العدد 4919 - الأربعاء 24 فبراير 2016م الموافق 16 جمادى الأولى 1437هـ

"رسالة مواطن": أيهما أشد وطأة... السرقة المادية أم سرقة المشاعر من لصوص لا يحدهم حدود الأدب

لا أود الحديث عن السرقة المادية، سواء سرقة مال أو حق أدبي أو حتى سرقة الأفكار والأسماء.

السرقة التي صرنا نعاني منها أكثر من السرقة التقليدية هي سرقة المشاعر الطيبة بكل أنواعها، هناك من يسرق منك شعورك بالسكينة بأن يوحي لك بأنك في خطر مُحتمل أو مُحدق، هناك من يسرق منك الثقة بالناس عندما يدّعي أن صاحبك تحدّث عنك بما يشين أو ذكرك بما تكره، البعض يسرق منك شعورك بالسعادة حينما ينقل لك إشاعة أو خبراً سيئاً ربما كان غير صحيح وربما كان بإمكانه تأجيله ليموت الخبر من تلقاء نفسه قبل أن يصل لمسامعك، وهناك من يسرق منك راحة البال بتشكيكك في أهلك أو زملائك في العمل أو حتى بمديرك، وتكثر هذه الأيام الإشاعات والأخبار حول ضرر وأذى بعض الأطعمة؛ ما يحرمك من محبة ولذة كنت ترفّه بها نفسك أحياناً.

ربما في بعض الأحيان يكون هؤلاء اللصوص أشدّ وطأةً على النفس، لأنهم يقومون بسرقة شيء قد لا يمكنك استعادته منهم وهم إذ ذاك أيضاً لا يشعرون بحرج أو تأنيب ضمير. هذه السرقة قد لا تكلفك مالاً أو جهداً، ولكنها تكلّفك تعباً روحياً وارتباكاً وشعوراً بالقلق وضياع السكينة.

يقول رجاء النقاش إن تولستوي أنشأ لنفسه ما أسماه "الحراسة الخاصة على الحياة" وهي أن لا يسمح لأحد "اللصوص" أن يدخل إلى نفسه فيسرق منه وقتاً أو شعوراً جميلاً أو فكرة عميقة، ويضيف، وهو لا يسمح لجانب من جوانب حياته إن يصدأ أو يتعفن بل هو "يكنس" نفسه وينظفها دائماً ويرتبها كل لحظة، ثم يعمل على أن يملأها بالأفكار العميقة النبيلة، والمشاعر الإنسانية الصافية، والسلوك النقي الرفيع. (انتهى كلام رجاء النقاش).

أعرف الكثيرين يعيشون حالة دائمة من القلق والتحفّز والترقب والعدو أحياناً بلا طائل، ويحضرني هنا قول الإمام علي (عليه السلام): "الناس من خوف الذل في ذل ومن خوف الفقر في فقر"، وقد رافقت زميل عمل ظلّ يدخر المال ويقتّر على نفسه أملاً في أن يستمتع بذلك المال فيما بعد، ولكن الـ "فيما بعد" لم تأتِ، فقد توفي صاحبنا وترك المال ومتع الدنيا وراءَه وهو إذ ذاك "عاش عيشة الفقراء ليحاسب في الآخرة حساب الأغنياء"، كما ورد في كلام الإمام علي (ع) في وصف البخيل.

كما أن هناك بعض المشاعر السلبية التي تتغلغل في القلب تساهم أيضاً في تكدير راحة المرء والتشويش على شعوره بالطمأنينة والرضا وراحة البال، وليس هناك أوضح من الشعور بالحسد والغيرة التي تنغّص على المرء حياته فتجعله في ترقب وانتظار أن تزول نعمة المحسود، حتى أنه يروى عن رجل كان يحسد جاره حسداً شديداً فما كان منه إلا أن أمر خادمه أن يقوم بذبحه فوق سطح منزل جاره حتى يُتّهم ذلك الجار بقتله! وقد قام الخادم فعلاً بذبح سيدّه لأنه أصرّ عليه ومنحه حريته مقابل ذلك.

عودٌ على بدء، فإن هناك من المأثورات ما تقول لك أن تصمّ أذنك عن المغتاب والنمّام لأنك حتى لو لم يكن الأمر يهمّك في شيء فإنه لابد يترك في نفسك أثراً تفقد على إثره شعوراً طيباً أو نبيلاً أو حتى مُحايداً!

جابر علي





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً