العدد 4902 - الأحد 07 فبراير 2016م الموافق 28 ربيع الثاني 1437هـ

اقتصاد إنتاجي بديل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

استضافت جمعية التجمع القومي الديمقراطي مساء الإثنين (1 فبراير الجاري) الوزير البحريني السابق علي محمد فخرو، في ندوةٍ بعنوان «إخفاقات التنمية... مسئولية من؟»، وكانت امتداداً وتنويعاً للحديث الذي تناوله في مقاله يوم الجمعة (22 يناير 2016)، في هذه الصفحة من «الوسط».

المقال يتحدث عن تجربة خاضها فخرو مع مجموعة من المفكرين والاختصاصيين الخليجيين، حين تمت دعوتهم رسمياً في 1981، من قبل الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، لوضع «تصور لاستراتيجية تنموية بعيدة المدى». وتحمّس المدعوون وخرجوا من اجتماعاتهم بالدراسة المطلوبة، التي تناولت 7 عناوين: العمالة والاقتصاد والإدارة العامة وامتلاك المعرفة والتقنية وإصلاح التربية والتعليم، والأهم البترول، الذي كنا ومانزال نعتمد عليه كلياً تقريباً، في مختلف نواحي حياتنا.

كانت أهم توصية تتعلق ببناء اقتصاد إنتاجي بديل، والسعي إلى تخفيض نسبة مساهمة البترول في الناتج المحلي الإجمالي من 50 في المئة في الثمانينيات إلى 25 في المئة بحلول العام 2000، وتخفيض مساهمة البترول في تمويل الموازنة (النفقات العامة والإنشائية) من نحو 82 في المئة إلى الصفر بحلول 2000. كانت خطوة كفيلة -لو تم اعتمادها- بإنقاذنا من الكارثة التي نعيشها هذه الأيام.

الحكومات تجاهلت ذلك التقرير الاستراتيجي المهم، وركنته على الرف. وعاد إليه فخرو للتذكير بالفرصة الضائعة، فهو يكتب تحت هاجس ما سيكتبه التاريخ، من قصَّة حزينة مبكية عن التعامل مع حقبة البترول على رغم كثرة التحذيرات، وآلاف الكتابات والدراسات والندوات. كما تعكس قصة «العلاقة الملتبسة بين أنظمة الحكم وبين المفكرين والمثقفين، فضلاً عن المعارضين، وما يشوبها من هوس الشكوك والريبة والاتهامات ومحاكمة النوايا. ويسجّل شهادته المهمة: «ولذلك لم يكن مستغرباً ما سمعته من أن عدداً من الوزراء الانتهازيين، ما إن قرأوا التوصيات حتى سارعوا إلى تحذير القادة في بعض البلدان السّت من الأخذ بها، بحجة أنها ستنقص امتيازاتهم وستضعف سيطرتهم على مفاصل الدولة والمجتمع»! إنها تجلٍّ لصورة نيرون في سلوك هذه البطانة غير الناصحة: «إنها قصة الزبونية الأنانية التي لديها القدرة على أن تلعب على القيثارة وتغنّي بينما المدن تحترق والمستقبل يدمر».

كانت فرصة ضائعة كبرى، فاليوم اختفى اللؤلؤ، ودُمّر البحر، وشحّت الأسماك، وانتشر التلوث، والسرطان أصبح وباءً منتشراً بسبب الحروب، والبترول انهارت أسعاره وأوشك على النضوب. وبقينا نتباهى بالأمور الفارغة، كأعلى مبنى، وأضخم مجمّع، وأفضل فريق كرة، و»خرابيط مرابيط» كما قال.

فخرو لم يهمل العامل الخارجي، فضغط العولمة دفعت إلى تبني الخصخصة، حتى في الصحة والتعليم، بينما كانت هذه البلدان بحاجةٍ إلى تحولات أساسية، من «قانون السلطة» إلى «سلطة القانون»؛ حيث لا يمكن تنفيذ التنمية من دون قضاء نزيه، وإعلام محترم متوازن، أما الإعلام الكاذب فشغلته تمجيد الفشل وتزيينه وغشّ الجمهور. كما أنه لا تنمية مع الفساد، ودون توزيع عادل للثروة، ودون تخلص من النمط الاستهلاكي النهم الذي ابتليت به مجتمعاتنا الخليجية.

إن الأرض العربية غريبةٌ فواجعها فعلاً، فنحن أمة غير قادرة على حل مشاكلها في الاقتصاد والسياسة، وأصبحنا دولاً مستباحة للنفوذ الأجنبي، منساقة للتخلف الديني الظلامي الدموي، تقف أمام أزماتها الكبرى تتفرّج. وإذا أرادت أن تحلها فبالطريقة الكارثية التي نشاهدها في سورية والعراق واليمن وليبيا، حيث تجري عملية التدمير الذاتي العظيم.

لقد توافرت لدى دول الخليج ثروة خيالية تُحسب بالتريليونات، (5-6 تريليونات في الفترة 1990- 2010)، ذهب 20 في المئة منها للإنفاق العسكري. وكان الحديث يومها عن بناء اقتصاد إنتاجي معرفي وليس ريعي، وكانت الأعين تتجه إلى نموذج النرويج، التي نزلت عليها ثروة نفطية مثلنا، لكنها قرّرت ألا يذهب ريعها للموازنة العامة، بل وجّهتها إلى مزيد من العمل الإنتاجي والاقتصاد المعرفي، لتنتج مزيداً من الثروات. أما نحن، فقد خسرنا مئات المليارات من الدولارات؛ بسبب الهزة الاقتصادية التي تعرضت لها أوروبا في العام 2008، حيث كنا نودع فوائضنا المالية، بينما كان ممكناً أن نستثمرها في مصر والمغرب والسودان واليمن، فنفيد ونستفيد.

«ضياع الفرصة غصة» كما قال الإمام علي (ع)... فكيف إذا كان ضياع مستقبل أمةٍ بأسرها؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 4902 - الأحد 07 فبراير 2016م الموافق 28 ربيع الثاني 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 8:16 ص

      مشكلة الاقتصاد هي مشكلة إدارة المال والثروة و بالمختصر وبحسب ما ذكر في المقال نحتاج إلى تطوير التعليم و الأعلام الحر وما إلى ذلك .. سوء الإدارة يعني سوء ...

    • زائر 7 | 3:38 ص

      هذه قصة التنمية باختصار:::: كانت فرصة ضائعة كبرى، فاليوم اختفى اللؤلؤ، ودُمّر البحر، وشحّت الأسماك، وانتشر التلوث، والسرطان أصبح وباءً منتشراً بسبب الحروب، والبترول انهارت أسعاره وأوشك على النضوب. وبقينا نتباهى بالأمور الفارغة، كأعلى مبنى، وأضخم مجمّع، وأفضل فريق كرة، و»خرابيط مرابيط» كما قال.

    • زائر 6 | 2:13 ص

      الفشل

      الفشل ف الاقتصاد أو السياسة لا يعد عيب ولكن حينما يصبخ ذلك الفشل بصبغة لا تبين الخطأ ومن ثم الإصلاح الاقتصادية أو السياسية من هنا يستمر الفشل والضياع إلى ما إليه نهاية لوجود فئة من الناس تمجد الفشل والسقوط بهدف التشويش والتزلف بطريقة غير مشروعة.

    • زائر 5 | 2:13 ص

      ليش ما عندنا اقتصاد انتاجي ؟ في وموجود اقتصاد ينتج لنا المشاكل الاقتصادية ويفاقمها وعندنا هم بعض وضع سياسي يزيد الطين بلّة

    • زائر 4 | 1:46 ص

      أكو جابوا شعب بديل

    • زائر 3 | 1:33 ص

      ومن قال لك ما عندنا اقتصاد انتاجي بديل!!! اكو عندنا تجنيس شعوب جديدة وهذا يعدّ انتاج لشعب جديد عجيب

    • زائر 2 | 12:33 ص

      الكاسر

      سيدنا هل هناك وزير او قائد يهمة مستقبل الوطن
      الكل يقول نفسي نفسي بغتنام الغنائم

    • زائر 1 | 12:16 ص

      خسارة

      احد المشاكل التي نعيشها اننا لا نقر بالفشل ونتعلم منه

اقرأ ايضاً