العدد 4917 - الإثنين 22 فبراير 2016م الموافق 14 جمادى الأولى 1437هـ

لِيش في «استعداد للحياة المقبلة»... الاغتراب وموهبة الحروب في التشويه

أتيكوس ليش
أتيكوس ليش

الوسط - المحرر الثقافي 

تحديث: 12 مايو 2017

في الاغتراب... الهوية... الأقليات... الاحباط... الحروب التي تملك موهبتها القادرة على تشويه نفسية الإنسان قبل أن تمتد إلى تشويه ملامحه الخارجية، موضوعات الحب نجدها أيضاً في رواية الأميركي أتيكوس لِيش «استعداد للحياة المقبلة». «ربما تكون أفضل وأكثر قصة حب غير عاطفية تمَّت كتابتها في العقد الجديد»، بحسب مراجعة جستين كارترايت، في صحيفة «الغارديان» يوم الأحد (14 فبراير 2016)، نورد جانباً منها.

الروائي الأميركي أتيكوس لِيش، هو نجل الكاتب المعروف، غوردون لِيش، الذي أنجز عدداً من الكتب المُذهلة، كما أنجز رواية رائعة تناول فيها الطبقة المسحوقة التي تم تجاهلها في أميركا. روايته «استعداد للحياة المقبلة» حول قصة حبٍّ لا تخلو من خيبات بين الجندي الذي تم استدعاؤه ثلاث مرات للخدمة في العراق، ويُعاني الإجهاد الشديد، براد سكينر، وبين المهاجرة غير الشرعية «زو لي»، التي كانت تعاني هي الأخرى من حال انهيار بسبب الاستعباد الذي تمرُّ به جرَّاء عملها في مطاعم ومتاجر صينية. كانت تحت رحمة أصحاب العمل بشكل دائم، وعرْضة للاعتقال. ما عمَّق من معاناتها أكثر، وأسهم في صعوبة حياتها، أنها تنتمي إلى أقلية الأويغور المُسلمة التي تنحدر أساساً من تركيا، وهي أقلية مكروهة من قبل الصينيين.

تشكِّل أقلية الأويغور واحدة من 56 عرقية في جمهورية الصين الشعبية، وتتركَّز في منطقة تركستان الشرقية ذاتية الحكم، والتي تعرف باسم شينجيانغ أيضاً، كما يتواجد بعض شعوب تلك الأقلية في بعض مناطق جنوب وسط الصين.

التشويه النفسي

انتهى المطاف بالاثنين إلى كوينز بنيويورك، حيث التقيا. هذه هي بداية قصة مليئة بالقلق تتناول العلاقة بينهما. سكينر ليس رجلاً شرِّيراً، لكنه مُشوَّه - بالمعنيين اللذين تحملهما الكلمة - من خلال التجربة التي خاضها في العراق. (التشويه النفسي الذي تركته الحرب كان أكثر عمقاً) وجد أنه من الصعب أن يتمسَّك بعمل ما، أدَّت به ظروف الحرب في العراق، تلك التي عاشها، إلى أن يصبح ذو طبْع سيء وغير جدير بالثقة، فهو مُدمن على الكحول وضحية لماضيه. يخبِّئ مسدسه من نوع «بيريتا» في الجزء السفلي من غرفته المُستأجرة، فيما أنت كقارئ ينتابُك خوف من أنه على وشك استخدامه عاجلاً أو آجلاً. مثل تلك الصورة بمثابة نذير يقود إلى تداعيات أحداث القصة بدءاً من الصفحة الأولى.

خاض كل من سكينر وزو لي تجربة السجن. يظل سكينر حاملاً في طياته إمكانية الزواج منها؛ ما قد يتيح لها العيش بشكل قانوني في البلاد. علاقة الحب التي تجمعهما حقيقية ولا لبْس فيها، وأصبحت مثار قلق وإزعاج مع تسارع حال الانتكاس التي يمر بها سكينر؛ كلما ترك زو لي وحدها تبذل محاولات يائسة في سبيل تعديِل وضعها القانوني في البلد. هنالك شخصيات كافكاوية/ مأساوية درامية لمحامين منحرفين، ومسئولين ممن لا مكاسب سيجنونها من محنة الاثنين، ورجال الشرطة يرون أن عملهم يتحدَّد في عرقلة إجراءات العدالة بالنسبة إلى أولئك الذين يحتاجون إلى أي نوع من المساعدة. يبدو لِيش قاسياً على الصينيين الذين ينكبُّون على جمع المال ودفع أدنى معدَّلات الرواتب الممكنة للأشخاص ضعفاء الحال مثل زو لي.

هذا هو العالم الذي أشكُّ في أن أيَّ كاتب عمل على استكشافه في لحظة ما، والذي من خلاله يتم سرد التفاصيل: «بطرْقها على الأبواب الصلبة والمُوصدة، استطاعت الحصول على وظيفة تقضي فيها ثماني ساعات يومياً، ولعله أفضل مال استطاعت تحقيقه في أي وقت مضى: 9 دولارات للساعة تُخصم منها الضرائب.

في تقصِّي الطبقة العاملة

يبدو أن لِيش قد جاب كل شارع وكل زقاق وكل ممرٍّ، وجاب طرقاً للوقوف على المهن الصغيرة التي تقع على بعد أميال. كان لديه اهتمام خاص أيضاً بالطعام الصيني. تلتقط أذنه كل ما تقوله وتتداوله الطبقة العاملة، وملمٌّ باللغة العسكرية في جانبها المُدمِّر (جاء إلى الكتابة بعد فترة من العمل في البحرية وبعد عمله كمترجم من الصينية)، لديه قدرة على التقاط صور وتفاصيل الحياة في العالم السفلي؛ إذ تأتي مُبتكرة ومثيرة للقلق.

كفاح الاثنين في سبيل الانخراط في الحياة والتيار الأميركي مفجع في كثير من صوره وتفاصيله.

ضوء

يُذكر أن الروائي الأميركي أتيكوس لِيش، من مواليد العام 1972. تعدُّ الرواية موضوع المراجعة «استعداد للحياة المقبلة» عمله الروائي الأول، وصدرت عن «نيويورك: تيرانت» في العام 2014. فاز بعدد من الجوائز من بينها «جائزة القلم/ فولكنر» للرواية. يعيش في سنسيت بارك في بروكلين مع زوجته.

غلاف «استعداد للحياة المقبلة»
غلاف «استعداد للحياة المقبلة»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً