العدد 4945 - الإثنين 21 مارس 2016م الموافق 12 جمادى الآخرة 1437هـ

رحم الله والديكم

محمد عباس علي comments [at] alwasatnews.com

عضو سابق في مجلس بلدي المحرق

«رحم الله والديكم» أو «الله يرحم والديكم»، أو بأية صيغة أخرى أو تعبير مقارب يحمل هذا المعنى العظيم في مضامينه. فهي عبارات محببة وقريبة إلى القلب، وهي بالتأكيد من أطيب وأعذب وأحلى العبارات التي نتوق إلى سماعها.

ولو وقفنا لبرهة من الزمن وتساءلنا عن سر ذلك فسوف بالتأكيد تتوارد إلى أذهاننا العديد من الأسئلة المختلفة المرتبطة بهذه العبارة «رحم الله والديكم»: فمن هذه الأسئلة: ما معنى «رحم الله والديكم»؟ هل عبارة «رحم الله والديكم» مقتصرة على مجتمعنا البحريني الصغير، أم هي عبارة شائعة في جميع المجتمعات العربية والإسلامية؟ هل بإمكان الفرد منا أن يسهم سواءً في حياته أو بعد مماته بأن يدعو له الآخرون بالرحمة؟ وهناك بالتأكيد الكثير والكثير من الأسئلة التي يمكن أن تطرح بشأن هذه العبارة «رحم الله والديكم»، القليلة في كلماتها، والكبيرة والعظيمة في مضامينها، ولكن في هذه العجالة فسأقتصر على هذه الاسئلة فقط، وأحاول الإجابة عليها.

«رحم الله والديكم» هو دعاء نتوجه به إلى الباري عز وجل بأن يرحم والدي الشخص الذي نخاطبه. وبالطبع هو دعاء عظيم. فمن أسمى الغايات التي ينشدها بني آدم أن ينال رحمة الله سبحانه وتعالى في الدارين. الرحمة هي كلمة شاملة لمختلف أوجه الخير والبركة والفيض الإلهي... فهي تدل على الفضل والنعمة والإحسان والحفظ الذي يتفضل به سبحانه على عباده، سواءً في الحياة الدنيا التي هي دار الممر، أو في الحياة الأخرى التي هي دار المقر، فمن المؤكد أنه لا يدخل أحداً الجنة إلا برحمته سبحانه وتعالى.

عبارة «رحم الله والديكم» هي منتشرة إلى حد كبير في المجتمعات العربية والإسلامية، ولكن بتفاوت بين مجتمع وآخر. ولكنها كثيرة الاستخدام في مجتمعنا البحريني، وهي بالتأكيد محبذة، وتحمل في طياتها الكثير من المعاني الطيبة والعظيمة؛ بل لا أبالغ إذا قلت بأنها إذا قيلت، في كثير من الأوقات يستحضر معها صورة ذهنية لوالدي الشخص المخاطب، حيث من وجهة نظر قائل هذا الدعاء، أنه من خلال معرفته بوالدي المخاطب (الأب والأم أو الأجداد سواء مجتمعين أو أحدهم)، بأنهم يستحقون رحمة الله سبحانه وتعالى. والعبارة هنا تقال ليس فقط في حق الشخص الذي توفى الله سبحانه والديه، أو أحدهما، وإنما تقال حتى في حال وجود الوالدين على قيد الحياة، لما أسلفناه من معاني لكلمة الرحمة الإلهية، وأهميتها لنا في الدارين.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، حينما يلتقي بي أحد أصدقاء والدي رحمه الله، الذي كان زميله في العمل لسنوات عديدة، وهو بالمناسبة من المذهب السني الكريم، فهو يستقبلني بالأحضان وكثيراً ما تدمع عيناه وهو يترحم على روح والدي، ويتأوه على فقده، ويذكر الأيام الجميلة التي قضوها معاً إخوة يتشاركون في المشرب والمأكل والأفراح والأحزان والهم المشترك. والحقيقة أن المجتمع البحريني بصورة خاصة بمختلف أطيافه مترابط ومتراحم. وهذا المفكر وعالم الدين اللبناني المرحوم محمد جواد مغنية يذكر بعضاً مما شاهده عن هذه الظاهرة عند زيارته للبحرين في أواخر العام 1966 وبداية 1967م، حيث مكث مدة 18 يوماً فيها، كما ذكر في كتابه «تجارب محمد جواد مغنية بقلمه» (ص 392 - 396) وأقتبس مما قال عن علاقة السنة بالشيعة في البحرين: «والسنة والشيعة في البحرين على وفاق تام، يتعاونون في جميع المجالات الاقتصادية والسياسية والثقافية، والقضايا العربية... وقد حاول أصحاب الأهداف أن يفرقوا كلمتهم، ويباعدوا فيما بينهم، فخاب مسعاهم، وازداد الطرفان بحبل الله تمسكاً. ويحضر السنة المجالس والمآتم التي يقيمها الشيعة لسيد الشهداء...».

ولكن للأسف هناك من يريد تشطير المجتمع البحريني وبث سمومه بمختلف الوسائل، وذلك بهدف ضرب الوحدة الوطنية وتمزيق المجتمع لأسباب غير وطنية ولا إنسانية، بل أقل ما يقال عنها بأنها خبيثة ومريضة وبلاشك بأنها تخدم أجندات ضيقة. وما استنكار أي مظهر من مظاهر التقارب الإنساني والطبيعي بين مختلف فئات المجتمع البحريني أو الخليجي أو العربي أو الإسلامي، أو تقارب طبيعي يحدث بين أي مكون من مكونات المجتمع، من غير فئتهم، فهو يسوؤهم. وما حادثة زيارة أخوينا الممثلين الكويتيين الكبيرين لقبر والد صديقهما وقراءة سورة الفاتحة على روحه عنا ببعيدة. ولكن خيراً فعل الممثل الكويتي طارق العلي برده على أصوات المؤزمين الذين يعملون على تشطير المجتمع بكل ما أوتوا من قوة!

أما فيما يخص كيفية أن يسهم الفرد منا سواءً في حياته أو بعد مماته بأن يدعو له الآخرون بالرحمة والمغفرة! الإجابة المختصرة جداً على ذلك هو في أن يُسير الإنسان في حياته في طاعة الله سبحانه وتعالى. وهذا يعنى الكثير، فهو يعني فيما يعنى أن تكون حياة الشخص منا ليس فقط موجهة إلى العبادة، والتي هي غاية وجودنا، بل يجب أن تكون لهذه العبادة المصاديق الواضحة على مستوى المعاملات، وذلك بأن يكون بذرة خير بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، على مختلف مستويات العطاء وخدمة المجتمع والتحلي بالأخلاق الحسنة، وكف الأذى عن الآخرين. وكلها أمور يلحظها الناس ويقدرونها ويجلونها، وهي تشكل الذاكرة عند أفراد المجتمع، وعلى أساسها يترحم الناس علينا، وذلك باستذكار هذه السجايا الطيبة. وكما يقول المثل الشعبي: «كُل من مذكور بفعله»!

وحيث إن الفرد منا مسئول ليس فقط عن نفسه، ولكن المسئولية تشمل فيما تشمل أفراد العائلة من أبناء وبنات وزوجة ووالدين ومن له سلطة عليهم، من خلال الإحسان لهم وبرهم. فهو مجال رحب، وله أوجه كبيرة وعظيمة. وإذا أحسنا ذلك نكون قد أسهمنا بشكل كبير في محبة رب العباد، ولهج المؤمنون لنا بالدعاء و بالرحمة والغفران. ورحم الله والدي كل من سعى في وحدة المجتمع ونبذ الخلافات وعمل على تقارب جميع أفراده على أسس وقيم العدل والخير للجميع، بغض النظر عن انتماءاتهم الضيقة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عباس علي"

العدد 4945 - الإثنين 21 مارس 2016م الموافق 12 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:48 ص

      رحم اللة والديك

      من أفضل الأدعية التي يرتاح إليها المدعو إليه عند قيامه بخدمة ما هي رحم اللة والديك وشكرا إلى الكاتب المحترم ع اللفتة الكريمة للدعاء الجميل حقا.

    • زائر 5 زائر 4 | 12:58 م

      سندية

      رحم الله واللديك

    • زائر 3 | 5:59 ص

      ياسمين عليك دكتور مقال جميل وان شاء الله أهل البحرين دائما في ألفه ومحبة ورحم الله والدينا ووالديكم ووجميع المسلمين

    • زائر 2 | 3:44 ص

      من احب واحلى الكلمات إلى قلبي عبارة رحم الله والديكم فلها معاني كبيرة. وعندما تخرج من القلب يكون لها صدى جدا كبير وعميق.... فهي تدخل إلى القلب وتعمل العﻻقات وهي من سمات المجتمع البحريني اﻻصل. فرحم الله والدينا ووالديكم جميعا

    • زائر 1 | 3:21 ص

      رحم الله والديكم. مقال جدا جميل... واتفق معكم بأن شعب البحرين يمتاز بكل صفات الطيبة وقد عش آﻻباء وكذلك عشنا من مختلف الطوائف متابعين ...
      والموتورون هم منبوذون من جميع أفراد المجتمع

اقرأ ايضاً