العدد 4869 - الثلثاء 05 يناير 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1437هـ

المواطنة و«نحن لا نريدهم»

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

«إذا سحبنا جنسية رب الأسرة وخلينا أسرته وكأن والدهم مو مسوي شي... ما يصير...»

«إذا سحبنا الوحدة عن ربّ الأسرة بعد إسقاط جنسيته ثم تركنا أفراد أسرته ينتفعون بها كأننا لم نفعل شيئاً... نحن لا نريدهم»؟؟!

قبل الحديث عمن «نريدهم ونرغب بوجودهم» ومن «نحن لا نريدهم؟»، لابد من التنويه إلى أن العبارة أعلاه انطلقت في سياق مناقشة بمجلس الشورى.

ثمة وقع استفزازي مستهجن خلفته تلك العبارة، سواءً تم الاتفاق معها أو الاختلاف حول كونها «زلة لسان والسلام» أو «سوء تقدير للموقف» أو «رسالة» معدة سلفاً كبالون اختبار، فقد أثارت استنكاراً وجدلاً في الوسط المحلي الذي ما فتئ يتعرض لاختبارات خطابات الكراهية وفقاعاتها خلال السنوات الأخيرة.

عبارة «نحن لا نريدهم» لها وقع ثقيل على السمع والضمير لمن يحمل بين جنباته حسّاً إنسانيّاً، وفي الأصل لم يعرف وطناً غير الذي ولد فيه ونشأ وترعرع وتمرغ في ترابه وتجول بين نخيله وفي أزقته وشواطئه، واستنشق عبق أزمنته الجميلة والحزينة، «فنحن لا نريدهم» تعمق الشعور بالغبن وبوقع «العقاب الجماعي» بكل ما تحمله العبارة «الدعوة» في طياتها من دلالات وأبعاد تتعارض ومفهوم المواطنة والهوية والانتماء، ومبدأ التعايش السلمي وقبول الآخر.

دستوريّاً العقاب فردي

مناقشات «مجلس الشورى» دارت حول مسألة سحب الوحدات الإسكانية وإلغاء أي خدمات إسكانية عمن تم إسقاط جنسيتهم من البحرينيين وتعميم العقاب على أسرهم وزوجاتهم وأطفالهم بتجريدهم من حقوقهم المدنية والإنسانية في الانتفاع بما يحق لهم في الأصل كمواطنين بسبب العقاب الواقع على رب الأسرة المسقطة جنسيته.

تعالت أصوات في «المجلس» بأن المسقطة جنسيتهم لم يعودوا مواطنين بحرينيين، وأنه لابد من إزاحتهم وإزاحة أفراد أسرهم من معادلة المواطنة وحقوقها بطردهم من مساكنهم، فنحن كما قيل بصفاقة «لا نريدهم»؟! هكذا ببساطة. غاب عن تلك الأصوات أن الدستور تضمن مفهوم المواطنة بصفتها حقوقاً وواجبات، ونص في الأصل على أن العقوبة تكون فردية لا جماعية لمن طبق عليهم القرار، كما أن قانون الإسكان الجديد موضوع النقاش نص على أحقية الأسرة البحرينية كاملة في الانتفاع بالوحدة السكنية، أي أنه تحدث عن انتفاع أفراد الأسرة وليس رب الأسرة فقط.

في هذا الصدد، اعتمدت «وزارة الإسكان» المادة (53) من القانون الجديد حسبما أعلنت أنه يحقق الصالح العام ويحمي حقوق المواطنين الأصليين، دون المساس بالمكتسبات والحقوق والواجبات المكفولة دستوريّاً والأنظمة والقوانين المعمول بها لديها. أعلنت وبينت بوضوح لا لبس فيه أن «المواد المتعلقة بصلاحيات إلغاء تخصيص الانتفاع وسحب الوحدات السكنية من المواطنين المسقطة عنهم جنسيتهم، أمر ينطبق فقط على «المتجنسين» ولن ينطبق على الأسر التي تتمتع بالجنسية البحرينية بصفة أصلية.

دلالات القضية الزوبعة

القضية «الزوبعة» المتمثلة في «نحن لا نريدهم»، تحيل المواطن إلى البحث مجدداً في «مفهوم المواطنة» ومرتكزاتها في متن الدستور، لمَ لا وعبارة «لا نريدهم» بحسب علم السياسة والاجتماع تحمل معاني ودلالات تستبطن تحقير الآخر وإلغاءه ونفيه، وعدم الاعتراف بوجوده، كما أن مفهوم المواطنة، إن نحن توافقنا عليه، يلامس بشكل مباشر الحقوق الإنسانية والاجتماعية والثقافية والحريات المدنية المكتسبة للفرد من الناحيتين القانونية والعملية؛ كونه عضواً في مجتمع يفترض ارتكازه على عقد اجتماعي قاعدته المساواة بين الأفراد الذين تحكمهم علاقة المواطنة بما تشكله من مصدر لكل الحقوق والواجبات.

عبارة «نحن لا نريدهم» تثبت ما أشارت إليه بعض الدراسات من أن مفهوم المواطنة في مجتمعاتنا المحلية والعربية يعتريه التباس بسبب مظاهر التأزيم وما يسود من صراعات وانشطارات تتقاطع فيها عوامل ثقافية وإيديولوجية وسياسية ودينية ومذهبية ومكونات لقوى اجتماعية وتشكيلات متداخلة في شبكة علاقات الأفراد والجماعات، وما تفرزه من صراعات وتعارضات، وهو ما يجعلها تمس العمود الفقري الذي تتكئ عليه ثقافة المواطنة في الأصل.

جاء «الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدان الدوليان للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية» فاقعة في تعريفها «للمواطنة» التي تتمثل في حق المواطن في الحياة، وعدم إخضاعه للتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة، وعدم استرقاق أحد والاعتراف بحرية كل مواطن طالما لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين، وحقه في الأمان على شخصه وعدم اعتقاله أو توقيفه تعسفيّاً وفي الملكية الخاصة وحرية التنقل، وحرية اختيار مكان إقامته داخل حدود الدولة ومغادرتها والعودة إليها، كذلك حقه في المساواة أمام القانون، والاعتراف بشخصيته القانونية، وعدم التدخل في خصوصيته أو في شئون أسرته أو بيته أو مراسلاته أو المس بشرفه وسمعته، وحماية القانون له، وحقه في حرية الفكر واعتناق الآراء وحرية التعبير وفق النظام والقانون. المواطنة لا تستقيم دون حقوق المواطن السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وبالحد الأدنى من الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية وتوفير الحماية الاجتماعية والرعاية الصحية والغذاء الكافي والتأمين الاجتماعي والسكن والخدمات الكافية والتعليم واحترام الخصوصيات الثقافية والاعتراف بها. بمقابل تلك الحقوق بالطبع هناك واجبات «للمواطنة» تتضمن مسئولية الفرد «المواطن» الاجتماعية تجاه المجتمع وأفراده. ماذا يعني ذلك؟

يعني باختصار أن مفهوم «المواطنة» الذي تعاقدنا عليه في لحظة تاريخية يتعارض شكلاً ومضموناً مع عبارة «نحن لا نريدهم»، فالمواطنة في نهاية المطاف ليست نصوصاً ومواد قانونية جامدة تثبت حقوق أعضاء جماعة ما في الدستور والقوانين فقط، بل تستوجب وعياً مسئولاً من الإنسان بأنه مواطن أصيل في بلده له ما له وعليه ما عليه، وليس مجرد مقيم يخضع لنظام يمنح الهوية ويسحبها وقتما يشاء، فمن يحمل المواطنة وبما يطلق عليه «مواطن» ليست مجرد صفة تطلق على من يحملون جنسية هذا البلد أو ذاك، وليس مجموعة قواسم ثقافية واجتماعية أو إثنية تجمع بين أفراد المجتمع فحسب، إنما هي فوق هذا وذاك تساوي أفراد المجتمع في الحقوق والواجبات، والتمتع المتساوي بالمنافع والمصالح وفي الثروة القومية، ومشاركتهم النشطة في الحياة السياسية، كحق من حقوقهم.

خلاصة الأمر «نحن لا نريدهم»، دعوة تستخف بحقوق المواطنة المكفولة دستوريّاً ولا تحظى بقبول الآخرين واعترافهم؛ كونها تتعارض ومبدأ الحق والعدالة وتأمين القوانين المستساغة، هي تثير البلبلة ولا تقي الأفراد من الأحقاد وبث الكراهية، كما لا تؤمن الحقوق الأساسية للمواطن، «نحن لا نريدهم» تظل مجرد عبارة «دعوة» عارية لا مفعول لها لأنها خارج منطق العصر وضد القيم والأخلاق وثقافة حقوق الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 4869 - الثلثاء 05 يناير 2016م الموافق 25 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:40 م

      أحسنت و ابدعت في التوصيف يا أختاه. فليس منطق الجاهل كالعاقل بل و لا يجيد الأول حتى المفاهيم و النصوص التي بموجبها تسن القوانين و النظم و ان الزم مقعدا تنصيبا الا انه لا يجعله يعي ما ينطق به فكيف بالاحساس يدركه و هو بأصل الحديث جاهلا و كيف ان هو ناس مقدمه بأصل لم يلامسه الا شعيرات لم تشعره من يكون او متناسيا متبطرا.

    • زائر 1 | 11:01 م

      زائر

      نحن لا نريدهم خرجت من فم انسان همه بث الكراهية ضد مكون رئيسي من هذا الكيان الذي كان ولا يزال لا يعرف وطن غيره وولاءه لترابه عاش فيها وامتزج دمه مع تراب الوطن

اقرأ ايضاً