العدد 4938 - الإثنين 14 مارس 2016م الموافق 05 جمادى الآخرة 1437هـ

بأكثر من شكْل... تحييد الذاكرة أحياناً... كل نصٍّ هو في شأن

«موطئ وطن... شهادات إبداعية في التجارب البحرينية»...

أمين صالح
أمين صالح

بصدور «موطئ وطن... شهادات إبداعية في التجارب البحرينية»، عن دار فراديس للنشر والتوزيع، في 252 صفحة من الحجم المتوسط، ضمن مشروع «وجود» النشط والفاعل، الذي أحدث حراكاً جميلاً لا يمكن تجاوزه أو تجاهل تأثيره، نحن أمام 26 شهادة/ اسماً في الساحة الإبداعية البحرينية، مع اختلاف نسبة الأثر والتأثير بين الأسماء تلك، لكنها تظل الشهادة الجماعية الأولى في تاريخ الأدب البحريني، وهي تضم ذلك التنوع والتعدُّد في أشكال وألوان وتناول الكتابات، من قصة ورواية ونقد ومقال وشعر. ما غاب عن الشهادات تلك هو الفن التشكيلي/ النحت، من دون أن ننسى المسرح، ومن بعده السينما/ التلفزيون! أقول: الشهادة الجماعية الأولى في تاريخ الأدب البحريني، وتتجاوز ذلك إلى الإقليم، والأهمية هنا ليست بالبدء في المشروع، لكنها ستكون حين تصبح مثل تلك الشهادات، أو بعضها - على أقل تقدير - موضع درس وفحص واشتغال على المستوى النقدي، وعلى المستوى البحثي (الدوائر الأكاديمية على ندرة جدِّيتها عندنا، هي الأخرى سيكون انتباهها لمثل تلك الشهادات بمثابة اكتشاف؛ إن حدث ذلك، وأظنه لن يحدث!!!)

أتت الشهادات بأكثر من شكْل... لم تكن الذاكرة دائماً هي الدليل في استحضار تلك الشهادات. ثمة من حيَّد الذاكرة في بعض تلك الشهادات. القارئ هناك في أكثرها. القارئ نفسه بين تلك الشهادات: كل نصٍّ هو في شأن. كل قارئ هو في شأن أيضاً؛ عدا شئون أصحاب الشهادات أنفسهم.

الفضاء الناقص

بعض الشهادات التي تضمّنها الإصدار ذهب في مساحات من المباشرة ليقيم جسراً يمكن العبور منه إلى فضاء التجربة. بعض ذهب بعيداً بحيث سيكون عصياً على من لم يقف على التجارب هنا أن يقف على مؤدَّى تلك الشهادة، وهي تشتغل على نصها الخاص، أو كأنها تستفتح كتابة مشروع في المقبل من الزمن. بعض قرأ الحال هنا في ظل تحولات وتطورات وتجاوزات، ولكنه لم يبتعد عن الشهادة تلك. من قال إن الكتابة عن الفضاء المنحرف يقصي الكتابة عن الشهادة تلك؟ هي في الصميم منها، أخذاً بالوضعية التي يجد الإنسان نفسه فيها «ناقصَ نص» في ظل فضاء بتلك السمات!

علينا هنا أن نُذكِّر فقط، ولا نجترح جديداً في هذا الشأن. لا تختلف تجربة الشهادة باختلاف الخبرات فحسب. اللافت والجديد في الشهادات هو في تجاوز الخبرات تلك. قد تكون الخبرات متماسَّة زمنياً؛ لكن القدرة على التعبير عنها... كتابتها، هي ما يُحدِّد اكتنازها بالقيمة؛ أو احتواءها على قيمة؛ أو تعاني فقراً من كل ذلك، وتكتفي بسرد يمكن إقامة حد بينه وبين الذاتي والإبداعي. يحدث ذلك كثيراً.

بعض من تلك التجارب ليس ضارباً في الحضور؛ ولكنه استطاع أن يتجاوز ذلك المعطى والقيمة، ربما بنوعية وعمق وإبداعية ما يقرأ: سبب واحد لا يكفي لاستخلاص تفسير هنا.

كريم رضي

في الشهادة التي قدَّمها الشاعر كريم رضي، ذلك التنويع والقفز من الذاتي إلى الجمعي. الجمعي هنا بتفاصيل تاريخ ومكان وقرية وانتقال من فضاء الورقة إلى الفضاء الالكتروني والقراءات. يقدِّم لك فيما يقدِّم: سحراً تتمنى ألاَّ تصحو من فتنته. يترك رضي لنفسه ترتيب ما تشاء من تلك التجربة. كأنه خارج سياق ذلك الترتيب. ربما لم يأتِ إليها متصنِّعاً. لم يأتِ بدافع الاستعراض.

يكفي أن نقف على ومضة من تلك الشهادة «لقد قضيت كل هذا العمر من التقلُّب بين العمود والتفعيلة والنثر والبكائيات والغنائيات لأدرك أن قصيدة تخلو من البساطة تخلو من كل شيء». وفي عطر الشعر يكتب «لطالما ألهمني بطل رواية (العطر) لباتريك زوسكيند جان باتيست غرونوي وهو يهرس ملايين الورود ليحصل على الخلاصة الشحيحة للعطر المركَّز وذلكم هو تحدِّي الشعر العظيم». وفي اعتقادي، تلك خلاصة سيرة إذا أريد لها أن تكون بتلك الوسامة والقيمة.

ثقافة الصورة... صناعة الهوية

قدَّم جعفر حمزة في شهادته تجربته في ثقافة الصورة... الخط العربي... صناعة الهوية وتمثيل الإبداع. الشهادة لم تخْلُ من مساحات بدت رمادية بالنسبة إلى كثير من القرَّاء الذين لا اهتمام يُذكر لديهم في المجالات التي يبدع فيها حمزة. كان يمكن لتلك الشهادة أن تنفتح أكثر على الاحتياجات المستجدَّة للإنسان... النظر إلى المفاهيم المرتبطة بتلك الاحتياجات، دون التوغُّل بعيداً في استحضار الفيزياء والرياضيات. شهادة تحوي جوانب كتلك ستجعل المنصت مدعاة للتبرُّم. ذهنية القرَّاء اليوم ليست رياضية. على الأقل الكثير منهم.

ورد في الشهادة تجربة حمزة مع الخط العربي «بما يمثِّل من هوية وتراث وقيمة، فخضت غمار تجربة غريبة وجريئة من نوعها، ذلك هو (ابتكار) خط جديد، له قواعده وهندسته الخاصة به»، يتحدث هنا عن الخط «الصعربي»، وبحسب تقديمه فهو «وليد تلك الصرعة الفكرية في تجاوز الحد، لصنع قالب جديد في الثقافة العربية من باب الفن فيه».

وضمن اهتماماته الأخرى، تعرج الشهادة إليها في الختام، من حيث الكتابة والإخراج والإنتاج على مستوى ثقافة الصورة «ما دامت حاضرة ولها الأثر».

الشعر والوعي بالوجود

الشاعر أحمد العجمي لا يذهب في شهادته التزاماً بتسلسل زمني. يقترب مما يشبه ذلك لكنه لا يكون أسيراً له. يجد نفسه متأملاً في الآليات التي من خلالها يمكن الخروج إلى العالم بنص مدهش. في الابتعاد عن ذلك التراتب مغزى كي لا ينشدَّ الإنسان إلى التسجيل. الشهادة ليست تسجيلاً بمعنى من معانيها الكبيرة. إنها النظر والرؤية والاكتشاف وإحصاء الخسارات، وتعداد الربح النادر، ولا ابتغاء ربح من وراء الكتابة بالمعنى الذي نعرف ونفهم.

يقف عند الشعر/ الموسيقى مكثِّفاً تلك الرؤية التي تقول الشهادة؛ أو هكذا رأيتها «إذا كانت الموسيقى تملأ الزمن، فالشعر يحقق الوعي بالوجود. فمن خلال اللغة وجمالياتها وسحريتها ومروناتها اللامنتهية تتعدَّد وتتنوَّع زوايا وأعماق الرؤية للوجود الذاتي والجمعي (...)».

«تنُّور الكتابة... مدن

يختلط السردي/ التسجيلي، ومصدر ذلك الذاكرة. الالتزام بحرفية الذاكرة لا يقدم شهادة تكون بالضرورة مدهشة. تظل المسألة ضمن: كيف تقولها أيضاً. أنت تكتب هنا. في الكتابة يكون الأمر أسهل بذلك التسجيل والسرد. الأصعب أن تخرج على كل ذلك. يحقق حسن مدن في شهادته جوانب كثيرة مما أرمي إليه. في الشهادة يقف طويلاً على تجربته في كتابة المقال الصحافي. وإن كان أحد أبرز الذين مارسوه ربما للعقدين الماضيين حتى اليوم، لكن من الظلم أن نعرف به مدن. قلت ذات مراجعة لـ «تنُّور الكتابة» أن فيه مشروع روائي يختبئ هناك.

ما هو قابض عليه من أدوات يمكن من خلاله الاقتراب أو الدنو من النقد لم يتحقق له من بوابة المقال الذي تمكَّن منه. ربما أسهم المقال، أو اللياقة اليومية - كما اسماها - في أن يكون أكثر حذراً ودقة في توظيف أي منها في قراءة هنا، أو استعراض هناك، أو استشهاد هنالك.

الرؤية تظل حاضرة أيضاً. من بينها ما كتبه «أنا من دعاة إعادة الاعتبار للمقال كفنٍّ إبداعي وجنس أدبي».

«التنقيب عن الوجود»

حين تنقِّب عن الوجود، فأنت بالضرورة تنقِّب فيه عن وجودك الأصل والمركز: أنت مركز العالم. شهادة أمين صالح كانت تنقيباً في وجود الكتابة. كتابة الوجود أيضاً. لن تجد صالح في كل ما يكتب سهلاً. ولن تجد صعوبة في سهولته أيضاً، بتلك القدرة التطويعية، من دون أن يستسلم لظروف القارئ أو يراعيها طوال الوقت، على رغم محبته له.

يكتب «كل كاتب يختبر نوعاً من التطوُّر والتحوُّل في تجربته. لقد بدأت كاتباً للقصة التقليدية لكن سرعان ما استفدت من منجزات القصة الحديثة آنذاك، فابتعدت القصة عندي عن الحدود المتعارف عليها أو المسلَّم بها إلى أفق مفتوح على المغامرة الفنية».

هو مدِين للضجر

شهادة الشاعر الجميل أحمد رضي تأخذك إلى تلك التلوينات في المناخات. لا يورِّطك بالتفاصيل. يمر مروراً ولكنه يترك الأثر هناك. شهادة تأمل هي، هكذا قرأتها. من أجمل ما ورد في الشهادة «إنني مدين للضجر، لطبعي الملول، فلولاه لما كثَّفت القراءة أو الكتابة، ولما عرفت أن هناك شيئاً ما خاطئاً في حياتي أو واقعي يستلزم التغيير، فالضجر هو أفضل مقياس لمعرفة الحقيقة. شرط أن يتبعه مباشرة ذلك المسح الضوئي عبر التأمل الشعري أو الروحي إن شئت... لمعرفة مكمن الخلل والعمل على إصلاحه».

القاص أحمد الحجيري يتكئ في المساحات الأكبر من شهادته على الذاكرة. من أهم ما ورد فيها كلامه على التجريب وحلقتها تلك التي «تغويني كثيراً ولا يغويني سعي الساعين للكمال وتأصيل المنحى (...)».

الشاعر مهدي سلمان في شهادته «ظلام يخصُّني» عنوانها الأول، وقوفاً على عنوان جانبي «وأُخر يابسات»، يأتي بنفاذ الرؤية والرائي. المسرح/ السحر الذي أتاح له عيوناً إضافية مهمَّتها الخلق لا النظر فحسب. يكتب بتلك اللغة الشفَّافة والحادَّة في الوقت نفسه. لا قارئ... لا متلقٍّ ما قبل، ولن يكون همَّاً الـ «بعد»! «لقد حميت نفسي بهذه العزلة، حميت قصيدتي، كنت أكثر حرية في تغيير الشكل الذي أكتب من خلاله، لم يكن في ذهني وقتها أي متلقٍّ سواي (...)».

الشاعر أحمد الستراوي في صراخه «الذي يملأ المكان»، يعيد ترتيب ذاكرته. لا ترتيب فيها واقعاً، وليس مطلوباً منها أن تلتزم ذلك. في الاتكاء على الذاكرة عنوة أو خياراً إشكال يفقد تلك النوعية من الشهادات شعريتها ووهجها، وخصوصاً حين تتورط في التفاصيل التي لا يتم إسباغ نعمة الشعر عليها. تأتي هكذا جافة ومباشرة وتسجيلية. من بين تخوم الذاكرة تلك له أمنية «أن أرقد في مكان آمن أمتلكه وحدي، وأمتلك فيه ظلاً أكونه أنا لا ظلاً يفرض عليَّ أن أكون كما يريد (...)».

«الناقد في مرآته»، عنوان شهادة جعفر حسن. لم تتعدَّ التسجيل وجذاذات من الذاكرة. في الكلام على الممارسة غياب إلا من طريق الانطباع، واستدعاء ما يُعتقد أنها خبرة ودراية. الشهادات النقدية بطبيعتها كثيراً ما تأتي جافة. شهادة الناقد في مرآته لم تبتعد كثيراً عن ذلك المعنى.

ربما تكون شهادة القاص أحمد المؤذن الأكثر إمعاناً في التسجيلية والمباشرة. ذلك شأنه ومساحته. شأني ومساحتي - كقارئ - أنني لم أجد متعة حدَّ الوصول إلى الغيْرة، كما حدث لكثير من الشهادات، بالطريقة التي عبَّروا بها عن تجاربهم.

الروائية منيرة سوار، اسم برز في السنوات الأخيرة. قد تكون صوتاً روائياً ملفتاً وجيداً ولكن ليس بالضرورة أن تعبِّر عن تجربتك من خلال شهادة كما يجب. شهادة سوار واقعاً هي شهادة تقدَّمت بها شخصيات أعمالها في كثير من المساحات. تعاطيها مع الكتابة. رؤيتها لهذه الممارسة لم أقف عليه بشكل مقنع.

الشاعرة ليلى السيد مارست تلك التنويعات والنقلات في شهادتها. بين الذاتي والجمعي. بين الكتابة كممارسة. الشعر منها خصوصاً. أسْمتها «الشهادة الناقصة» تلك التي طالبت بالإسراع لقراءتها لأنها «ستوقظ شرور نفسها» «في نقْضها وغزْلها من جديد».

القاص حسن بوحسن اتخذ من عنوان شهادته «وجْد وسرْد في جبال الشمس» علامة للتوغل في ذلك السرد. لم يكن سرد الكائنات والعوالم في قصصه. إنه سرد الذاكرة حين تمتلئ بالجميل فيجيء الكلام عنه عادياً حدَّ الضجر.

الشاعر قاسم حدَّاد يقدِّم شهادته/ النص. أو نصَّه الشهادة. تبدو الذاكرة التي نعرف هنا واضحة في حيادها. تحضر ولكن من دون طغيان، إلى جانب شهادات قليلة. من الانشغال بمستقبل اللحظة يكتب ويرى ويفكِّر. من هنا يمكنك الحديث عن ذاكرة للمستقبل. الخشية دائماً من ترك الذاكرة مهيمنة على ما تقول وتكتب وترى. شهادة نص فيه ذلك التنويع أيضاً. الفكرة/ الفكر الذي يتمرأى أمامك، بل يذكِّرك بما يجب أن تعرفه وتقبض عليه.

في التساؤل الذي يكشف اللبس من دون أن يسفِّه الغموض بشكل مطلق يتساءل قاسم «وإلا كيف نزعم الأدب ونحن نتحصَّن بالتردُّد بوهم الرصانة، ونتذرَّع بالوضوح مفرِّطين بالغموض. هذا الغموض الذي يمنح مجازاتنا الجمال الآسر الذي يستحيل علينا تفاديه كلما سعينا إلى عبقرية اللغة وتوأمة الشعر مع الحياة والحلم بها». بكل الانتقالات تلك يختم حدَّاد: «هكذا لا أزال أسعى إلى الدرس».

الشاعر في شهادته النقدية

جميلة هي شهادة الشاعر السماهيجي، وإن خصّ الشعر بالنزر منها. كانت شهادة نقدية في غالبها. الغالب في تجربة السماهيجي هي الشعر، وهنا تحتاج إلى جرأة بالمناسبة أن تترك مقعد الشاعر لتتحدث من مقعد الناقد. كم سيفوت العالم الكثير بذلك الترْك؛ بذلك الانتقال، على رغم أهمية وعمق الشهادة التي قُدِّمت.

الشاعرة منى الصفَّار لم تتصنَّع العفوية في شهادتها. من هنا جاءت ملفتة وفيها الكثير من القيم والفهم. فيها الكثير من القدرة على الاستدراج إلى الإصغاء. الإصغاء باعتباره الفريضة الغائبة اليوم! أحببت الآتي من الشهادة: «نحن جيل الرومانسيات المفرطة في وضع الحياة برمَّتها في خانتين منفصلتين، الأبيض والأسود، متجاهلين بقية الألوان في ثقافة الحياة، نربَّى قسْراً تحت ثقافة الكتب الدينية التي كانت تزخر بها مكتبتنا الكبيرة والعامرة، بكتب كتبها دينيون مصلحون في محاولة تحشيد جماعي لدخول الجنة».

إيمان أسيري تكتب الشعر بالألوان أيضاً. كتبت شهادتها بألوان صارخة في مواضع، وبألوان مائية هادئة في مواضع أخرى. ثمة توازن وصدق حقيقي امتلأ بها.

خيار الكاتبة شيماء الوطني أن تكون مشدودة ليومياتها. بمعنى آخر للذاكرة في صورة من صورها. كل شهادة لا تتوغَّل في جماليات تلك الذاكرة من خلال اللغة لا أطمئن إلى الدخول في حلْف معها.

الروائي رسول درويش، قال/ كتب كلاماً مهماً في مواضع كثيرة من الشهادة. يمكننا اكتشاف أن بعض الذين قدَّموا شهاداتهم التبست عليهم الأدوار والمواضع، وفضَّلوا أن يقدِّموا درساً. بالمناسبة: ليس من وظيفة الشهادة الإبداعية أن تقدِّم ذلك الدرس!

القاص أيمن جعفر قدَّم شهادة تحتاج إلى خريطة لتبيُّن جهاتها. لا فرصة لأن تكون كما أنت مثلما يتيحه لك تقديم شهادة عمَّا تُحسن صنعه في الحياة: الكتابة!

القصَّاب: حقيقتنا الوحيدة في الحياة

«شيء واحد فقط بقي ثابتاً لديَّ حتى الآن: (كل تجربة فراشة). بل صرت أذهب إلى أن تجربة كل منا هي حقيقته الوحيدة في هذه الحياة». من الشهادات الجميلة التي ظلَّت محفوفة بالخطر والتهديد الذي تشكِّله على عالم وجهات، حين تُحسن التعبير عنه بصورة كأنك تراه وماثل.

شهادة القاص عبدالعزيز الموسوي، على رغم الأهمية التي اكتنفت مساحات كبيرة منها، إلا أنها جاءت غير عفوية في مساحات أيضاً. أن تترك نفسك هكذا تسترسل بأدوات تملكها. سَمِّ ما يحتاج إلى تسمية من دون أن تستغرق في تكوينه. أحياناً يجب عليك فعل ذلك. ذلك أمر مرجعه التقدير، والتقدير جزء من التعبير عن تعاملك مع الزمن والتجربة أيضاً.

القاصة نعيمة السمَّاك كانت وفية لذاكرتها، ورأت أنها خير من تأتمنه على الشهادة التي ارتأتها.

كذلك هو الأمر مع الكاتب والروائي فواز الشروقي الذي تحصَّن بذاكرته، على رغم أن التحصُّن بالذاكرة يمكن أن يأتي أكثر بهاء وجمالاً، لم يُرَ في الشهادة، على الأقل بالنسبة لي.

الديري: الكلمة وموقف المثقف

من احتفال (الدال) بدأ وبه ختم «لا وجه للدال ما لم تدخل في جملة». شهادة انطلقت من الذاكرة بذكاء كبير. بذلك التوظيف العفوي والعميق في الوقت نفسه. تكون الذاكرة سيئة حين تهيمن عليها الأنا، ولا تكون كذلك حين تكون جمعية وإن مسَّت الذاتي والفردي.

هل الشهادة الإبداعية استنطاق؟ ومن يستنطق من؟ هل تأتي مثل تلك الشهادة حارة وطازجة وصادقة حين تكون برسْم الطلب؟ قبل السؤال عن كيفية كتابة الشهادة الإبداعية، هل يحق لنا أن نسأل لمن تُكتب؟ في تغييب الذاتي أحياناً تبدو مثل تلك الشهادة ناقصة، على حساب الذهاب بعيداً في تسجيل الذاتية الكبرى التي تهيمن عليها الكتابة. إنها الذاتية الأكثر يقظة في عالمنا اليوم. تحتاج كل تلك الأسئلة إلى شهادة أيضاً!

للمرة الثانية: بعض تلك الشهادات في شأن، والقارئ في شأن ثانٍ، والنص في شأن ثالث!

غلاف الشهادات
غلاف الشهادات




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً