العدد 4872 - الجمعة 08 يناير 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1437هـ

قصص قصيرة جداً

حشيشة

ذُهلتُ عندما سمعت أحد الأدباء يقول إن نجيب محفوظ كان يتناول الحشيشة قبل كل كتابة، لكنه استدرك بأن ذلك لغرض الوصول إلى مرحلة الابتهاج، فالنشوة، فالإبداع.

الذين كانوا

قبل نحو ثلاثة عقود قال أحد الشعراء: الذين كانوا كانوا. أما اليوم فأنا أقول: الذين كانوا أصبحوا.

شيعي

كانوا يصفونه بالشاعر الوطني وضمير الأمة وبعضهم أطلق عليه لقب الشاعر الحر، أما اليوم فهم يصمونه بالشيعي.

حيلة

قال أحد الأصدقاء: في إحدى السنوات ضقت ذرعاً بمهاجمة الشرطة لبيتي في كل الأوقات وتفتيشه كل مرة، وفي أحيان كثيرة يصطحبونني للتحقيق ثم يفرج عني.

فخطرت لي فكرة أن أزور مجلس الوزير أسبوعياً حتى أبعد الخطر عني وعن عائلتي.

فأخذت أتردد على مجلسه كل أسبوع، أسلم عليه وأجلس قليلاً ثم أنصرف.

عقب بضعة أسابيع انقطع رجال الشرطة عن مداهمة بيتي ونجحت الخطة.

بعد عدة أشهر توقفت عن زيارة الوزير فعادت الشرطة إلى عادتها السابقة.

رسائل

كان اسمه عبدالكريم وكنا نناديه اختصاراً «كريم». جمعتني معه أطلال من الصحبة والألفة وكنا نتبادل الزيارات حيث يأخذني إلى غرفته المنزوية الضيقة ونتجاذب الأحاديث اللذيذة، فيتسع فضاؤنا وتكبر أحلامنا. ثم فرقتنا الأيام وذهب كل واحد لتأمين مستقبله، لكنا كنا نتواصل بين الحين والحين بالرسائل.

وعندما عدنا أدراج الوطن كانت العلاقة قد خمدت فعملنا على إنعاشها شيئاً فشيئاً.

ذات يوم، باغتتني حبيبته بخبر سفره الطارئ. قالت: سيعود بعد خمس سنوات وسألتني أن أكتب إليه.

ساورتني المخاوف لكنني قاومتها وشرعت في نقش أحاسيس الاشتياق، المغلفة بعبير الأماني وعطر الصداقة. وبعد أشهر وصلتني ورقته الصغيرة المتراصة، المكتوبة على الجانبين، لكنها كانت مفعمة بالوله والحنين، فانشرح صدري وازدادت عزيمتي.

ومنذ ذلك اليوم ونحن نتبادل الرسائل البعيدة

أشواك

تستطيع أن تحتمل أكثر. مجرد آلام طفيفة وحبيبات منتشرة على اليدين والكفين. تذكر أن ثمة شخصاً يقبع بين الجدران البيضاء، يصارع الألم وتضيق به الدنيا. صخرة من الحديد انهارت فوق قدمه اليسرى فدكتها دكاً. شاب يستهل زهرة حياته برجل معطوبة وعذاب لا يطاق. تُبّاً لهذا الزمن!

بالأمس تعرفت عليه حينما تقدم لخطبة إحدى قريباتك. فتى دمث الخصال مربوع البنيان مفتول العضلات. توسمت فيه خيراً وتمنيت لهما التوفيق. ثم تعرفت عليه عن قرب وعلمت أنه يعمل براتب ضئيل لا يكاد يفي حاجات الأسرة. ترى ماذا تفعل خمسة وتسعون ديناراً في هذا العالم الفاحش؟

ترغب في مساعدته. تسعى لأن تجد له عملاً أفضل. وبمعاونة أحد الأصدقاء أخيراً تفلح.

العمل شاق والشاب دائم التذمر. يطلب التغيير، تتمنى أن تساعده لكن لا حيلة.

يلازم السرير. يتساءل وهو يغالب الألم: ماذا سيكون مصيري؟ هل سأحصل على تعويض؟ هل سأتمكن من المشي؟ وهل سأعود إلى نفس عملي؟ أسئلة لا تملك أنت إجابتها. تتحاشى النظر إلى عينيه. تخشى أن يحس بما تعاني من حزن. هل كنت سبباً فيما وقع له؟

بعد شهر أو نيف يغادر المستشفى. يشق طريقه بين الأشواك، وفضاء الله.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً