للمدن القديمة عبقها الخاص، تأخذك نحو ماضٍ ربما لم تعش منه شيئاً، لكنك تعرف تماماً أنه جميل وأنيق ببساطته، وأصالته، وإن كنت ممن جايلوه فإن هذه المدن والمباني القديمة تنبش ذاكرتك وتصحبك في رحلة بين ردهاتها تجعلك تبتسم سعادة، وتتنهد حنيناً لزمن لن يعود.

أن تتجول في مدينةٍ قديمةٍ يعني أن تكون جزءاً من زمنٍ سمعت به وقرأت عنه، فما المدن والقرى التراثية في أية دولة إلا شاهد على حقبة زمنية تختلف مدتها بحسب عراقة هذه الدولة وعمق جذورها في أرض التاريخ. وكلما دخلت بيتاً أو مسجداً تراثياً، كلما سمعت أصواتاً من سكنوه، واخترعت الحكايا عمّن عاش به تكون امتداداً لقراءاتك عن هذه المنطقة أو هذه الحقبة التاريخية.

تأخذك المدن القديمة في بلادك لذلك المكان العصيّ على الفهم في روحك، وهو يبحث عن البسيط في الوقت الذي تتوق فيه بشكل عام لكل ما هو حديث وحضاري. تأخذك لصورتك المعلقة على زاوية في ذاكرة أبويك بالأبيض والأسود وأنت تلعب في الزقاق الضيق بابتسامتك غير المصطنعة وبريق عينيك الذي يدهشه كل جميل مهما كان بسيطاً. إلى سعادتك بقطعة شوكولا تذوب في يديك قبل أن تكملها، وقهقهتك لأن أحدهم رمقك بنظرة سريعة.

وأما المدن القديمة في بلاد أخرى غير موطنك، فإنها تأخذك لحصص التاريخ الأولى وأنت على مقاعد الدراسة، تستمتع بدرس يبحّ صوت معلمك وهو يشرحه عن الفتوحات الإسلامية، أو العهد العباسي أو الأموي أو العثماني أو الفاطمي، بحسب المدينة التي تزورها، ولا تنسَ أن تستذكر بعض حكايا السلاطين حين تشاهد لباساً تراثياً معلقاً هنا، أو كرسياً بالياً موضوعاً هناك بكل شموخ. تجول بذاكرتك حكايا العشاق المشهورة وأنت تصادف عاشقين يمسكان أيدي بعضهما، أو سيدة تضع رأسها على كتف حبيبها، فتسمع صوت روميو وهو يناجي جولييت في خيال شكسبير، وتمر بقيس وهو يبحث عن خيمة ليلى بعد أن أهلكه الهيام.

هكذا تختلق لك هذه المدن حكايا وتستحضر أخرى، حتى تغدو كل الأماكن بالنسبة لك مسرحاً أو شاشة سينما. تستنطق الجدران وتسمع ضحكات الأطفال في الأزقة وتدخل عالماً لا تود الخروج منه حين تفتح لقلبك وذاكرتك ولروحك المجال كي يسرحون في هذا الفضاء من حولك.

بعض البشر تستهويهم زيارة كل الأماكن التاريخية والأثرية في بلادهم وأي بلاد يزورونها، إما حباً في مزيد من المعرفة أو فضولاً لمجرد الرغبة في الرؤية، أو كي لا يفوتهم مكان لم يذهبوا إليه في جولتهم السياحية. بعضهم يخصص أياماً في السنة لزيارة الأماكن التراثيّة في بلادهم ويعتبرونها جزءاً من روتين عودوا أنفسهم وأطفالهم عليه، وهو ما أرجو من الجميع فعله، فبرغم قلة الأماكن التراثية والتاريخية الموجودة لدينا في البحرين؛ إلا أنها كنز جميل يجب استغلاله وتعويد الأطفال على زيارته، ففي كل زيارة نكتشف فيها شيئاً جديداً جميلاً.