العدد 4928 - الجمعة 04 مارس 2016م الموافق 25 جمادى الأولى 1437هـ

صنقور: معالجة الأزمة لا يتم دون التنفيس من حالة الاحتقان والعمل على ردم الهوة وإعادة الثقة

الشيخ محمد صنقور
الشيخ محمد صنقور

قال الشيخ محمد صنقور في خطبته بجامع الإمام الصادق في الدراز أمس الجمعة (4 مارس/ آذار 2016): «إن معالجةِ الأزمةِ لا يتمُّ دون التنفيسِ من حالةِ الاحتقانِ والعملِ على ردمِ الهُوةِ وإعادة الثقة، ولنا تجربةٌ قريبةٌ يُمكنُ توظيفُها في إعادة الثقةِ أعني ميثاقَ العملِ الوطنيَّ الذي لم يكنْ ليحظى بتلك النسبةِ غيرِ المسبوقةِ لولا استعادةُ الثقةِ والحِرصُ على الخروجِ من تلك الأزمةِ».

وبدأ صنقور خطبته بقوله تعالى: (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى، وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وقال: «مؤدَّى هذه الآيةِ المباركةِ من سورةِ المائدةِ هو أنَّه حينَ تكونُ خُصومةٌ بين جهةٍ وأخرى فإنَّ ثمة قِيَماً وأُصولاً أخلاقيَّةً تجبُ الرِعايةُ لها مع الخُصومِ، هذه القيمُ وهذه الأصولُ أجملَها القرآنُ الكريمُ في هذه الآيةِ بقوله: (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) فالعدلُ والإنصافُ هو الجامعُ لمنظومةِ القِيَمِ التي تَجبُ الرِعايةُ لها مع الخُصومِ بل ومع الأعداءِ».

وأضاف «مفادُ الآيةِ المباركةِ هو النهيُ عن أنْ تَحملَك الخصومةُ ويدفعَ بك الغَيظُ من خُصومِك إلى أنْ تتعاملَ معهم بغيرِ العدلِ والإنصافِ، فالخُصومةُ كنتَ محقّاً فيها أو غيرَ محقٍّ لا تُبرِّرُ الحيفَ والاعتسافَ والخروجَ عن سمتِ العدلِ والإنصافِ، فإنَّ لك أنْ تحتفظَ بخُصومتِك إلى أنْ تجدَ مخرجاً منها يَروقُ لك ويَروقُ لخَصمِك، ولكنَّه ليس من التعقُّلِ والرُشدِ ولا مِن تقوى اللهِ تعالى أنْ تُمعِنَ في الخصومةِ وأنْ تَتجاوزَ فيها القيمَ والأصولَ التي حضَّ عليها الشرعُ الحنيفُ وتمثَّلها العقلاءُ في خُصوماتِهم، وخصوصاً حينَ تكونُ الخُصومةُ بين الشعوبِ وحكوماتِها أو بين مُكوِّنينِ من مجتمعٍ واحدٍ واقعَيْنِ في إطارِ دولةٍ واحدةٍ، فإنَّ مثلَ هذه الخُصوماتِ لا يُرادُ لها البقاءُ والاستمرارُ، ولا يَصلُحُ لها البقاءُ والاستمرارُ، مثلُ هذه الخُصوماتِ يتحتَّمُ العملُ على معالجتِها بما يُفضي إلى اجتثاثِها من جذورِها وذلك بالقضاءِ على أسبابِها وليس العملُ على الإمعانِ والإيغالِ فيها وتحويلِها إلى مأزقٍ لا بابَ له ولا نافذة».

وأوضح صنقور أن «أطرافَ الخُصومةِ حينَ لا يجدونَ حلاً في وقتٍ فإنَّهم سيجدونَ فضاءً واسعاً يُؤهِّلُهم للاحتفاظِ بسقفِ الخصومةِ التي نشبتْ بينهم إذا لم يتجاوزْ كلٌّ منهما أو أحدُهما حدودَ القيمِ والأصولِ التي يتعيَّنُ الرعايةُ لها في ظرفِ الخُصومةِ، حينذاك تظلُّ الخصومةُ كما هي دونَ أن تتورَّمَ أو تتضخَّم، ويتمحَّضُ النظرُ حين البحثِ عن علاجِها في ملاحظةِ أسبابِ نشوئِها وطريقِ الخروجِ منها وكيفيةِ التوافقِ على حلحلتِها وتفكيكِها، أما حينَ يتجاوزُ أحدُ أطرافِ النزاع والخصومةِ أو كلاهما حدودَ القِيمِ والأصولِ فإنَّ الخصومةَ تُصبحُ مثقلةً بتلك التجاوزاتِ فيَعسُرُ حينذاكَ علاجُها، ذلك لأنَّ التجاوزاتِ تُحدِثُ شُروخاً عميقةً في النفوسِ يَصعبُ رأبُها والتعافي منها، فالازدراءُ بالخصومِ وامتهانُهم والتوهينُ لهم أو التنكيلُ بهم أو التجنِّي عليهم وتصنيفُهم ضمنَ دائرةٍ ليسوا منها أو الإصغاءُ للمحرِّضينَ عليهم، كلُّ ذلك ومثلِه يُسهمُ في التأزيمِ والتوسيعِ من دائرةِ الخصومةِ والحالُ أنَّ مقتضى الحكمةِ والرُشدِ هو العملُ على تحجيمِها».

وذكر صنقور أنَّ «الخصومةَ حينَ تكونُ بين طرفينِ ليستْ بينهما قواسمُ مشتركةٌ وليسا مضطرَّينِ للتعايشِ فإنَّه وإنْ كان يحسُنُ منهما المبادرةُ إلى التصالحِ وفضِّ تلك الخصومةِ لكنَّ امتدادَ أمدِها بينهما يُمكنُ تفهُّمُه وتظلُّ آثارُه محدودةً، أما حينَ تكونُ الخصومةُ بين مكوِّنينِ رئيسينِ أو بينَ مكوِّنٍ وازنٍ والحكومةِ التي ترعى بلادَه، فلأنَّ التعايشَ بين طرفي الخصومةِ ضروريٌّ في هذا الفرضِ والقواسمُ المشتركةُ كثيرةٌ وكبيرةٌ يُمكنُ البناءُ عليها، لذلك فإنَّ التعقُّلَ يُحتِّمُ على الطرفينِ العملَ بكلِّ وسيلةٍ من أجلِ إنهاءِ هذه الخصومةِ وضمانِ عدمِ العودةِ إليها فيما يُستقبلُ من زمانٍ، وذلك لا يُتاحُ حينَ يتمُّ التجاوزُ لقيمِ الاختلافِ، فعلاجُ الأزماتِ يبدأُ بمحاصرتِها ووضعِها في سياقِها والتعاطي معها كما هي دونَ مزايداتٍ ثم العملُ على التحجيمِ من أثرِها والحِرصُ الشديدُ على التقليلِ من تداعياتِها وتبعاتِها. وذلك إنَّما يتمُّ بالرِعايةِ الكاملةِ للقيمِ وأصولِ الأخلاقِ المرعيةِ في ظرفِ الخصوماتِ، فذلك وحدَه الطريقُ لتطويقِ أيِّ أزمةٍ والمنعِ من تفاقمِها وامتدادِ أمدِها والذي لا يُثمرُ سوى التعقيدِ لمعالجتِها».

وشدد صنقور على أن «اعتمادَ المِهنيَّةِ في توصيفِ الأزمةِ بعيداً عن التهويلِ والتخويفِ والمُزايدةِ، واعتمادَ المِهنيَّةِ في توصيفِ أطرافِ الأزمةِ بعيداً عن التشهيرِ والتشويهِ والتصنيفِ، واعتمادَ المِهنيَّةِ في الممارساتِ والمواقفِ التي يتَّخذُها أطرافُ الأزمةِ بعيداً عن كلِّ ما يُسهمُ في التعقيدِ والمزيدِ من التأزيمِ، كلُّ ذلك يُمهِّدُ لمعالجةِ أيِّ أزمةٍ يحرِصُ أطرافُها على معالجتِها، هذا مضافاً إلى المحاذرةِ من الوقوعِ تحتَ تأثيرِ سوءِِ الظنِّ والمشاعرِ المُتشنِّجةِ والتي يُغذِّيها المسكونونَ بالعُقَدِ والعاهاتِ النفسيَّةِ أو الذين لا تَشغلُهم مصلحةُ الوطنِ، وكذلك فإنَّ الأناةَ وسعةَ الصدرِ وعدمَ الانسياقِ مع دواعي الغيظِ والغضبِ وروحِ التشفِّي والانتقامِ، وكذلك فإنَّ اعتمادَ الموضوعيَّةِ وإنصافَ الخصمِ وتفهُّمَ ظروفِه وحاجاتِه التي دفعتْه للخصومةِ والرِعايةَ لحقوقِه وعدمَ المحاكمةِ للنوايا والتتبُّعِ للأخطاءِ والسقَطاتِ والاصطيادِ في الماءِ الآسنِ، كلُّ ذلك ومثلِه حين يتمُّ اعتمادُه والالتزامُ به فإنَّه يُثمرُ بقاءَ الخصومةِ محتفظةً بحجمِها دون أنْ تتضخمَ أو تنحرفَ عن مسارِها بل يكونُ الالتزامُ بأخلاقيَّاتِ الخلافِ باعثاً ومشجِّعاً على الدخول في عمليَّةِ المعالجةِ للأزمة والجدِّيةِ في الخروج منها».

وواصل صنقور «حين يتَّجهُ المسارُ نحو معالجةِ الأزمةِ يتعيَّنُ بعد مراقبةِ اللهِ تعالى الاستحضارُ لضرورةِ التعايشِ وأنَّ أطرافَ الخصومةِ قدرُهم أنْ يتعايشوا، وأنَّه لا سبيلَ إلى إلغاءِ كلٍّ للآخر، وأنَّ ثمة مشتركاتٍ يُمكنُ البناءُ عليها، وأنَّ العلاجَ لا يتمُّ دون التنفيسِ من حالةِ الاحتقانِ والعملِ على ردمِ الهُوةِ وإعادة الثقة، ولنا تجربةٌ قريبةٌ يُمكنُ توظيفُها في إعادة الثقةِ أعني ميثاقَ العملِ الوطنيَّ الذي لم يكنْ ليحظى بتلك النسبةِ غيرِ المسبوقةِ لولا استعادةُ الثقةِ والحِرصُ على الخروجِ من تلك الأزمةِ».

العدد 4928 - الجمعة 04 مارس 2016م الموافق 25 جمادى الأولى 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:54 ص

      سبحان الله لم نرضى في الماضي ونحن في خارج البلاد ...... وتم التحفظ عليه كما تم الطعن في حنكة فضيلة الشيخ عبد الأمير الجمري رحمه الله وعندما عدنا أستأنسنا بمن يهمهم الأمر وصدقناهم بإلغاء تجربة ماضية قريبة وعندما افقنا من نومنا عملنا كل شيئ نستطيع فعله بسبب حسن الظن بندنا حتى جعلنه يكرهنا بعدما تقرب إلينا لدرجة لم نحلم بها وبعد أن ضيق علينا لحد الإختناق أصبحنا نطالب بإزالة الجدار العازل بيننا وبينهم لنعود كما كنا لنلبس لباس الأفاعي جميل المنظر وفي الداخل السم القاتل...(هذا هم علمائنا الأفاضل)

    • زائر 1 | 10:25 م

      يا ليت قومي يفقهون

      كلام من ذهب لكن هل يسعى المعنيون فعلاً إلى العمل على معالجة الأزمة؟ هل يريدون ذلك أصلاً؟
      لا أعتقد، كل المؤشرات تدل على رغبة في التصعيد واستثمار الوضع الأقليمي في مزيد من قمع الحريات.
      يبقى أملنا في الله تعالى لحبنا وخوفنا على الوطن كله.

اقرأ ايضاً