العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ

بين سار والهملة: «ثقب» مهملة تحكي حضارة «المزارع البسيط» قبل ألفي عام

قناة طمرت وأخرى تنتظر... ودعوات لإنشاء «متحف الماء»

البناء الداخلي لـ «ثقب» سار
البناء الداخلي لـ «ثقب» سار

سار، المرخ، القرية، الهملة - محمد العلوي 

26 فبراير 2016

في مواقع متعددة من قرى مملكة البحرين، لاتزال البقية الباقية من الثقب، صامدة في وجه الإهمال والتعديات التي طالت سوادها الأعظم.

فمن سار، للمرخ، فالقرية، والهملة، كانت «الوسط» تتفقد آثار «حضارة الماء»، كما يحبذ الحديث عنها الباحث حسين الجمري، والذي ظل مرافقاً ومرشداً للجولة التي امتدت لأكثر من ساعتين، مشدداً خلالها على أهمية المسارعة لإنقاذ الموقع الذي يقع بين قريتي سار والقرية، والذي لايزال محتفظاً بمعالم وملامح الثقب.

ويقترح الجمري، تحويل موقع القناة التي كان طولها يتجاوز الكيلومترين قبل أن يتقلص لبضعة أمتار، أنموذجاً للثقب التي تعود بعمرها الزمني لأكثر من ألفي عام كما ترجح النظريات، معقباً على ذلك بالقول «لو تم إعادة ترميم هذا الموقع وصولاً لإنشاء متحف الماء، فإن البحرين ستكسب موقعاً أثرياً إضافياً وبالغ الأهمية».

بداية الجولة كانت في المنطقة القريبة من سينما سار، تحديداً في الجانب الآخر من الشارع، والذي يختزن موقعاً أثرياً، كما تؤكد على ذلك اللوحة التابعة لهيئة البحرين للثقافة والآثار، والتي أسهمت جزئياً في حماية الموقع من الاندثار، دون أن تكون مانعاً لتعديات طالت الموقع، تمثلت في ردم بعض الفتحات بالأسمنت، وقطع امتداده بالعمران الحديث.

يعلق على ذلك الجمري بالقول «البحرين كانت عامرة بهذه القنوات والتي تعرف محلياً بالثقب أو «التناقيب»، لكن غالبيتها اليوم اندثر، ليتبقى عدد بسيط من بينها هذا الموقع الذي لايزال يحتفظ بملامحه رغم التعديات المتعددة عليه».

وبحسب حديث الجمري، فإن البحرينيين القدماء كانوا يستخدمون هذه القنوات، في عدة أغراض، من بينها ري المزارع والشرب، والسباحة والغسيل عبر ما يعرف بالحمامات، حتى يتم تفريغ الفائض في البحر وقبل ذلك في ساب يعرف بـ «المنجة»، أي ينجي الأرض من الغرق.

وتشير المعاينة المباشرة للقناة أو «الثقبة»، إلى عمق يتجاوز المترين وعرض لا يزيد على المتر الواحد يمكن للإنسان التجول بداخلها بأريحية، مبنية بعد حفرها، بالحجارة، فيما يظهر باطنها الصخور الصماء التي قهرها البحرينيون قبل ألفي عام.

وعلى امتداد القناة، تتواجد الحفر دائرية الشكل، والتي يستخدمها البحرينيون للدخول للقناة لسحب الماء أو لصيانتها، وهي في العادة تكون مبنية بالحجارة بهيئة تحاكي بناء الآبار.

مشهد القناة من الداخل، بدا لوحده حكاية مستقلة، حيث الحفر العميق في الصخور، بما يجدد السؤال عن الكيفية والأدوات المستعملة في إنجاز المهمة.

الجمري، وبلغة امتزج فيها الذهول بالفخر، حاول وصف ما أنجزه الأجداد بالقول «نحن أمام دليل دامغ على حضارة عظيمة كانت مزدهرة هنا في البحرين، عصب الحياة فيها هو الماء والزراعة، وكل ذلك يؤكد أن هذه المنطقة لم تكن مجرد منطقة قروية قائمة على مجموعة من المزارعين البسطاء، فمن المستحيل أن يبني مزارع بسيط نظاماً معقداً كما هو الحال عليه في القنوات». وإيضاحاً لحديثه عن عمر القنوات الزمني، قال الجمري «إذا انطلقنا من النظريات فإن نظام مائي بهذا الحجم، يدل على وجود نسبة استيطان كبيرة في المنطقة، ومن المهم ربط ذلك بمراحل التوسعة في الاستيطان في البحرين، والتي تعتبر فترات توسع معروفة، كما إن جميع من عمل على تحديد تاريخ هذه القنوات سواء في شرق الجزيرة العربية أو في البحرين، أو حتى في الإمارات وعمان، وضعوا لها تاريخاً يعود ببنائها للفترة الهلنستية، والتي تعود لما قبل الإسلام وقبل الميلاد»، مضيفاً «لكن الغالبية العظمى من الباحثين رجحوا فترة السيطرة الساسانية (فترة السيطرة الفارسية)، وذلك بسبب أن الفرس كانوا يعملون أينما حلوا على تطوير هذه القنوات».

وتابع «مجدداً نشير إلى أننا نتحدث عن افتراضات، وإذا جئنا للآثار في البحرين، فسنجد أن الآثار الموجودة في الفترة الساسانية، لم تشهد توسعاً سكانياً، حتى أن الآثار الخاصة بتلك الفترة قليلة جداً، وهذا بدوره يعني أن هنالك تعارضاً بين هذه الفرضية وبين المعطيات»، مرجحاً أقرب فترة لبناء هذه القنوات بفترة التوسع ما قبل الميلاد، والتي هي في نفس الفترة الهلنستية التي سبقت الفترة الساسانية (تعود هذه الأخيرة للقرن الخامس الميلادي أي قبل 1500 سنة).

وأردف «يدعم الفرضية كذلك، العمر الزمني لبناء نظام الأفلاج في كل من عمان والإمارات، والمحدد بـ 700 إلى 800 قبل الميلاد، وهذا يعني عمر يقارب الـ 2800 سنة، وإذا ما أخذنا في الحسبان القرب الجغرافي للبحرين من هذين البلدين، فسنصل لفرضية ترجح انتقال التجربة تماماً كما تنتقل الثقافات».

الجمري، توقف بعد حديثه هذا، ليشدد على الحاجة لدراسة جميع هذه الفرضيات، من أجل الاستقرار على التاريخ الزمني لبناء «الثقب» في البحرين، مبيناً في الوقت ذاته أن البناء على هيئته الحالية، مر بمراحل شهدت تطويراً، وخاصة في فترة الدولة العيونية (القرن الثاني عشر الميلادي)، على اعتبار أن هذه الدولة اهتمت بالزراعة ما أدى لازدهار أنتج استيطاناً كبيراً في البحرين، ولتستمر غالبية هذه القنوات، عامرة إلى قبل 50 سنة من اليوم.

وأضاف «لدينا في البحرين نوعان من العيون، الأول ويتمثل في قيام ينبوع العين بالصب مباشرة في هذه القنوات، دون أن يتم بناء عين عليها كما هو متعارف عليه في العيون المشهورة كعين عذاري وغيرها، ومثال على ذلك عين أبوعليوه في قرية المرخ التي تم بناء غرف عليها تحت الأرض، ومثلها عيون أخرى لم يتم توثيقها»، وتابع «هذا الأمر متبع هنا على خلاف ما هو موجود في الساحل الغربي، من بين ذلك صدد وداركليب، حيث تتواجد عينا الحكيم واصخارة».

وتوصيفاً لقناة سار، يقول الجمري «نبع هذه القناة يتواجد ما بين قريتي سار والمرخ، من هناك يبدأ، موازياً لعين أبوعليوه»، مضيفاً «نحن أمام خطين، الأول يخرج من عين أبوعليوه ممتداً لعدة مناطق من بينها المرخ، بني جمرة، القرية، ومن هذه الأخيرة يخرج بعد أن يقطع المنطقة بأكملها، متجهاً لمنطقة الجنبية، ليصب في البحر».

وتابع «الخط الثاني هو خط هذه القناة، والتي هي في المنطقة المتاخمة لقرية القرية، حيث يسير بصورة موازية للخط الأول، متفرعاً لفرعين، الأول يصب في البحر عبر الجنبية، والثاني يتجه منحنياً للجسرة».

ومن سار، كانت البوصلة تؤشر ناحية المرخ والقرية، القريتان اللتان تحتفظان بإرث بارز، يتصدره عين أبوعليوه المحصورة داخل الأملاك الخاصة، والقنوات التي اكتشفت صدفة بفعل أعمال الحفريات.

وإلى الهملة، حطت «الوسط» رحالها، تحديداً بمحاذاة شارع غازي القصيبي الذي يتموضع بين قريتي الهملة والجسرة. هناك كانت المعاينة تفصح عن الأضرار الفادحة التي لحقت بالقناة الممتدة على طول الشارع والتي تم طمرها تارةً لبناء شبكة تصريف مياه الصرف الصحي، وأخرى لتعبيد شوارع الفلل والمساكن القريبة، دون أن ينجح كل ذلك في إخفاء بعض الآثار التي تحيط بها الأسلاك الشائكة.

وبين سار والهملة، تتصاعد المطالبات لهيئة البحرين للثقافة والآثار، داعيةً إياها للبدء في إنقاذ وحماية قناة سار، وذلك عبر تسويرها تمهيداً لترميم يحول دون طمر ما تبقى من أثر لها، مصحوباً ذلك بتحذيرات من أن ضياع ما تبقى من قنوات، سيعني ضياعاً لكَمٍّ كبير من الذاكرة الشعبية المرتبطة بالمصطلحات والحكايات، ولمعلومات مهمة جداً تتعلق بحضارات تعاقبت على البحرين.

أثناء معاينة «ثقب» سار - تصوير : عيسى إبراهيم
أثناء معاينة «ثقب» سار - تصوير : عيسى إبراهيم

العدد 4921 - الجمعة 26 فبراير 2016م الموافق 18 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:33 ص

      حرام تضيع

    • زائر 4 | 2:54 ص

      من

      من لاينتمي لدلمون لاتهمه لاتراث البلد ولاهذه الاشياﺀ فطمس الهويه قائمه على ساق وقدم

    • زائر 2 | 10:16 م

      فعلاً

      كانت هذه موجوده في الهملة ع امتداد الطريق ""أتذكر اني كنت أخاف الاقتراب منها لظلمتها اوكانت واضحة المعالم حتى نهاية الثمانينات ""للتو فقط غابت عنا

    • زائر 1 | 9:48 م

      يا علي وش طووله المقال

اقرأ ايضاً