العدد 4945 - الإثنين 21 مارس 2016م الموافق 12 جمادى الآخرة 1437هـ

توفيق عكاشة والتطبيع

رضي السماك

كاتب بحريني

خاضت مصر أربعة حروب عسكرية نظامية كبرى ضد «إسرائيل» خلال نحو 25 عاماً فقط منذ احتلال فلسطين، وتأسيس إسرائيل (حرب 48، حرب 56، حرب67، حرب 73) وتكبدت خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، كان أفدحها في الحربين الأخيرتين اللتين اندلعتا خلال خمس سنوات، أي حرب 67 التي تلقت خلالها هزيمة ماحقة انتهت باحتلال إسرائيل الكامل لشبه جزيرة سيناء، وحرب 73 التي حررت بفضلها جزءاً من أراضيها في سيناء إثر تمكن جيشها من عبور القناة عبوراً ملحمياً وتحطيمه خط بارليف الذي جعلت منه إسرائيل أسطورة وهولت من قوته المنيعة بعد انتصارها على مصر وسورية والأردن في حرب يونيو/ حزيران 1967، وبالتالي لم يكن غريباً بأن تخرج مصر بعد حرب 73 مُجهدة ومثقلة اقتصاديا ومالياً ونفسياً نظراً لخوضها حربين كبريين خلال فترة قصيرة جداً من دون التقاط للانفاس بينهما، هذا على رغم ما تلقته من دعم مالي رسمي عربي سخي قبل الحرب الأخيرة وأثناءها وبعدها.

لكن تلك المساعدات لم يكن بوسعها بطبيعة الحال أن تفي باحتياجات مصر الكاملة بمتطلبات إعادة الإعمار والبناء الكبيرة. وفي ظل مناخ هذه التركة الثقيلة التي تمخضت عن تلك الحروب وعلى الأخص الحرب الأخيرة، وبغية تبرير تقاربها مع أميركا و «إسرائيل» وصولاً لعقد صلح منفرد مع الأخيرة عرف الرئيس المصري الراحل أنور السادات ببراعة كيف يستغلها، ويوظفها، بإلقاء تبعية مجمل الحروب التي خاضتها مصر على العرب وفلسطين، وكأنها كانت دفاعاً عن العرب وفلسطين فقط وليست دفاعاً في الوقت ذاته عن أمن مصر القومي.

ومهّد السادات ما يبيته لعقد الصفقة الاستسلامية مع «إسرائيل» بمداعبة أحلام شعبه المُجهد من تبعات الحروب بوعود ما سيجلبه السلام المزعوم المنتظر مع الدولة العبرية من «رخاء» واستقرار وأمن، ومن ذلك، كما قال بالحرف الواحد باللهجة المصرية في أحد خطبه بأنه: «حا يكون لكل مصري عربية وڤيلة»، أي سيارة وبيت أنيق فخم، هذا في الوقت الذي كان سكان شعبه وهو يطلق هذا الوعد الكاذب حينذاك نحو 45 مليون نسمة. وهكذا وقع السادات معاهدة الصلح المنفرد مع «إسرائيل» في أواخر سبعينيات القرن الماضي مقابل انسحاب إسرائيلي من سيناء مشروط بجعل جزء كبير من أراضيها منزوعة السلاح الثقيل، مجرداً مصر من حقها في السيادة العسكرية الكاملة على كل أراضيها، ومتحدياً العاصفة الشعبية والرسمية العارمة التي اجتاحت العالم العربي ضد مبادرته، ومتحدياً أيضاً تهديد القمة العربية المجتمعة في بغداد 1978 بطرد مصر من الجامعة العربية، وهو ما تحقق بشبه الإجماع بعد فشل مساعي القمة أثناء انعقادها لإثنائه عن ذلك، وتم نقل مقرها إلى تونس؛ لكن سرعان ما اغتيل السادات بعدئذٍ في حادث المنصة الشهير 1981 على أيدي متشددين إسلاميين عسكريين شاركوا في العرض العسكري في ذكرى حرب أكتوبر/ تشرين الأول، ولم يكن قد تحقق من زبد وعود الرخاء أي شيء، لا في العامين اللذين قضاهما في الحكم بعد توقيع الاتفاقية (1979- 1981) حتى اغتياله، ولا طوال حكم خلفه حسني مبارك الذي سار على دربه السياسي، وشهدت الموازنة العامة في عهده الذي استمر 30 سنة نزيفاً ضخماً غير مسبوق تاريخياً بسبب الفساد، فازدادت وتضاعفت المصاعب والأعباء الاقتصادية التي رزح في ظلها السواد الأعظم من الشعب المصري حتى إسقاطه في ثاني ثورة من ثورات الربيع العربي (ثورة يناير/ كانون الثاني 2011)، كما تكاثفت التحديات والضغوط التي تواجه الأمن القومي المصري قبال إسرائيل وأميركا على السواء، كل ذلك ومصر لم تخض حرباً واحدة طوال ما يقرب من 40 سنة منذ حرب أكتوبر الأخيرة والتي تعهد السادات أمام شعبه بأن تكون آخر الحروب مع «إسرائيل»، والأهم من ذلك فقد تبخرت سريعاً مراهنة السادات على تزييف الوعي القومي العربي الأصيل لشعبه بدفعه للتطبيع مع الدولة الصهيونية، فأضحى هذا التطبيع بامتياز محصوراً في البُعد الرسمي وببرود لا تخطئه العين من الجانب المصري.

بهذا المختصر للخلفيات السياسية التاريخية الكاملة التي مرت بها مصر خلال نحو نصف قرن منذ حرب 1967، يمكننا فهم الخطأ الجسيم القاتل الذي وقع فيه النائب السابق المثير للجدل توفيق عكاشة صاحب قناة «الفراعين» والذي أفضى إلى اسقاط عضويته من البرلمان المصري (السلطة التشريعية) على إثر استضافته السفير الإسرائيلي حاييم كورين في منزله ولاسيما أن تصرفه، إلى جانب تصرفات عديدة أخرى نالت استهجان الحكومة ومعظم القوى السياسية، شكل استفزازاً لمشاعر أبناء شعبه الذي ما برح يعاني من تبعات فترة مديدة من المصاعب الاقتصادية والمعيشية المتفاقمة، بل ما كان لعكاشة أن يفوز أصلاً في الانتخابات الأخيرة لو تجرأ مسبقاً بالكشف في دعايته الإنتخابية عن نواياه التطبيعية بعد ثورة يناير 2011. ومن المُخزي حقاً أن يجري ذلك في الوقت الذي تبادر فيه جهات أوروبية ودولية عديدة، في ظل عز تشرذم العرب الراهن، بإصدار قرارات بمقاطعة صادرات «إسرائيل» من منتجات المستوطنات غير المعترف بها دولياً، كالبرلمان الأوروبي، فضلاً عن إصدار قرارات من جهات أكاديمية وعلمية في أوروبا والولايات المتحدة بمقاطعة أي شكل من أشكال التعاون مع المؤسسات والجامعات الإسرائيلية التي تناصب في بحوثها ودراساتها ومواقفها العداء لحقوق الشعب الفلسطيني الكاملة في وطنه، بما في ذلك حقه المشروع في النضال من أجل استرداد أراضيه المحتلة العام 1967 وإقامة دولته المستقلة عليها وعاصمتها القدس، كما ترفض التنديد بكل جرائم القمع والإبادة والقتل والتنكيل التي ترتكبها سلطات الإحتلال لقمع نضاله المشروع.

ويُحسب للحكومة المصرية (السلطة التنفيذية) احترامها قرار البرلمان كسلطة تشريعية مستقلة، على رغم التزام الأولى بمعاهدة كامب ديفيد في الوقت الذي لاذت فيه إسرائيل بالصمت التام والخيبة بإستثناء تصريح صحفي مقتضب لسفيرها في القاهرة.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 4945 - الإثنين 21 مارس 2016م الموافق 12 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:32 ص

      المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب الشخصية وتوجهاته الفكرية . المقال مليء بالمغالطات التاريخية أبسطها ان مصر خاضت حروبها من اجل نفسها فقط . ألم تكن حرب 48 من اجل فلسطين فقط حيث كانت مصر تمارس سيادتها الكاملة على اراضيها ايام الملكية؟ تحية كبرى للرئيس السادات المنتصر ومحرر الارض بالحرب والسلام.لو ذهب عرفات لمؤتمر ميناهاوس لحصل على حكم ذاتي فلسطيني ولكان لفلسطين دولة الان .

اقرأ ايضاً