العدد 4868 - الإثنين 04 يناير 2016م الموافق 24 ربيع الاول 1437هـ

«الصمت» لكوين... دراما الجريمة التي لا تُقاوَم مجسِّدة روح بلفاست

أنطوني جى كوين
أنطوني جى كوين

«الصمت» ليست رواية جريمة فحسب، تلك التي يضعنا في مناخاتها أنطوني جي كوين، فهي تحمل، بروح المكان الذي يشتغل عليه في تداعيات الرواية، والتي تكاد تكون جزءاً من البنية الروائية، وهو كذلك، سحرَ الخرافة ورعدةَ الخوف، تلك التي لم تبرح المكان الذي تدور فيه أحداثها.

تعبير «روح المكان» عرفه العصر الروماني، وكان له بُعده وخصوصيته الاعتقادية الدينية، تلك التي يمكن مسْحها في الثقافة القديمة التي اعتبر فيها رجال الدِّين (الكهنة) أن روحاً - بالضرورة تكون مُقدَّسة - تسكن تلك الأماكن لحمايتها؛ الأمر الذي يُضفي مُناخاً من الرهْبة متلازمة مع القدْسية لتلك الأماكن. «إنها دراما الجريمة التي لا تُقاوَم مجسِّدة روح بلفاست»، بحسب العنوان الذي تصدَّر مراجعة باري فورشو، التي نُشرت في صحيفة «الإندبندنت»، يوم الأحد (27 ديسمبر/ كانون الأول 2015)، نُورد أهم ما جاء فيها.

إنها رواية «روح المكان» (أو «عبقرية الأمكنة» بحسب ما عبَّر عنه الرومان القدماء)، ولعلَّها قيلت تعبيراً عن التحليق في نطاقِ أفضل الأعمال في الخيال أو الأدب أو غير ذلك، وأكثر الكتَّاب المُخضرمين يُدركون جيداً بأن روح المكان تلك لا تقل أهمية في حضورها عن أبطال الرواية أنفسهم. كان هذا النوع من الجريمة يُدرك بشكل متقطِّع مثل هذه الحقيقة (انظر، على سبيل المثال، استحضار روح المكان في كاليفورنيا في روايات روس ماكدونالد).

يُشار هنا، إلى أن روس ماكدونالد هو الاسم المستعار الرئيسي الذي تم استخدامه من قبل كاتب خيال الجريمة الأميركي الكندي كينيث ميلر. ولد في لوس كاتوس بكاليفورنيا. وهو من مواليد 13 ديسمبر 1915، وتوفي في 11 يوليو/ تموز 1983. صاحب سلسلة معروفة من الروايات تتناول تفاصيل وروح المكان في جنوب كاليفورنيا، واشتهرت تلك السلسلة بشخصيتها الرئيسية: المخبر الخاص ليو آرتشر. ترعرع في أونتاريو، واستقر في نهاية المطاف في ولاية كاليفورنيا، حيث توفي في العام 1983.

نشأ في موطن والديه الأصلي: كيتشنر، في أونتاريو بكندا؛ حيث بدأ دراسته الجامعية. عندما هجر والده عائلته بشكل غير متوقع، عاش ماكدونالد مع والدته وعدد من الأقارب، وتنقل عدَّة مرات وهو في السادسة عشرة من عمره.

التقى في كندا مارغريت شتورم في العام 1938، والتي تزوَّجها فيما بعد. رُزقا بابنة أطلقا عليها اسم ليندا، وتوفيت في العام 1970. بدأ حياته المهنية بكتابة القصص لعدد من المجلات. التحق ميلر (روس ماكدونالد) بجامعة ميشيغان؛ حيث حصل منها على درجة الدكتوراه في الأدب. في أثناء دراسته العليا، أكمل روايته الأولى «النفق المظلم» في العام 1944. في أول رواياته الأربع، استخدم اسمه الحقيقي. بعد أن قضى في البحر سنتين (1944-1946) كضابط في الاتصالات البحرية، عاد ميلر (روس) إلى ميشيغان، حيث حصل على درجة الدكتوراه.

التعذيب تحت المطر

مؤلف واحد يُدرك جيداً أن هذه الروح المهيمنة تُعزِّز بما لا يقاس روايات الجريمة المعقَّدة التي يُبدعها وتسِمُها بالثراء، وهو الكاتب الأيرلندي أنطوني جي كوين، وآخر رواياته «الصمت»، هي مثال مكتوب بشكل جميل عن الكيفية التي يُمكن أن يكون عليه إثراء الرواية إذا لم يُهمل المؤلف ولو لثانية واحدة أهمية اللغة. (يمكننا أن نغفر له العنوان المُستهلَك الذي حملته الرواية).

هذا هو الكتاب الثالث للمؤلف الذي تدور البطولة فيه عن مخبر مستقل، سيلسيوس دالي، وكما هو الحال مع روايتيه السابقتين «المختفي» و «ملائكة الحدود»، يجعلنا كوين وبسرعة ننسى أننا قد التقينا شبيه بطله مئات المرات من قبل. في الواقع، ليس هناك استراتيجية ما يستخدمها كوين للوقوف على دقة الجوانب التي تحويها شخصيته الرئيسة والأحداث، بحيث تبدو مألوفة غالباً (نمرُّ بما يشبه المشاركة الشخصية مع المخبر في القضية التي يعمل عليها، بتلك البنية القوية التي يتصف بها عمل من هذا النوع) هو ما يمكن أن نصطلح عليه بالتعبير الذي يمارس نوعاً من التنويم السحري في الكتابة التي تركن جانباً أي تحفظات قد تنشأ لدينا عن الاتفاقيات العريقة في الخليج، أو «الجُون» الذي دارت فيه الأحداث. إنها تُتيح تجربة من القراءة لا يمكن مقاومتها.

الرواية تبدأ في جنوب إرماغ في العام 1974 مع مشهد للتعذيب تحت وابل من المطر. تقوم فرقة من رجال الشرطة بدفع رجل بشكل متكرِّر إلى النهر. غير أن هذا المشهد ما هو إلا حفل تعريفي قاتم. الضحية تم تعيينه في وحدة الاستخبارات الخاصة. في العام 2013، بعد حادث سيارة على طريق سريع جديد، يصل المفتش سيلسيوس دالي إلى مكان الحادث ليجد أن إشارات المرور والأقماع (الأشكال المخروطية التي يستخدمها رجال الشرطة لتنبيه المارة) قد تم ترتيبها. القتيل في الحادث هو كاهن طاعن في السن: الأب والش، الذي كان يجمع أدلة تتعلق بالقتل الجماعي الوحشي الذي ابتليت به المنطقة الحدودية في سبعينات القرن الماضي.

التعامل مع الخرافة والخوف

تكرّ حبَّات المسبحة والسحر في الرواية، حيث مات الكاهن وهو ممسك بما يذكّر بالماضي الكاثوليكي التعيس لرجل المباحث الذي تعرَّض للتعذيب من قِبَل رجال الشرطة تحت وابل المطر. يكتشف دالي أن هناك بئراً مقدَّسة في المنطقة، وما يلي ذلك يدل على أن قوات الشرطة الحديثة في أيرلندا الشمالية لا تزال مُلزَمة بالتعامل مع الخرافة والخوف المتأتِّي من الماضي الريفي، في حين أن القاتل يطارد بلا هوادة مدينة بلفاست. على رغم الجاذبية التي تتمتع بها الرواية إلا أن المؤامرة قابعة في ثناياها، والإنجاز الحقيقي لكوين هو في قدرته على وصف المشْهد الرعوي مع الجريان المائي السيَّال والأجمات... السماء المتجهِّمة والمياه المُعْتمة في لوف نيغ. تلازم ماضي المُخبر والتاريخ الثرُّ لأيرلندا نفسها يوضح الخبرة في الرواية بتبيانها الكيفية الرحْبة التي يُمكن أن يكون عليه هذا النوع من خيال الجريمة.

ضوء

يُذكر أن أنطوني جيه كوين، مؤلف وصحافي أيرلندي، ولد في مقاطعة تايرون بأيرلندا الشمالية في العام 1971. تخصَّص في اللغة الإنجليزية في أثناء دراسته بجامعة كوينز في بلفاست. بعد التخرُّج من الجامعة، عمل في عدد من المهن، من بينها، عامل وبستاني ومعلِّم يوغا قبل أن يستقرَّ به المقام في العمل كصحافي.

أصدر روايته الأولى «المختفي»، والتي نشرتها «Otto Penzler›s Mysterious Press» في العام 2012، وكانت على قائمة الترشيح لجائزة ستراند الأدبية، كما تم تحكيم الرواية من قبل عدد من النقَّاد والكتاب في عدد من الصحف العالمية ومحطات التلفزة من بينها: «لوس أنجليس تايمز»، «واشنطن بوست»، «سان فرانسيسكو كرونيكل»، «الغارديان» ومحطة «CNN». كما تم اختيارها أيضاً من قبل «Review Kirkus» على قائمة أفضل روايات الإثارة للعام 2012. «ملائكة الحدود»، التي تميَّزت بشخصيتها الرئيسة المفتش سيلسيوس دالي نشرتها «Mysterious Press» في العام 2013.

كتبَ القصص القصيرة لسنوات عديدة، وحظي بإشادات من النقاد، وحلَّ مرتين على القائمة القصيرة لجوائز هينيسي الأدبية للكتابات الأدبية الأيرلندية الجديدة. كما حظي بالمركز الوصيف في مسابقة صحيفة «صنداي تايمز» للكتابة المعنيَّة بالطعام.

غلاف «الصمت»
غلاف «الصمت»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً