العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ

الخارج ومحن التنمية الإنسانية العربية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

في اعتقادي أن موضوع التنمية الإنسانية الشاملة للمجتمعات العربية لا يحصل على الاهتمام اليومي الدائم في أغلب وسائل الإعلام والتواصل العربية وفي كل المنابر الحكومية والتشريعية. فالتركيز الكبير يقتصر على ضرورة النمو في الاقتصاد وعلى ضرورة التوجه نحو مزيد من الديمقراطية في السياسة.

هذا بينما أن كلا الأمرين، النمو الاقتصادي والممارسة الديمقراطية، هما جزءان فقط مُما يعرف بالتنمية الإنسانية التي لا تقف عند تحقيق هذين الأمرين وإنُما تتعدّاها لتشمل قضايا التعليم والعمالة والبيئة الطبيعية والبيئة الثقافية ومختلف العلاقات الاجتماعية وتفعيل القيم الإنسانية السامية، أي أنها تتوجه نحو تمكين الفرد مادياً ومعنوياً ليعيش بكرامة وحرية ونحو تمكين المجتمع ليصبح سيد نفسه وليحمل مسئوليات قدره.

منذ سنة 2002 وتقارير التنمية الإنسانية العربية تصدر تباعاً وتشير إلى وجود نقاط ضعف مأساوية في الحياة العربية، لكنها تحظى بترحيب ونقاش محدود حين صدورها، ثم لا تلبث حتى يطويها النسيان. ولذلك فإن محتوياتها وتوصياتها وما تشير إليه من أخطار وكوارث قادمة لا تترسخ في العقل الفردي والجماعي لتصبح جزءاً أصيلاً راسخاً مثيراً للقلق والهلع في جدول أعمال الحياة اليومية للمجتمعات العربية.

من هنا الأهمية القصوى لجعل موضوع التنمية الإنسانية العربية، بكل أجزائه وتفاصيله، فصلاً بارزاً في الثقافة السياسية للإنسان العربي.

وعندما يزداد وعي الإنسان العربي وتشتد حساسيته تجاه موضوع التنمية الإنسانية، كأمر وجودي وأخلاقي يمسُّ حاضره ومستقبله ومستقبل أولاده وأحفاده، سيطرح على نفسه السؤال المهم: من المسئول عن فشل التنمية الإنسانية في أرض العرب؟ وعند ذلك سيكتشف هذا الإنسان أن جواب ذلك السؤال سيشير إلى كل أعداء ومناهضي تقدمه ونهوضه من تخلُّف تاريخي يرزح تحته.

وسيكتشف أن الأسباب داخلية وخارجية تتفاعل مع بعضها وتتعاضد في أشكال سمسرة وزبونية وفساد ونهب واحتكار للسلطة وتبادل للمنافع.

دعنا من ذكر الأسباب الداخلية فقد كتب عنها الكثير، وقد نعود إليها. وسنكتفي اليوم بتسليط الضوء على عاملين خارجيين يساهمان في إفشال التنمية الإنسانية العربية، ويحتاج الإنسان العربي أن يعي بعمق أهميتهما.

العامل الأول الإيجابي، والذي يستطيع أن يلعب دوراً مهماً في كل محاولة للتنمية على المستوى الوطني، هو الترابط التنموي العربي، بدءاَ بالتكامل الاقتصادي والسوق العربية المشتركة وانتهاء بوحدة اقتصادية على المدى البعيد. يكفي أن نذكر بأن تواجد كتلة اقتصادية تكاملية عربية سيكون مدخلاً لوجود سوق كبيرة آمنة لكل نتاج عربي على المستوى الوطني، ومدخلاً لقيام صناعات أساسية وهندسية وعسكرية وزراعية كبرى على المستوى الوطني، ومدخلاً لإجراء البحوث المعرفية وللتطوير التكنولوجي الضروري للإنماء الاقتصادي، ومدخلاً للتفاوض الاقتصادي والتكنولوجي مع الكتل الاقتصادية الأخرى.

فإذا أضيف إلى ذلك أن الأمن العسكري والغذائي والمائي والوقوف في وجه الخطر الصهيوني والتدخلات الخارجية الضاغطة المتآمرة على المستوى الوطني سيحتاج إلى رافد قومي يعينه ويقوّيه أدركنا الأهمية القصوى للترابط العضوي بين كل مشاريع التنمية الإنسانية في كل الأقطار العربية، وأن غياب ذلك الترابط يساهم بصور مباشرة أو غير مباشرة في إفشال التنمية الإنسانية الوطنية.

أما العامل الثاني، وهو سلبي في كثير من جوانبه، فهو مؤثّرات العولمة السلبية على التنمية العربية على المستويين الوطني والقومي، وبالتالي إفشالهما.

ذلك أنّه، على رغم كل الخطابات الدعائية الرنّانة المادحة للعولمة، إلا أن للعولمة جوانب سلبية تحتاج أيضاً إلى مواجهة على المستويين الوطني والقومي.

إن إصرار القوى الفاعلة الضاغطة في المسرح الدولي العولمي على الإزالة الكاملة للأسوار الجمركية الضرورية أحياناً لحماية المشاريع الصناعية والخدمية الوليدة، واحتقارها للتخطيط المركزي للتنمية الوطنية، وإيمانها الجنوني بقدرة حرية الأسواق ونظامها التنافسي على حلّ كل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والفردية، ودفعها بقوة لتتخلّى الدولة عن مسئولياتها في الرعاية الاجتماعية وعلى الأخص للفقراء والمهمّشين ووضع تلك المسئولية في يد القطاع الخاص، ونشرها بكل الوسائل الإعلامية والإعلانية لثقافة الاستهلاك المادي النّهم المجنون والابتعاد عن أيِّ ادخار أو توازن حياتي أو تقشّف معيشي وذلك من خلال بناء إنسان فردي مبالغ في استقلاليته الفردية وفي عدم التزامه بالروابط والضوابط العائلية والاجتماعية والوطنية، ورعايتها لكل الاتفاقيات الدولية المفروضة التي تحيل العالم كله إلى ساحة ترتع في جوانبها بحرية كاملة الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود وذلك على حساب كل ما هو محلّي ووليد... إن كل ذلك لا يمكن أن يصبّ في صالح التنمية الإنسانية الوطنية ولا في صالح التنمية الإنسانية القومية.

لكن مقاومة تلك الجوانب السلبية، الكامنة في النظام الرأسمالي العولمي المتوحش الذي يقود العولمة، لا يمكن مقاومته إذا لم يواجه على مستوى تكتل عربي كبير. ولكن ذلك قد أصبح من شبه المستحيلات في هذا الجحيم الذي تعيشه أمة العرب من جرّاء المؤامرات الخارجية وتنامي الهمجية التكفيرية من قبل «القاعدة» الأم وفراخها وارتكاب أخطاء فادحة من قبل أشكال من الأنظمة التسلطية الفاسدة. التنمية الإنسانية العربية في محنة والتعامل مع مفشليها يحتاج أن يكون في قمة جدول أعمال الحياة السياسية العربية.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4899 - الخميس 04 فبراير 2016م الموافق 25 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:08 ص

      لا يختلف الناس إلا ما اختلفت فيه... فمن من اليوم الامتحان الذي فيه وبه يكرم المرء أو يهان؟

اقرأ ايضاً