العدد 4864 - الخميس 31 ديسمبر 2015م الموافق 20 ربيع الاول 1437هـ

القيادة الخدومة Servant Leadership

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

مفهوم «القيادة الخدومة» Servant Leadership صاغه في 1970 عالمُ الإدارةِ روبرت غرينليف Robert Greenleaf لوصف خصائص القائد الإنساني الذي يسترشد بفلسفة تثري حياة الأفراد والمؤسسات بصورة أفضل من خلال ممارسات أكثر عدلاً ورعاية للآخرين. الفكرة تدعم الشعور الطبيعي لمن يؤمن بأن خدمة الآخرين شرف كبير يسبق التطلّع إلى القيادة، وهذه تصف طبيعية من يقدم خدماته النوعية والإبداعية لغيره.

القائد الخدوم Servant Leader شخص يختلف كثيراً عن الشخص الباحث عن الزعامة أولاً، فهو إنسان استطاع ترويض نفسه وتقليص طمعها بحيث لا يظلم الآخرين ولا يقسو عليهم، ولا يتبلى عليهم. أما الشخص الذي يؤمن بالزعامة أولاً فإنه يسعى إلى الاستحواذ على الممتلكات والإمكانات وإخضاع الآخرين عبر وسائل القوة والقهر.

الفرق بين القائد الخدوم وغيره يتجلى في الرعاية التي يقدمها للموظفين تحت إشرافه، فهو يسعى دائماً للتأكد من تلبية احتياجاتهم، ويعتبرها أولوية قصوى، ويعتبر أن مؤشر نجاحه يكمن في نمو من يعملون معه. كما يرى القائد الخدوم أن ازدهار من يعملون تحت إشرافه، وتطورهم مادياً ونفسياً ومهنياً أهم إنجاز يسعى اليه، وهو لذلك يسعى باستمرار لمنح الموظفين المجال لتحصيل معرفة أكثر، وحرية أكبر، وتمكين أوسع في مجال عملهم.

أما القيادة التقليدية فقد تعتمد على ممارسة السلطة من الأعلى إلى الأسفل وتستخدم صلاحيات المنصب لفرض ما تريد. القيادة الخدومة تضع حاجات الآخرين أولاً، وتساعد الناس على تطوير وتنفيذ أعمالهم، عبر إلهامهم وتحفيزهم وتمكينهم.

وعلى هذا الأساس، فإن المؤسسات يمكن أن تكون خدومة وتتفوق على غيرها في خدمة الزبائن عبر تسليم مهمات القيادة للأشخاص الخدومين القادرين على العطاء في الجانبين الإنساني والمهني، وهو ما يتطلب تفعيل ثقافة خدمة الزبائن، داخل المؤسسة وخارجها. فالزبون هو أي شخص يحتاج منك إلى شيء ما، وبالتالي من يعمل معك هو زبون داخلي، بينما من يشتري منتجاتك أو خدماتك فهو زبون خارجي.

القائد الخدوم، شخص يقوم بمهمات وينفذ أعمالاً مباشرة، وليس منظّراً فقط، إذ لا يمكن تقديم الخدمات عبر الكلمات والشعارات الجميلة فقط. القائد الخدوم يتمتع بتقديم الخدمة ويعمل من خلال روح الفريق الواحد teamworking، ويستوعب تحديات العمل عبر التطوير وإشراك الجميع في الإبداع.

إن الشخص لا يكون خدوماً إلا إذا كان موجوداً وسط من يخدمهم، ولذا فإن هناك من يطرح ضرورة تواجد المدير بين الموظفين عبر التجول فيما بينهم بصورة غير مخططة، وهذا الأسلوب يسمى بـ Management by Walking Around، أو MBWA. هذا الأسلوب تحدث عنه كل من توم بيترز وروبرت ووترمان في العام 1982، وهو يأتي ضمن نهج طبيعي، وتلقائي، من دون تخطيط مسبق، وهو يفترض مشاركة القائد المباشرة في الشئون المتعلقة بعمل مرؤوسيهم، وهذا النمط يأتي على النقيض من القيادة الصارمة والتي تبتعد عن المرؤوسين. هذا الأسلوب في التواجد بين المرؤوسين يتطلب قضاء قدر كبير من الوقت للقيام بزيارات لأماكن العمل والاستماع مباشرة إلى الموظفين، وذلك بغرض جمع المعلومات النوعية، والاستماع إلى الاقتراحات والشكاوى، وتقديم الآراء والتفاعل إيجابياً مع بيئة العمل، وتقديم الخدمات التي يتطلبها العاملون من أجل تأدية عملهم بصورة فائقة ضمن بيئة متحفزة للعطاء.

القيادة الخدومة تقدم المرؤوسين، وتتطلب من الشخص الذي يتصدّر العمل أن يكون مرناً في أسلوب قيادته، وهو أمر مماثل لما تطلبه القيادة الموقفية، إذ يتوجب على القائد اختيار نمط القيادة بحسب نضج أو نمو الشخص المرؤوس وبما يناسب بيئة العمل وثقافتها. القائد الخدوم هو الذي يستطيع تمكين الآخرين من تقديم أفضل ما لديهم من قدرات وإبداعات، ويجعلهم يشعرون بالسعادة وهم يقدمون مصلحة الكل على المصلحة الخاصة، وبذلك يستفيدون كثيراً، ولكن بعد أن يستفيد الجميع مما لديهم من قدرات وإمكانات وإبداعات وسلوكيات محببة للقلوب.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 4864 - الخميس 31 ديسمبر 2015م الموافق 20 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • sabah.fardan | 7:52 ص

      هناك مديرات مدارس عندهم خاصية المدير الخدوم

      تجدهم فجأة في غرف المدرسات او في الصفوف مع الطالبات او مع المشرفات الاجتماعيات او الاداريات و هي تحاول ان تساعد وتشارك و تعلم بكل صغيرة و كبيرة في المدرسة و في الطابور تتفاعل بشكل خدوم تستطيع ان ترى الطالبات المريضات بمرض مزمن و تطلب منهن الذهاب لمكان مريح مثلا او تتعاون مع المعلمات في انجاح الفعاليات في الفرصة او تعمل ورش حوارية لمناقشة اخر المستجدات و هي تتعاون مع اولياء الامور الى اقصى حد و تعمل محاضرات للطالبات في الصالة للنصح و الارشاد والتوعية

    • زائر 7 | 7:10 ص

      انا صار لي سنة كاملة ماشفت مديرتي الله يعطيها الصحة والعافية

    • زائر 6 | 7:08 ص

      لم يجسد هذه النظرية إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام

    • زائر 5 | 11:52 م

      فرق بين ان يكون المسؤول في خدمة الشعب وخدمة الناس وبين ان يكون الشعب في خدمة المسؤول

    • زائر 4 | 11:46 م

      لدينا القيادات المخدومة وليس الخدومة
      انظر الى المسؤولين وتعرف كيف الحال من بهرجة ورواتب ووجاهة وحالة من البذخ
      بينما حقيقتهم انهم موظفون في الدولة ليخدموا الناس.
      لم يتطور الغرب ويصل الى الحالة التي هو فيه الا بعد ان تغيرت وجهة النظر لديهم من أن المسؤول خادم يخدم الشعب وليس العكس

    • زائر 3 | 11:02 م

      النادر القليل

      الحمد لله، يوجد هذا النوع من القادة بشكل قليل لحد ما. وتزدهر المؤسسات التي بها هذا النوع من القادة. في هذا الصباح رأيت صاحب احد المطاعم الناجحة والمطلة على شارع البديع وهو يساعد موظفيه في حمل بعض الحاجيات عند ما شعر بان الوزن ثقيل عليهم . فئة نادرة وقليلة.

    • زائر 2 | 10:55 م

      قيادة المصلحة الخاصة

      للأسف الشديد، تنتشر ظاهرة قيادة المصلحة الخاصة في المجتمع، والقائد لا يسأل نفسه: كيف أخدم الموظفين لينتجوا بشكل أكبر ولكن كيف استغل منصبي في خدمة مصالحي الخاصة ،،،

    • زائر 1 | 10:44 م

      للأسف لا توجد هذه الثقافة

      للأسف هناك من ينظر إلى القائد الخدوم على أنه ضعيف الشخصية، بل البعض يذهب إلى أكثر من ذلك ويعتبره غير مؤهل للقيام بدور القائد بإعتبار، حسب مفهومه، أن القائد لابد أن يكون صاحب هيبة وشرس في معاملته حتى يسير العمل على أكمل وجه...هذه النظرة الضيقة موجودة في أماكن عدة، للأسف

اقرأ ايضاً