العدد 4884 - الأربعاء 20 يناير 2016م الموافق 10 ربيع الثاني 1437هـ

توني بوزان لـ «الوسط»: انتقلنا من «عصر المعرفة» إلى «عصر الذكاء»...ونحتاج إلى إعادة صوغ المناهج لتخريج مبدعين ومبتكرين

تصوير : أحمد آل حيدر
تصوير : أحمد آل حيدر

المنامة - منصور الجمري، أماني المسقطي 

20 يناير 2016

قال مبتكر الخرائط الذهنية، المفكر العالمي توني بوزان لـ «الوسط» إنه يرى بأننا انتقلنا من «عصر المعرفة» إلى «عصر الذكاء»، وإنه يجب إعادة صوغ مناهجنا التعليمية بما يفسح المجال لتخريج مبدعين ومبتكرين، لأن المجتمع الذي لا يطور المبتكرين لن يستطيع الصمود أمام المتغيرات السريعة في عالم اليوم. وقال إن الإنسان لديه هديتان عظيمتان هما: العقل أو المخ، والوقت، وإن كل إنسان يجب أن يستفيد من وقته لتطوير ذهنية الإبداع والابتكار، معتبراً أن كل إنسان قادر على الإبداع والابتكار إذا أفسح له المجال، وتم تدريبه وتطويره على تفعيل قدراته الذهنية.

وقال بوزان «إن حملة الماجستير في إدارة الأعمال لم ينقذوا العالم من الأزمة المالية العالمية، وإن من أخرجنا من تلك المطبات الكبرى هم المبدعون والمبتكرون، وإن هناك حاجة لتخريج قيادات تنفيذية تحمل الماجستير في التفكير والذكاء، وأن ندرب القوى العاملة على القراءة السريعة والتفكير الإبداعي وتمكينهم من تطوير وسائل ومنتجات وخدمات الأعمال بما يلبي الاحتياجات المعقدة لعصر الذكاء الذي نعيش فيه. وفيما يأتي نص اللقاء:

طرحت أننا مازلنا غير قادرين على تبني الوسائل الإبداعية كما ينبغي، في التعليم وفي المدارس وفي قطاع الأعمال... لماذا؟

- هناك عدة أسباب، أولها العادات التعليمية، فالتعليم الرسمي في العالم لا يتجاوز عمره المئتي عام، لذلك فهو لايزال يعتبر نظاماً جديداً ومبتدئاً، يمكن القول إن النظام التعليمي مازال طفلاً، والآن يجب علينا أن نتعامل مع نظام التطور البشري الجديد، لذلك فالأمر ليس صعباً وإنما متوقع، حين يكون لديك طفل، فإنه يبدأ للتو في التعلم، والأمر ذاته ينطبق على نظام التعليم الذي يعتبر طفلاً ولا زال يتعلم.

والتعليم بدأ رسمياً في النظام العسكري، لأن الأشخاص الذين تناط بهم مهمة الدفاع عن بلد ما، عليهم أن يتعلموا ما الذي يتوجب عليهم القيام به، إذ حينها لا يتوجب عليهم التفكير، وإنما يجب عليهم تنفيذ الأوامر التي تلقوها، بما في ذلك كيفية استخدام السلاح، وحين لا ينصاعون للأوامر فإنهم والآخرين سيموتون، لذلك فإن القوانين المفروضة عليهم صارمة، وهذا ما يحدث في المدارس.

حين كنت في المدرسة، ولا أقوم بما يتوجب علي القيام به، كانوا يعتبرونني طالباً سيئاً، وكنت حينها أتعرض لمختلف أنواع العقوبات، ولكن هذا الأمر بدأ بالتطور.

وسؤالك هو مثال على هذا التطور، وهو لماذا لا يوجد هناك المزيد من الإبداع والابتكار في المدارس؟ والجواب أن دور المدارس بات يقتصر على تخريج المزيد والمزيد من الطلبة لمساعدة أنفسهم وعائلاتهم وقطاع الأعمال والدولة والعالم.

وهذه نقطة تحول في تاريخ التعليم، والإبداع هي واحدة من طرق الذكاء التي نتجه نحوها، فالعالم مر بعصر الزراعة ثم عصر الثورة الصناعية، وبعد ذلك العصر الرقمي أو عصر المعرفة، والجميع يعتقد أننا مازلنا نعيش العصر الرقمي، ولكننا في الواقع خرجنا من هذا العصر، والبعض يرى أن المعرفة باتت قوة، ولكنها لم تعد كذلك، لأن الجميع بات قادراً على الحصول على هذه المعرفة، بل إن المعلومات باتت متوافرة بصورة مفرطة تجهد الناس.

إذاً ما هي التسمية التي تطلقها على هذا العصر إن لم يكن عصر المعرفة؟

- نحن الآن ندخل عصر الذكاء، وهذا العصر الذي يفكر فيه الأشخاص بذكاء، عن الزراعة والصناعة وتقنية المعلومات، لأن عصر المعرفة يعطي الأشخاص معلومات بصورة مفرطة.

في عصر المعرفة، قال الأب الروحي للإدارة بيتر دراكر إن هناك «عمال المعرفة knowledge workers»، فما الذي لدينا في «عصر الذكاء» الذي تتحدث عنه؟

- سيكون لدينا «عمال الذكاء intelligence workers»، وهذا تطويري لما طرحه دراكر، لأنه أول شخص أدرك أننا نمر بالعصر الرقمي وعلينا أن نستخدم المعرفة، والعامل المعرفي أصبح الآن على سبيل المثال، مدير إدارة المعلومات، ومدير المعرفة، ولكن هذا ليس حلاً، لأن هناك أكثر أهمية للإدارة من المعرفة، والأمر الذي يجب أن نديره هو المعرفة، ومن يدير المعرفة هنا؟ عقل الإنسان. المعرفة الكثيرة تسببت في information overload وهذا يعني أن الشخص الذي يشغِّل الذكاء هو الذي يستطيع أن يتعامل بصورة مبدعة وغير منهكة مع المعرفة.

لماذا لا تستخدم مصطلح «عمال الإبداع» أو «عمال الابتكار» بدلاً من «عمال الذكاء»؟

- الإبداع والابتكار يتفرعان عن الذكاء، لأن هذه الموهبة لها أفرع متعددة، من أبرزها الذكاء الإبداعي، وهذا أمر حيوي، ولكن هناك أيضاً ذكاء لفظي وذكاء في الحساب، وذكاء اجتماعي. ويجب أن أشير هنا إلى أستاذ الإدراك والتعليم في جامعة هارفارد، هوارد غاردنر، الذي أعد بحوثاً وألّف كتباً تتعلق بالذكاء الاجتماعي، والعامل صاحب الذكاء الاجتماعي، هو الشخص الذي يمكنه أن يلتقي بأي نوع من الأشخاص ويخلق اتصالاً بينهم وعلاقة معهم ويفهمهم ويساعدهم ويرشدهم، وهو أمر لا يقل أهمية عن الإبداع، وقطاع الأعمال بدأ بالتركيز على الإبداع، لأن القائمين على هذا القطاع بدأوا يدركون أن العمل يعتمد اعتماداً أساسياً على الإبداع.

فكيف يتم تأسيس المؤسسات؟ والجواب أن تأسيسها يتم بعد اجتماع مجموعة من الأشخاص الذين يتفقون على تحويل حلمهم إلى حقيقة، فالأعمال هي مصنع الأحلام.

إذا كنت ترى أننا ننتقل إلى عصر الذكاء، وتريد أن يكون الأشخاص مبدعين، فيجب الأخذ في الاعتبار أن نظامنا التعليمي يقوم على عدة فروع تعليمية، كالعلوم والهندسة وغيرها، ولكن نهجك يقوم على خلط هذه التصنيفات، فإنك على سبيل المثال، إما لديك شهادة علمية في العلوم أو شهادة علمية في الآداب...

- البنية الأكاديمية أو العملية الأساسية في العصر الصناعي أو المعلوماتي، تُعرِّف الأشياء بصورة منفصلة، ولكن في التعليم وقطاع الأعمال جميع المبادئ مترابطة مع بعضها البعض.

ليوناردو دافنشي كان يقول إن العلم والفن متشابهان، فالفن مثل الأحياء، لذلك كان عبقرياً، لأنه كان يربط بين جميع الأشياء.

ولكن ما الذي حدث لنظرية التخصص وتقسيم العمل؟ فالخلط بين جميع التخصصات، قد لا يخرج لنا بابن سينا وليوناردو دافنشي، إذا ابتعدنا عن التخصص في العمل، كيف يمكننا إدارته؟

- يمكن إدارته بذكاء، لأنه حول العالم وفي قطاع الأعمال والحكومات، هناك مشكلات عمالية، من بين أسبابها أن العمال لديهم تخصصات مختلفة، وقطاع العمل يتعامل مع العامل بموجب القانون لا كإنسان، ومن يحملون شهادات أكاديمية هم أعلى من غيرهم، وهذا أمر غير صحيح، فكل العباقرة أحبوا العمل. على سبيل المثال، يعتقد الناس أن الرسام هو شخص يرسم فقط، ولكنهم لا يدركون أن الرسام يقوم بعمل إطارات لوحاته ويشد القماش الذي سيرسم عليه على هذه الإطارات، ويستخدم العديد من أنواع الفرش ويحمل اللوحات التي تصل في وزنها إلى سبعين كيلو جرام. لذلك فإن التخصصات للأسف هي بمثابة تقطيع للجسد الواحد، فلماذا لا يتم معالجة ذلك؟

حين تخرجت من الجامعة عملت في مجالين، أحدهما في الزراعة وهو ما أتاح لي الكثير من الوقت بالتفكير، وأتاح لي فرصة الحديث مع الحيوانات والدجاج، وهو عمل مازلت أحبه، ثم عملت في البناء، وكنت أستخدم جسمي وأتبادل النكات مع الآخرين بينما ننقل الطوب وهي عملية متعبة جسدياً، وكنا نتحدث عن السياسة والعلوم والأخلاق، لأن العمل الجسدي يتيح الفرصة للعقل للتفكير.

ما الفرق بين الخرائط الذهنية والتفكير الجانبي المرتبط بالمفكر العالمي ادوارد دي بونو؟

- التفكير الجانبي يدعم الخرائط الذهنية، وكانت لدي محاضرة مع دي بونو، والتفكير الجانبي لدى بونو يقوم على شغف دراسة الطريقة التي يحاول فيها الأشخاص التعامل مع المشكلات، وفكرته تقوم على أن يقفز هؤلاء الأشخاص على الخط الذي يسيرون في إطاره أثناء تعرضهم للمشكلات للخروج بحل مختلف لمشكلاتهم، وهذه الفكرة التي يقوم عليها التفكير الجانبي.

بينما الخرائط الذهنية تقوم على التفكير في التفكير، التفكير في الإبداع، والابتعاد عن القاعدة، فالعقل يفكر من المركز ويشع مثل أشعة الشمس، وهكذا نحن نفكر.

كيف يمكن جمع جميع هذه الأفكار المتعلقة بالإبداع في التعليم، حين تكون هناك عدة طرق لتطبيقها ولتمكين الأشخاص من استخدام عقولهم؟ هل هناك كتاب يقدم دليلاً مبسطاً لاستخدامه مع الطلبة؟ فمثل هذه الأفكار باتت أشبه بصناعة أشخاص...

- أؤيد ما ذهبت إليه، فبالفعل أصبحت هذه الأفكار كالصناعة الشخصية، فالخرائط الذهنية باتت عالمية، وهي أداة للعصف الذهني مدمجة مع التفكير الجانبي ومرتبطة أيضاً بالرسم المفاهيمي، لذا فإن كل هذه الأمور تمثل مظلة للتفكير الإبداعي.

وهناك نقاش متعدد الآراء، فالبعض يرى أن بعض الأشخاص مبدعون والآخرين لا، ولكني أقول إن كل شخص مبدع وكل شخص لديه القدرة على أن يكون مبدعاً، والخرائط الذهنية تثبت ذلك.

هل تنطلق من منهج التفكير الجدلي (الدياليكتيكي) بهدف توليد الأفكار المبتكرة؟

- نعم، بالنسبة لي فإن التفكير الجدلي منهج لتوليد التفكير الخلاق، ومن أجل أن نتمكن من عرض القضايا من وجهات نظر متعددة، والتوفيق بين الآراء المتعارضة، وتحفيز جدلية الإبداع.

حدثنا عن يوم الخرائط الذهنية الذي اقترحته للبدء هذا العام...

- نعم تم الاتفاق مع الممارسين والمهتمين بطريقة رسم الخرائط الذهنية التي ابتكرتها للاحتفال بـ «يوم الخرائط الذهنية» في الثاني من يونيو/ حزيران 2016، (بوزان ولد في 2 يونيو 1942)، وستكون هناك برامج عديدة لنشر فكرة الخرائط الذهنية على أوسع نطاق، ونسعى إلى محو الأمية العقلية بحلول العام 2020. سنسعى إلى نشر استخدام الخرائط الذهنية في أكبر عدد من البلدان، وذلك للتعريف بفوائدها وكيفية تطبيقها في التعليم والتدريب، ومن ثم تعزيز ثقافة الإبداع والابتكار ومضاعفة الإنتاجية في العمل.

العدد 4884 - الأربعاء 20 يناير 2016م الموافق 10 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً