشدداً على استمرار الجمعية في أداء رسالاتها الوسطية المعتدلة، وفق الأسس والبصمات التي تركها الشيخ عيسى بن محمد.

الصالح: لم نجده إلا مبتسماً ومتفائلا

بعد ذلك، اعتلى رئيس مجلس الشورى علي الصالح منصة المنتدين، ليطنب في كلمته التي فتح من خلالها ذاكرة الزمالة مع الفقيد، في المجلس الوطني في العام 1973، وخلال فترة تقلده المناصب الحكومية.

وقال الصالح: «انتقل الشيخ عيسى للرفيق الأعلى قبل أشهر، تاركاً لنا ميراثاً من مواقف الشرف والعطاء والعمل الوطني المخلص في مجالات الشأن العام الرسمية منها والأهلية، ويشرفني المشاركة في اللقاء الذي يعبر عن قيم إنسانية نبيلة».

وأضاف «على امتداد تاريخ البحرين، شهدت ساحات العمل الوطني كوكبة من رجال الرعيل الأول، الذين نذروا أنفسهم في سبيل نهضة البلاد والتقدم بها لأعلى المراتب، ولقد بذل أولئك الرجال جهوداً عظيمة من أجل مواجهة التحديات وتقلبات الظروف، وتركوا بصمات عميقة محفورة في ذاكرة الوطن، لذلك كانوا القدوة والنموذج، ولا شك في ان الفقيد الشيخ عيسى بن محمد أحد هؤلاء حيث نلتقي لتخليد صفحات سيرته البيضاء والمشرفة، ونحتفي بنفحات هذه الذكرى العطرة بالقيم والمبادئ التي عمل من أجلها، قيم الإخلاص والولاء للوطن ومبادئ التعايش والتسامح والتكافل ورص الصفوف»، وتابع «لقد آمن الفقيد بهذه الرؤية والمبادئ واتخذها منهجاً وسلوكاً في الحياة والعمل».

كما نوه إلى أن «المرحوم كان من جيل الرواد الذين عاصروا البدايات، وتسلموا مواقع العمل والمسئولية مطلع السبعينات من القرن الماضي، مع انطلاقة مسيرة الاستقلال ومرحلة تأسيس الدولة الحديثة، حيث استجاب لإرادة القيادة وتوجيهاتها، ولبى نداء الواجب الوطني، منخرطاً في الخدمة العامة، حاملاً أمانة المسئولية في منعطف تاريخي وتحولات مصيرية قام خلالها بالدور المناط به، وشارك ضمن فريق العمل الحكومي في مجلس الوزراء، وفي وضع المنظومة التشريعية والقانونية وصياغة السياسات والخطط العامة وبرامج التنمية الاجتماعية».

بجانب ذلك، تطرق الصالح إلى مساهمة الشيخ عيسى بن محمد في وضع أسس وقواعد العمل المؤسسي للأجهزة والوحدات الإدارية للدولة الحديثة، متدرجاً في ذلك من نطاق عمله في سلك القضاء وصولاً لحقيبة وزارة العدل والشئون الاسلامية، ثم وزيراً للعمل والشئون الاجتماعية، وقد حمل قضية العدل وهو قاضٍ، وأخذها معه وهو وزير.

وتوثيقاً لسمات شخصية الفقيد، قال الصالح: «في مواقع عمله الرسمي، أحاط العاملين معه من المرؤوسين بالرعاية، وكان منهجه الدائم في العمل، التشجيع والتحفيز واتاحة الفرص المتكافئة أمام جميع زملاء المؤسسة الواحدة، كما تميز بالتواضع الجم ودماثة الخلق، وكان باب مكتبه وقلبه مفتوحين ليستقبل كل صاحب حاجة أو طلب أو مشكلة، كما كان محباً للناس ويستمتع بخدمة صاحب الحق منهم، ويتقبل الرأي الآخر ويستمع باهتمام وفكر مستنير، ساعياً لإيجاد الحلول المرضية، مقرناً القول بالفعل، وفياً للوعد باسطاً يديه للعطاء ناطقاً بالصدق، فلا يترك من لجأ إليه ينصرف إلا وعلامات الرضا مرتسمة على ملامحه، وإذا ما اختلف مع بعضهم يتركهم لفطرتهم النقية الصافية، فسرعان ما يعودون متفقين فيما اختلفوا فيه».

وأضاف «كانت له قدرة لا تخطئها العين في تبني الخيارات العملية وطرح الأفكار الإبداعية، متجاوزاً بذلك الأساليب التقليدية، ساعياً دون تراخٍ لتسيير عجلة العمل بأعلى كفاءة متاحة وانجاز المهام بأقل كلفة ممكنة».

الصالح عاد بذاكرته المخضرمة للفترة من 1973 - 1975، فقال: «خلال ذلك شهدت البحرين أول تجربة برلمانية، وفي إطارها جمعتني به الزمالة والعضوية في المجلس الوطني آنذاك، وكنت عضواً منتخباً وكان معينا في كتلة الحكومة، فكانت فرصة ثمينة وقيمة للتعرف عليه شخصياً وعن قرب وتبادل الآراء حول الشأن التشريعي والدستوري وحول القوانين التي تطرح للتداول في المجلس، وتلمست مدى ما يتمتع به من شفافية في اقتراح البدائل ويركز كرجل مسئول يتحلى بحسن النية وروح التسامح في أشد المواقف، فلا نجده الا مبتسماً متفائلا، فكان بحق صاحب تجربة عميقة ورجل حكمة ورأي، وقبل كل ذلك وبعده كان ابناً باراً بالوطن، قلبه نابض تجاه الناس بمختلف مشاربهم ومواقعهم. كان أخاً ودوداً وصديقاً صدوقا قريباً من الجميع».

وأضاف «استقال من الوزارة في 1980، وحين تسلمت مسئولية وزارة التجارة والصناعة بعد ذلك بسنوات (في 1995)، وعلى الرغم من ان الحظ لم يسعفني للتشرف بالتواصل معه من خلال الزمالة والمشاركة في المسئولية في مجلس الوزراء، الا انني عرفته عن قرب وربطتني به علاقات وثيقة».

على الصعيد التجاري، تناول الصالح ارتباطه بالراحل عيسى بن محمد، عبر قطاع التجارة والعمل وموقع الصالح السابق في غرفة تجارة وصناعة البحرين، فقال: «تابعت وزملائي بالغرفة بإعجاب واهتمام المبادرات والقرارات البناءة التي تبناها الفقيد، وخاصة في فترة عمله في وزارة العمل والشئون الاجتماعية، حيث تقاطعت مهامها واختصاصاتها وترابطت مع شئون وشجون القطاع التجاري، وخلال تلك الحقبة المهمة تم إقرار قانون العمل الجديد وقانون التأمين الاجتماعي في القطاع الخاص، كما تم تطوير اللجان العمالية التي كانت نواة للتنظيم النقابي، وتم تفعيل قنوات التنسيق والتعاون مع رجال الاعمال».

وأضاف «كان السعي المشترك لتحقيق التوازن المطلوب بين مسئوليات وواجبات وحقوق كل من اصحاب العمل من جانب والعمال من الجانب الآخر على النحو الذي اسهم في استقرار سوق العمل وتطوير فرص التوظيف وتخفيض نسبة البطالة».

في السياق ذاته، تحدث الصالح عن التركيز في تلك الفترة على خطط التدريب المهني، وضرورة تحديث مؤسساته وبرامجه لخلق المزيد من فرص العمل لفئة الشباب المنخرطين سنويا في سوق العمل.

كما أثنى على «إدراك الفقيد الأبعاد الإقليمية والدولية للقضايا العمالية والاجتماعية والتنموية، وضرورة تبادل الخبرات مع دول العالم»، وأوضح «بادر للدعوة لعقد المؤتمر التأسيسي لوزراء العمل والشئون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، واحتضان أمانته العامة ومقرها الدائم في المنامة».

وأضاف «بفضل متابعته الحثيثة، امتد طموحه لفضاء أرحب، حيث انضمت البحرين لعضوية العديد من المنظمات العربية والدولية وفي مقدمتها مجلس وزراء الشئون الاجتماعية العرب، ومنظمة العمل العربية ومنظمة العمل الدولية والمشاركة في العديد من المؤتمرات والهيئات المتخصصة في ميادين ذات علاقة بالشأن العمالي والاجتماعي والتنموي، مبدياً حرصه الشديد على تطبيق المعايير بشأن مبدأ التمثيل الثلاثي لأطراف الانتاج».

وانتقالاً لمرحلة ولادة المشروع الإصلاحي، قال الصالح: «على ذات المنوال سار في بداية تدشين المشروع الاصلاحي في انطلاق ميثاق العمل الوطني، حيث احتل مركزاً متقدماً في عضوية لجنة اعداد ومناقشة مشروع الميثاق. وبعد أن حقق جانباً كبيرا من الطموحات التي كان يتطلع اليها، وأصبح على قناعة بوجوب اتاحة الفرصة امام من هو قادر من الجيل الأصغر سناً، قرر ترك الموقع والتنحي ومغادرة المنصب الوزاري في سابقة نادرة ولافتة، مستبشراً بالفترة المقبلة ومتفرغاً لساحات أخرى».

وخلص للقول «كان الشيخ عيسى بن محمد ذَا شخصية فريدة ونادرة، تواصلت اهتماماته وامتد عطاؤه على اتساع قضايا الشأن العام، وكان الحاضر في كل ساحة من ساحات العمل الوطني، وبذات المقدار كان له الحضور الريادي في ميدان العمل الخيري والأهلي والتطوعي، وبفضل فكره الوسطي وتوجهاته الجامعة، برز دوره القيادي في جمعية الإصلاح ليتمكن من ارساء أسس ثابتة لمضامين عمل مؤسسات المجتمع المدني وترسيخ مرتكزاتها وإثراء دورها الاجتماعي»، وعقب «لم يفقد حسه الإنساني النبيل، ولم ينقطع تواصله مع كبار القوم وصغارهم ولم ينحرف في مشوار حياته الطويلة عن جادة الاستقامة والحق، بقي هكذا قامة سامقة حتى أسلم الروح لبارئها».

فخرو: ضمني بدفء

في أشهره الأخيرة

من جهته، تطرق الوزير السابق علي فخرو، في مشاركته في المنتدى، لمحطات مزاملته الشيخ عيسى بن محمد، فقال: «ليست هذه ورقة عن سيرة ذاتية، فقد كنت اعرف ان اخرين سيغطون ذلك، وليست ورقة شاملة عن كل نشاطات المرحوم وصفاته الشخصية، فقد كنت اعرف ان العديد من المتحدثين سيغطون ذلك. لقد أردتها ورقة شخصية من صديق عن صديق مرحوم، ومن رفيق درب عن رفيق درب توفي رحمة الله عليه».

وتوصيفاً للراحل، قال فخرو: «الصديق الودود المرح، دائم الابتسام شديد التواضع، الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، رحمه الله وأسكنه فردوس الصالحين الابرار، كان رفيق درب لا يبرح الذاكرة ولا ينسى»، مضيفاً «مثل اخوته، كان نتاج بيت عائلي متميز، كيف لا والأم كانت شخصية إنسانية اجتماعية متميزة في عطاءاتها وحبها الآخرين المحتاجين، فانعكس ذلك الدفء الحنون قيماً واخلاقاً على كل الأبناء، وكان في مقدمتهم من نحيي ذكراه اليوم بصفاته الحياتية الرقيقة المتميزة، وهذا ما أردت أن ابرزه، ابرز أفضل صفاته الانسانية البالغة الرقة والغنى والحنان».

أما البدايات، فكانت كما يوضحها فخرو «كانت معرفتي الاولى به كوزير، رفيق درب في مجلس الوزراء، حيث اتصف بالصراحة والاستقلال والبساطة والأخذ والعطاء مع الآخرين باحترام وأدب جم، لكن بتماسك متوازن فيما يؤمن به من أفكار».

وأضاف «في اللجنة الوزارية للخدمات الاجتماعية التي شرُفْتُ برئاستها، وكانت معنية بحقول الصحة، والتربية والتعليم، والعمل والشئون الاجتماعية، ساهم المرحوم بجدارة والتزام وطني وأخلاقي بحقوق العمال المعيشية، وفي حقهم في الانتظام في جمعيات نقابية مستقلة وفاعلة وغير مخترقة، وكان اقرب للعمال منه الى صاحب العمل، وذلك من المنطلق الاخلاقي والديني والوطني، ومن خلفيته القانونية، وعندما ترك الوزارة ترك مكاناً في تلك اللجنة تميز بالمرح والتسامح والصدق والعطاء الهادئ الرزين».

وعاد فخرو للحديث باعتزاز عن علاقة الصداقة التي تجمعه بالشيخ عيسى بن محمد، مفصلاً في ذلك بالقول «كصديق عرفته، إنسانا متدينا عف اللسان مع من يختلف معهم في الدين او المذهب، ممارساً لدينه بوسطية غير متزمتة، ميسراً غير معسر، مرحاً ضاحكاً في اقترابه من رب العالمين».

وأضاف «كصديق أيضاً، عرفته مواطناً مسئولاً ملتزماً يفضّل السكوت والانزواء، على أن يقول ما لا يؤمن به، وذلك عندما تكون الظروف أقوى منه ومن طاقاته والتزاماته الشخصية التي لا يستطيع الفكاك منها».

وبصوت متهدج، قال فخرو: «عندما قابلته في الشهور الأخيرة من حياته، وجدته كعادته راضياً بأقدار الله وقضائه، متسماً برقة الصداقة والمودة، وعندما ضمني شعرت بذلك الدفء الساحر ينساب من هذا الصديق وكأنه كان يودع إذ يتذكر ويعيد التذكر».

وقبل أن يختتم كلمته، خاطب فخرو رفيق دربه، بالقول «يا صديقي وأخي الراحل، كلما نستطيعه اليوم هو أن نعيش أمل اللقاء بك في عالم الغيب، حيث لا توجد الاحزان والآلام التي واجهناها معاً كرفاق درب، من أجل أن نملأ ارض هذا الوطن، بالعدل والضحك والسلام، فعسى يا أخي ان ينجح الآخرون حيث لم نستطع»، وعقب «تحية اكبار ومحبة لك، كانت إبان حياتك السخية في عطائها والعفيفة، نعيد قولها اليوم في ذكرى فاجعة مماتك».

علي أحمد: الوطن لديه

في تعدد الألوان

من جانبه، تحدث الأمين العام لجمعية المنبر الاسلامي علي أحمد، عن بصمات الشيخ عيسى بن محمد، بما في ذلك تأسيسه لـ»المنبر الإسلامي»، فقال: إن «الحديث عن الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة، حديث ذو شجون، فالكلمات تقف عاجزة تماماً عن التعبير عن مشاعرنا تجاه هذه القامة الوطنية والدعوية الكبيرة، كما تقف عاجزة تجاه سيرة ناصعة البياض من تاريخ هذا الوطن الحبيب، تجاه تاريخ طويل من النزاهة والتضحية والعمل المخلص والدؤوب من أجل الدين والوطن».

وأضاف «كلنا يعلم ان الكلمات لن تفيه حقه، لكنها محاولات متواضعة في سبيل التذكير بمآثره، وقراءة بعض السطور الناصعة من تاريخ المربي الفاضل».

وتابع «ما أقسى على النفس فراق الخيرين وأصحاب السبق في خدمة الدين والوطن، وليس اقسى على النفس من أن يتحدث الابن عن أفضال والده، والتلميذ عن معلمه، وما أصعب أن يستعرض مآثر وخصال رجل ناكر للذات، نذر حياته لدينه ووطنه». وكما رآه، واقترب منه، عبر أحمد عن معلمه الشيخ عيسى بن محمد بالمتواضع والوديع، واستدرك «لكنه كان صلباً شديد المراس في الحق، لا يخاف فيه لومة لائم، بهي الطلعة بشوش الوجه، طاهر السيرة والمسيرة، قليل الكلام كثير الفعل، نموذج نفتقده اليوم، نفتقد تلك الطاقات التي تعمل بجد وتنتج في هدوء».

واستشهاداً بعدد من الكلمات، ذكر أحمد «قال عنه الكاتب الصحافي حافظ الشيخ «الرجل الفذ، نادرة زمانه ودرة مكانه». ووصفه الكاتب حسين الصّباغ بأنه «قاض ومحام وداعية ووزير». فيما عدد النقابي عبدالله مطيويع، مناقب الراحل بالقول «أشجع الشجعان والقاضي من قبل والوزير من بعد، ذو المناقب والاخلاق، الذي انتصر للقضايا العمالية في دهور التواطؤ عليها، ودهور الخوف، والذي أفضاله على الحركة العمالية والنقابية ينتهي الزمان وهي باقية لا نهاية لها».

وزاد على ذلك بالقول «كان الشيخ عيسى مهموماً بقضايا أمته منذ نعومة أظفاره وحتى مماته، فها هو يشارك في مظاهرات خرجت من مدرسة الهداية وطافت شوارع المحرق وهو في الصف الثالث الابتدائي، تنديداً بتقسيم فلسطين وقيام الكيان الصهيوني الغاصب، وظل حتى وافته المنية مسانداً للقضية الفلسطينية وكل قضايا أمته العربية والإسلامية».

كما تطرق إلى علاقة الفقيد بالوطن، فقال: «كان الوطن له يعني الحياة والولاء والانتماء والاخلاص والحب والحرية والديمقراطية. كان الوطن يعني تعدد الألوان والرؤى والعادات والتقاليد والثقافات والوحدة الوطنية، وكان يرى ان التنوع مصدر ثراء وتكامل للمجتمع، وليس أبداً مدعاة للتشرذم والانقسام. كان الوطن بالنسبة له هو الدفاع عن الحق والعدل ونصرة المظلومين، فها هو وبعدما كلّف بتولي وزارة العدل مابين 1974 وحتى 1975 وأصبح عضواً في المجلس الوطني بحكم موقعه الوزاري، يسعى للتفاوض مع بعض أعضاء كتلة الشعب من أجل حل الأزمة التي حدثت بين الحكومة والمجلس بسبب قانون أمن الدولة، وتخفيف التوتر السائد آنذاك، والحفاظ على التجربة الديمقراطية الوليدة، لكن حدث ما حدث وحل المجلس وحرمت البحرين من هذه التجربة لمدة 27 عاما تقريباً».

وأضاف «كان الشيخ عيسى تواقاً لحرية ينعم بها الجميع وحياة ديمقراطية يتشاركها الجميع وعدالة اجتماعية يتقاسمها جميع المواطنين، لذا كان من مواقفه التي سجلها له التاريخ بحروف من نور؛ رفضه قانون أمن الدولة، بعد ان اعتبره من القوانين الجائرة لما فيه من تعديات على حريات المواطنين وحقوقهم».

ومع بزوغ شمس الميثاق، كان الشيخ عيسى بن محمد أحد اللاعبين الرئيسيين في ذلك، وهو ما يتحدث عنه أحمد بالقول «نظرا لإيمان الشيخ عيسى واخوانه في جمعية الإصلاح بالحرية والعدالة الاجتماعية فقد استشرفوا المستقبل فتداعوا بعد تولي جلالة الملك حكم البلاد في (6 مارس/ آذار 1996)، لعقد مؤتمر الإصلاح الثالث وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني 2000، ركزوا فيه على العمل الوطني معلنين ان الجمعية بصدد كتابة مشروع وطني إصلاحي، وفي (23 نوفمبر 2000)، أطلق جلالة الملك المشروع الاصلاحي الذي تشكلت على إثره لجنة من شخصيات اعتبارية في المجتمع لإعداد ميثاق توافقي للعمل الوطني، وقد كان من ضمن أعضائه البارزين الشيخ عيسى بصفته رئيساً لجمعية الإصلاح، وفي هذه الأثناء كانت الجمعية قد انتهت من كتابة مسودة مشروعها الوطني المقترح والتي استفاد الشيخ عيسى منها في أطروحاته داخل لجنة إعداد ميثاق العمل الوطني، وقام بإعداد مسودة مختصرة لميثاق العمل الوطني بعد عرضها على كفاءات بحرينية من مختلف التخصصات، وقام بطرحها على لجنة صياغة الميثاق وقد تحمس جل أعضاء اللجنة لها، وكانت المسودة بالفعل احدى الوثائق المهمة لميثاق العمل الوطني».

وبعد الانفتاح ومشاركته في صياغة الميثاق، يقول أحمد: «لم يكتف الشيخ عيسى بذلك، بل واصل تحركاته لحث الشعب على المشاركة في العمل الوطني الجامع وتواصل مع كافة الأطياف والتيارات البحرينية، يحث على التقارب بين الجميع تفعيلا للميثاق من خلال زيارة المجالس وكتابة المقالات».

عقب ذلك، اختار الشيخ عيسى الانتقال لمرحلة العمل السياسي، فكان أحد أبرز مؤسسي جمعية المنبر الإسلامي.

حول ذلك، يقول أمين «المنبر»، «بعد الجهد المضني الذي بذله الشيخ عيسى في مرحلة الميثاق، انتقل لمرحلة العمل السياسي عبر تأسيس جمعية المنبر الإسلامي وكان له الدور الأبرز في ذلك، وساهم بعمل سياسي منظم يخدم الدين والوطن، ولعل الكثيرين لا يعرفون ان الشيخ تبرع بمقر جمعية المنبر الاسلامي في المحرق اسهاماً منه لدعم الجمعية».

وتقديراً من الأمانة العامة للجمعية، لدور الشيخ عيسى في تأسيس الجمعية، أعلن الأمين العام لجمعية المنبر الإسلامي علي أحمد عن قرار «تسمية القاعة الكبرى للجمعية باسم الراحل الكبير»، قبل أن يضيف «وإن كنّا نعلم جيداً أن هذا لا يفي الشيخ حقه، لكنه تعبير عن تقديرنا وعرفاننا له».

فخرو متحدثاً في منتدى تأبين الراحل الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة - تصوير : أحمد آل حيدر
فخرو متحدثاً في منتدى تأبين الراحل الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة - تصوير : أحمد آل حيدر

العدد 4863 - الأربعاء 30 ديسمبر 2015م الموافق 19 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً