العدد 4872 - الجمعة 08 يناير 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1437هـ

طفولة حرب

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

خمس دقائق فقط كانت مدة فيلم حمل عنوان «طفولة حرب» للمخرج أحمد الهريسي. خمس دقائق كانت كفيلة بأن تجري دمعاً مدراراً من عين من يمتلك قلباً نابضاً، ومن يحتفظ بضميرٍ حيٍّ ومشاعر سويةٍ في ظل سطوة الدمار الشامل للمشاعر والقلوب والضمائر، في زمن الحروب والقتل والطائفية والدكتاتورية.

الفيلم يحكي قصة أُخِذَت عن واقعٍ ربما يكون أخف شدة من واقع لم تصل إليه كاميرا مخرج أو قلم كاتب. إذ يصور الفيلم طفلة كانت قد فقدت والديها في الحرب، وعليها أن تعيل أخاها وتهتم بتربيته في أحد مخيمات اللاجئين، ولهذا طلبت من أحد المارة بطانية تدفئ أخاها الذي يشعر بالبرد كي لا «تزعل ماما» التي تريد رضاها حتى وهي في قبرها.

لم يكتب المعد سيناريو طويلاً ولم يَدُرْ كلام كثير في المشاهد، لكن دموع طفلة، وحضن غريبٍ لم يملك إلا الاستجابة لحاجتها بعد أن هزمته دمعته، كانت كفيلة بأن تفتح كل الجراح التي خلّفتها الحروب في قلوب وأجساد وأرواح أطفالنا في العالم بأكمله.

كم من طفلة تعيش وضعاً كوضع هذه الطفلة وأسوأ؟ وكم من يتيم لا يجد من يعيله أو يكفله قُتل ذووه في حرب طالت الأخضر واليابس؟ وكم من طفل بحث كثيراً في سلات القمامة من غير أن يجد ما يأكله بعد أن كان يعيش في نعيم أهله وداره التي لا يعلم مصيرها أحد بعد هجرته وأهله الذين ربما فارقوا الحياة؟

جنت حروبنا الكثيرة غير المبررة على أطفالنا، ولا تبرير للحرب، خلّفت ملايين الأطفال المشرّدين في مختلف دول العالم. خلقت الرعب في قلوب أطفال. أبدلت البراءة بالحقد في نفوس أطفال. مزقت شمل أسر أطفال. أهانت أطفالاً. دمرت مستقبل أطفال، وبعد أن هدمت مدارسهم، وأحرقت بيوتهم وتشتت عوائلهم ساهمت في نشر الجهل بينهم بعد أن غدا كل همّهم توفير مكان للنوم حتى وإن لم يكن صالحاً لذلك، وقطعة قماشٍ باليةٍ تسهم في تدفئة أجسام أعياهم التشرد، وأعيتهم الهجرة وأعيتهم الوحدة التي عرفوا معناها هنا منذ صغر سنهم. كيف سيكون شكل العالم حين يكبر هذا الجيل الذي دُمِّر نفسياً وجسدياً؟

ومن أين سيأتي السلام بعد عقد أو عقدين وشباب الدول في تلك اللحظة سيكونون هم من عاشوا أوقاتاً لا يمكن تصورها أسهمت في إحداث شرخ في أرواحهم لا يمكن ترميمها بسهولة، وأدت إلى فقدهم ثقتهم بالعالم الخارجي وبأنفسهم وكل من / ما يحيط بهم؟ وهل سيجدون من يهتم بإصلاح ما أفسدته الحروب وتأهيلهم تأهيلاً يضمن لهم حياة سوية، لتستقيم الدول ويعم السلام ولو بأقل مستوياته؟ ما الذي جنيناه على أطفالنا بكل هذي الحروب وهذا الدمار والقتل؟

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4872 - الجمعة 08 يناير 2016م الموافق 28 ربيع الاول 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:28 م

      لم تهدأ دموعي عن البكاء حتى الآن، منذ ساعات الصباح الاولى.... وكل مرة أتردد وأشاهد المشهد ازرق دمعا اكثر من المرة السابقة.. لأنني وبكل مرة اتخيل صعوبة المشهد ومدى الحزن في داخل تلك الطفلة البريئة. وكان الله في عونها وأخيها وفي عون كل من شردته الحرب.

    • زائر 1 | 3:26 ص

      أنا لم يحتمل قلبي ، فما بال الذي شاهد الفتاة .
      الحمد لله على نعمة الأمن ، ولو النسبي منه .
      شكرا كاتبتنا البارعة .

اقرأ ايضاً