العدد 4940 - الأربعاء 16 مارس 2016م الموافق 07 جمادى الآخرة 1437هـ

اختلاف الظروف يغير الرؤية

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

تختلف الثقافات باختلاف البيئة ونمط الحياة. وباختلاف الثقافات تتباين ردود الفعل التي نتّخذها تجاه كل ما / من هو حولنا.

قبل أيام دار بيني وبين أحد الشعراء من دولةٍ عانت الحروب المتكررة والمآسي المتواصلة بعد أن أرسل لغزاً عبر رسالةٍ هاتفيةٍ تضمنت صورةً لعبارةٍ من غير نقط، وطلب مني وضع النقط لتصبح جملة مفيدة.

قرأتها وخلال ثوانٍ قليلة أرسلتُ إليه التالي: «قيل إن فيل قبّل فيل قبل قليل»، وجدته يضحك ويرسل لي: «أنا قرأتها كالآتي: «قيل إن فيل قتل فيل قبل قليل»، فكتبتُ له، من الممكن أن نكتب قبّل بدلاً من قتل، لِمَ يقتله؟ وأضفتُ مازحة: هل عرفتَ الفرق بين البحريني وغيره؟ وبين المرأة والرجل؟ ولأنه مغترب في الولايات المتحدة الأميركية أضفت: وبين من يفكر ليلاً ومن يفكر نهاراً؟.

أجابني بكل بساطة: كل واحد وثقافته!

نعم، الثقافة هي التي تحدد طريقة تعاملنا مع الأمور وطريقة فهمنا لها، وهي المؤثر الأول في أي فعل وأي رد فعل.

وبعيداً عني وعن شاعرنا في المثال أعلاه، فحين يكون أحدنا - على سبيل المثال - ابناً لبيئة عانت الدمار المستمر، والحروب المتواصلة، حتى صارت تنتظر كل صباح أسماء الشهداء والقتلى وأعدادهم، وحين لا يجد من حوله إلا أصوات التفجيرات، ورائحة الحرائق وصراخ الثكالى مذ كان طفلاً، لابد أن تفكيره سيركّز على هذه الأمور. وحين يكون أحدنا ابناً لبيئةٍ اعتادت أن تستمع لفيروز في الصباح وتشرب قهوتها على مهلٍ في الشرفة، ومن حولها الأزهار تعلن مقدم الربيع - مثلاً - لابد وأن يكون تفكيره رومنسيّاً ومختلفاً عن تفكير الأول إن لم يكن لديه مصدر آخر يغذي به روحه وقلبه وعقله، ولكن حين يغذي أحدنا نفسه بما تجود به عليه الكتب من خلال قراءاته المتواصلة التي تعزله عن الواقع الأسود من حوله، يقرأ الشعر والرواية والفكر والفلسفة والإدارة والتنمية البشرية، لابد أنه سيصبح مختلفاً عمن حوله في بيئته؛ لأنه عزل فكره ومشاعره عن الدمار والألم والسواد وغذى روحه بما هو جميل وإيجابي. وكالطفل الذي يربيه والداه كما يريدان، يمكن لنا أن نربي مشاعرنا وقلوبنا بما نريد خيراً كان أم شرّاً.

في الحياة الكثير من الأمور التي يراها كل فردٍ منا بشكلٍ مختلفٍ عن غيره، عن قصد ومن غير قصد، وهو جوهر الخلافات في كثيرٍ من الأحيان، وخصوصاً فيما يتعلق بالعلاقات الاجتماعية بيننا وبين الآخرين، وعلى رغم ازدياد التوعية حول هذا في الآونة الأخيرة، وكثرة الكتب والورش التدريبية التي تتحدث عن اختلاف الرؤية باختلاف الموقع والظروف، بل وحتى الجندر، فإن الأمر لايزال يشكل العتبة الأولى في أي خلاف، ولكي نوقفه لابد أن نضع أماكننا في أماكن غيرنا، وأن نتفهم طبيعة الاختلاف بيننا وبينهم كي نصل معهم إلى حلول وسطية يقبل بها الطرفان، ولابد أن نحاول التغيير من أنفسنا مادمنا نعرف أن ما نفكر به هو خلاف الواقع.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 4940 - الأربعاء 16 مارس 2016م الموافق 07 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:22 ص

      كلما ارتفع المستوى الثقافي والوعي في أي مجتمع كلما قلت الخلافات والمشاكل فيه وﻻ يمكن استخدامه في أي نزاعات سياسية، اﻹنسان الواعي ينظر إلى الخلافات بين المذاهب الإسلامية نابع عن الجهل في فهم حقيقة اﻹسلام وكذلك الحروب التي نشهدها اليوم الكثير منا يجهل من يقف وراءها

اقرأ ايضاً