العدد 4867 - الأحد 03 يناير 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1437هـ

في حضرة الشيخ الخليلي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما تقول: هذا شخص ثري، فإن ذلك ليس سبباً لأن تحترمه. فـ «قد» يكون شخصاً متكبراً لا يعطف على الضعيف. وعندما تقول: هذا عالِم، فإن ذلك ليس سبباً لأن تُجلَّه؛ لأنه «قد» يكون شخصاً متعالياً سبَّاباً. وعندما تقول: شخصٌ وسيمٌ ووجهه صبوح، فإن ذلك ليس سبباً لأن تُحبَّه، لأنه «قد» يكون بأخلاق فَجَّة سَمِجَة لا يستطيع أحد مجالسته أو التقرّب إليه أو صُحْبته.

لكن، عندما تقول: هذا رجلٌ متواضع، فإنه وللوهلة الأولى تميل النفس إليه، وتجري كيمياء الألفة معه، ثم تأتي بقية الصفات أو المَلَكَات إن وُجِدَت. إذاً، التواضع هو عنوانٌ حاسمٌ في ائتلاف النفوس. فالتواضع بطبيعته يهدم فظاظة الخُلُق ويزيل حُجُب النور بين الناس، ليفتح لكَ فسحة الأنسِ بمن تلقاه: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِك». كما في سورة آل عمران – آية 159، هذه هي القاعدة الإنسانية الأولى.

أقول ذلك، وأنا أخصِّص هذا المقال للحديث عمّن كانت بوابة محبتي له (كما الملايين من الناس في هذا العالَم) هي تواضعه الجَمْ، وإنسانيته العابرة للتمذهب، وشخصيته الوحدوية الجامعة لا المُفرِّقة: إنه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، المفتي العام لسلطنة عُمان.

لقد تشرَّفتُ بزيارة الشيخ الخليلي منذ فترة، وخصَّني بوقتٍ وفير، رغم انشغالاته في مكتب الإفتاء، وتنقلاته، التي يجوب فيها إحدى وستين ولاية في عُمان، بالإضافة إلى زياراته ومشاركاته الخارجية، حيث أنه شخصيةٌ حدودُ حضورها وشهرتها العالم كله، شرقاً وغرباً، جنوباً وشمالاً. وكنتُ قد نَوَيْتُ أن أضعها في مورد آخر حتى يحين وقته لكني آثرت أن أكتبها الآن، والأمة تعيش آلامها وآمالها بشكل متصاعد.

عندما دخلتُ عليه، استقبلني استقبالاً دافئاً، وبمحيّاً باسم تكسوه الهَيبة، وضيافة شائقة، وكأنه يعرفني منذ زمن. لقد وجدته لا يلبس لباساً يُفرِّقه عن أقل واحد في محيطه. يعتمر عمامة بيضاء، ويتلحَّى بها، مع ثوب أبيض بدون تكلّف. هذه هي بساطة لِبْسِه، وهكذا يعيش بمثل ما يدعو إليه.

منذ الوهلة الأولى وجدته يولي كلمة «اهتمام» حقها. فعندما هممنا بالجلوس طلب أن يُدْعَى أحد الأعزاء حينها، ممن يعتبره ولداً له (كما يصفه)، وهو الأخ أحمد الذهلي وكان خارج المكتب، كي يأتيه بكتاب اضطلع الشيخ بتأليفه، كي يُقرئني شيئاً منه قبل أن يُطبع (حينها). نعم، كان يُولِيْ مَنْ يجلس معه اهتماماً وكأنه لا يوجد غير هذا الضيف كي يُسدِي له ما يُسدي من حديث مستطاب.

عندما تجالسه تعرف أنه عالِمٌ بحق. والعالِم يُعرَف بورعه واستقامته وفضائله وبتحقيقه وتدقيقه واجتهاده وفهمه وتصنيفاته وعمله. والشيخ الخليلي يمتاز بذلك. وشَهِدَ له كل مَنْ جالَسَه وحاكاه في العلم والمعرفة. كما أن الاطلاع على تصنيفاته يكشف لك جانباً من ذلك العلم الغزير الذي يتمتع به.

وجدته صاحب حافظة، يستلُّ المعلومة من تلابيبها، والكلِمَ من أصله، مع قدرة فائقة على استحضار الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، والحوادث الواقعة في التاريخ، والخطب العصماء ذات السَّبك العربي المتين. وقد تلا عليّ بلا لَجْلَجَة ولا تلعثم، خطبة طالب الحق وأبي حمزة في المدينة، على الرغم من صعوبة الألفاظ فيها.

أيضاً، وجدته صاحب بداهة في الجواب، تطيعه الذاكرة متى ما طلبها، فتسرع له الفكرة فيُداني مطالب حديثه من خلالها، الأمر الذي جعله قادراً على ضم الدليل إلى الدليل، والمصداق إلى الموضوع بمهارة في أحاديثه المبثوثة في القنوات الفضائية أو التي يلقيها في الندوات والمحاضرات. لذلك تراه يملك قدرة لافتة في النقاش والمناظرة باسترسال سلس.

كذلك، وجدته بليغاً في كلامه، فصيحاً في لسانه (البليغ أخصّ من الفصيح) ينتقي ألفاظه كما ينتقي الطير الحب الجيد من الرديء. وكانت تلك المَلَكَة تزيد شخصه وقاراً وعلمه جمالاً. وكما قيل سابقاً: مَنْ عُرِفَ بفصاحة اللسان لحظته العيون بالوقار. لذلك فإنه وما إن يقول قولاً إلاَّ صار صالحاً لأن يُدوَّن في كتاب، وكأنه قد رُوجِعَ مرة أو مرتين. فلا هَنَّات تُفسِد معنى ما يقول، ولا بَتْرٌ يُغيّره.

ووجدته أيضاً صاحب إنسانية عابرة للطوائف وهو الأهم في هذا العصر بالنسبة لعلماء الأمة. فالشيخ الخليلي عالِم جامع لا مُفرِّق، يزور الجميع دون غضاضة، فتراه عند الإباضية، إماماً، وعند السُّنة منارة، وعند الشيعة عَلَماً، لا يتأفف ولا يترك دعوة إلاّ ولبّاها وهو في الـ 73 عاماً، ولا يقول غير الكلام الحسن، ولم يُلوِّث لسانه بتكفير مسلم يشهد الشهادتين، بل دائماً ما كان داعية وحدة.

وقد كتب وكيل الشئون العلمية بكلية القانون والعلوم السياسية بجامعة الجبل الغربي في ليبيا خالد سعيد يوسف تفوشيت في إحدى الندوات، بحثاً جميلاً حول التعارف والاعتراف في فكر الشيخ الخليلي، وقد أصاب فيما ذهب إليه. فالشيخ لا يؤمن بثقافة الإلغاء ولا الإقصاء، بل هو ذو شخصية جاذبة لا نافرة كما هو فكره السمح، ورؤيته للأمة.

وهذا الأمر هو ما يجب أن يكون عليه علماء الأمة وقادتها الدينيون إذا ما أردنا لهذه الفتنة الطائفية أن تضع أوزارها. حفظ الله الشيخ الخليلي، وهنيئاً للأمة (لا سلطنة عُمان فقط) أن يكون أحد أعمدة العلم والتسامح فيها.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4867 - الأحد 03 يناير 2016م الموافق 23 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 6:58 ص

      سبحان الله كيف يرى البعض أخوانه المسلمين من الطوائف (تحصيل حاصل لا يهتم بهم عموم المسلمين) أتخذتم عند الله عهدا!!. انظروا كيف يحصر البعض الإسلام في جماعته ويحصر العلم في مشائخه. حقيقة نحن في وضع خطير جدا إذا كان هذا الفكر منتشر (فكرة الفرقة الناجية). اللهم الف بين قلوب المسلمين واجمعهم على كلمة سواء. حفظ الله سماحة الشيخ أحمد الخليلي وجميع علماء ومشائخ المسلمين الغيورين على هذه الأمة والحريصين على وحدتها.

    • زائر 15 زائر 14 | 8:12 ص

      هؤلاءيعيشون الوهم

      فلا وزن ولا قيمة لما يعتقدون ويصرحون به ..

    • زائر 16 زائر 14 | 8:14 ص

      لا نريد!

      لا نريدأن بجمهنا الله بفئة ساذجة واهمة متعصبة متعالية تتوهم العلو وهي في الحضيض،هذهالفئةلا تشم ريح الجنة ولا تنال إلا غضب الله .

    • زائر 11 | 4:56 ص

      سبب تخلف وتاخر االمسلمين عن العالم امثال هذة العقيلات المريضة فعلا الاقليات والاكثيرات وجعل الجنة والنار لهم
      ام الباقي حطب جهنم

    • زائر 12 زائر 11 | 6:52 ص

      الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه.
      أشكر الكاتب على صدقه وحسن نيته، أحنا مسلمين منا المصيب ومنا المخطي، لماذا نرمي بأقبح الألفاظ البذيئة التي تمزق وحدة صف المسلمين، أتقوا الله في أنفسكم وتجردوا من هذه العصبية الجاهلية.

    • زائر 10 | 3:10 ص

      هكذا نتمنى من جميع علماء المسلمين دعاة لم الشمل
      والشيخ الخليلي من العلماء اللذين يدعون الى الوحدة

    • زائر 6 | 1:49 ص

      إلى الزائر رقم 1 ... اتق الله .. لم يفرق الأمة غير التعصب ثم التعصب. والشيخ الخليلي كما وصفه الكاتب جزاه الله خيرا وأكثر من أمثاله في هذا الوقت العصيب الذي تمر به الأمة.

    • زائر 9 زائر 6 | 3:07 ص

      الشيخ أحمد الخليلي بتواضعه وأسلوبه يعكس الأخلاق العُمانية التي أثنى عليها النبي العظيم محمد صل الله عليه وسلم، فامتداحه لأخلاق أهل عُمان لم يكن عابراً، حاشاه، لم يكن لينطق عن الهوى. أما دينه وعلمه واجتهاده للم شمل الأمة والدعوة للترفع عن التمذهب والاعتزاز بالإسلام لا بالمذاهب فهي ما ميّزته كقدوة لمسلمي عصره. حفظ الله هذا الشيخ المبارك ونفع به الإسلام والمسلمين. اللهم آمين

    • زائر 5 | 11:55 م

      سماحة الشيخ أحمد الخليلي معروف عنه تواصله وتواصله مع الناس من أكبرهم حتى أصغرهم وهو داعية وحدة لا فرقة

    • زائر 7 زائر 5 | 1:53 ص

      شكرا لقلمك وانصافك فحقا ما قلت يتجسد واقعا هذا ما عرفناه وشهادة لله فإن هذا العالم يسعى للوحدة بين المسلمين

    • زائر 1 | 11:13 م

      يبقى في النهاية مفتي لإحدى الأقليات اما الغالبية العظمى و الساحقة للإسلام و العروبة فهي لديها مرجعيتين فقط لا غير مفتي الحرمين و شيخ الأزهر اما الباقي فتحصيل حاصل لا يهتم بهم عموم المسلمين

    • زائر 2 زائر 1 | 11:27 م

      الافتاء ادوار تتقلب عبر الازمنه

      الافتاء التابع للانظمه هو الذي جعل الهوة بين الناس والمفتين

    • زائر 8 زائر 1 | 2:13 ص

      الاقلية والاكثرية التي تتحدث عنها ليست حجة
      الحجة على من تمسك بالقرآن والسنة وان كان اقل من في الارض
      بدا الاسلام غريبا وسيعود غريبا مثل ما بدأ كما قال المصطفى عليه الصلاة والسلام

    • زائر 17 زائر 1 | 9:40 م

      ان اكرمكم عند الله اتقاكم

اقرأ ايضاً