العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ

السلمان: «بن خميس» من أوائل المطالبين بافتتاح مدارس نظامية في قرى البحرين

وصفه بأيقونة من زمن اللؤلؤ... الطوّاش السنابسي ومؤسس المأتم المعروف...

الباحث السلمان خلال إلقائه المحاضرة في مأتم بن خميس
الباحث السلمان خلال إلقائه المحاضرة في مأتم بن خميس

قال الباحث التاريخي محمد حميد السلمان إن «مؤسس مأتم بن خميس الحاج أحمد بن خميس كان من أوائل المطالبين بافتتاح مدارس نظامية في قرى البحرين».

وأضاف، في محاضرة قدمها في مأتم بن خميس مساء الأحد (20 مارس/ آذار 2016)، أن «التاريخ سجل للحاج أحمد بن خميس أنه كان على رأس الموقعين من أعيان البلاد على عريضة شعبية في (26 أكتوبر/ تشرين الأول 1923)، تتضمن عدة مطالب (التماسات)، كان أبرزها المطالبة بإنشاء المدارس لأبناء وبنات البحرين من دون تمييز.

وفي مستهل الندوة، وصف السلمان بن خميس بأنه «رجل من أيام زمن السهل الممتنع: إنه رجل من الزمن الجميل الذين لم تغيّر الأيام في صلابتهم، ولا الإغراءات المادية والمناصب في مواقفهم ومبادئهم، كما حدث للكثيرين».

وأردف «حكاية بن خميس تبدأ من قرية سترة الوادعة الآمنة وهي موطن آل خميس الأول هو وعشيرته التي تنتسب، على قول، إلى قبيلة ربيعة، ونسبه كالتالي: أحمد بن علي بن خميس بن أحمد بن علي بن خميس آل خميس، امتهن أفراد أسرته عدة حِرف ارتبط معظمها بالبحر، كالغوص، وصيد السمك، وصناعة وإصلاح السفن، والحدادة. وتفرد هو من بينهم بمهنة تجارة اللؤلؤ».

وأفاد أن « خميس بن أحمد بن علي آل خميس، وهو الجد المؤسس للعائلة بعد الهجرة من جزيرة سترة؛ استوطن أرض السنابس، ولا يُعلم تاريخ ذلك تحديداً، ووسط هذه القرية الصغيرة الآمنة، السنابس، التي كان يأتيها رزقها من أرضها المعطاء، والبحر الزاخر بالخيرات حولها؛ تناسلت أسرة بن خميس من جديد، حتى ولادة صاحب هذه السيرة ،وهو: أحمد بن علي بن خميس بن أحمد بن علي آل خميس، في حوالي العام 1855م، ولد على أقرب التقديرات الشفاهية».

وأضاف «من هو أحمد بن خميس؟ بدأ أحمد العمل أولاً في تجارة اللؤلؤ، وأصاب منها ثروة كبيرة، وعُرف خلال عمله بالتقوى، والورع، والكرم، والشجاعة، وحب عمل الخير، كما يذكر بعض أهالي القرية والقرى المحيطة بها نقلاً عن آبائهم المعاصرين له».

وأكمل الباحث السلمان «لم يكن أحمد بن خميس مجرد طواش عادي، فقد كان يمتلك سفينة كبيرة من نوع «الداو» أو «الدهو»، ومراكب صغيرة أخرى كانت ترسو في بندر السنابس، و»نقعة» السفن الخاصة في تلك المنطقة وهي «نقعة بن خميس».

وأوضح «لم يزاول أحمد بن خميس مهنة شراء محصول اللؤلؤ من البحرين وبيعه على كبار التجار من داخل وخارج البحرين فحسب؛ بل كذلك وسع تجارته منذ البداية بشراء اللؤلؤ من المنطقة الشرقية في شبه الجزيرة العربية، وتحديداً من القطيف، وتاروت».

وبيّن أن «أحمد بن خميس مع شريكه سيد أحمد بن سيد علوي، كانا يعتبران من أثرياء اللؤلؤ في منطقتيهما في سنوات ذاك الزمان. كانا يبيعان اللؤلؤ في الهند، أو للتاجر الفرنسي المشهور فيكتور روزنثال (Victor Rosenthal)، أو لصاحب شركة (Cartier)».

وأردف «وبسبب الصفقات الكبيرة التي كان يعقدها مع كبار تجار الجملة في أسواق اللؤلؤ؛ فقد ربح بن خميس من عمله في هذه التجارة مبلغ (2 لك) روبية (200 ألف روبية هندية) كما يقول بنفسه العام 1920م، وأن هذا المبلغ هو كل ربحه في هذه التجارة آنذاك».

وتابع «كان أحمد بن خميس من وجهاء البلد الذين يستشارون في العديد من الأمور ويُعتمد توقيعهم حتى في شئون مستشار الحكومة (تشارلز بلغريف). ولذلك فقد طلب حاكم البحرين الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة العام 1928، من أحمد بن خميس - أسوة بأقرانه من كبار الرموز الاقتصادية وأعيان البلاد في البحرين آنذاك - التوقيع على شهادة حسن سير وسلوك للمستشار (بلغريف) بعد مضي سنتين من عمله في البحرين دون انقطاع ليستطيع «تبديل الهوى»، والمعنى من تلك العبارة الواردة في الرسالة، هو طلب إجازة سنوية ليقضيها في بلده».

وتحدث الباحث السلمان عن الدور الديني لأحمد بن خميس، قائلا: «تميزت سيرة أحمد بن خميس بجليل الأعمال، وأعظمها، منها تأسيس حسينية بن خميس في مسقط رأسه السنابس، بالإضافة إلى بناء بعض الحسينيات والمساجد، أو المساهمة في بنائها، في البحرين، وتاروت، ودبي».

وذكر أنه «قام بشراء قطعة أرض، شيّد عليها الحسينية التي عُرفت منذ تأسيسها في الموقع ذاته بـ (مأتم بن خميس)، وكان ذلك، بحسب الرواية الشفاهية، في العام 1294هـ/ (1877م)، ولم تختلف عن الحسينيات كافة التي أُسست في ذلك الزمان، من حيث البناء من مواد السعف، والأغصان، وجذوع النخيل، وبعض الطين لتقوية البناء واستقامته».

وأكمل «وفي نهاية العقد الأول من القرن العشرين، وبعد أن توافرت الأموال السائلة في يد بن خميس من تجارة اللؤلؤ؛ قرر مؤسسها إعادة بناء الحسينية بمواد أحدث وأقوى لمقاومة العوامل الطبيعية والأمطار. وهذا ما تشير إليه الأبيات الشعرية التي ألقيت في افتتاح المبني الجديد للحسينية العام 1912م».

وعن أدوار حسينية بن خميس في التاريخ الحديث، أفاد الباحث السلمان «الواقع التاريخي لحسينية بن خميس، يحكي فصلاً مميزاً لهذا الصرح الديني الحسيني العتيد، سجل اسمه في مجريات الأحداث على أرض الجزر بشكل جعله ضمن سياق النسيج التاريخي لإحياء التراث الحسيني متناغماً في محطات عديدة مع حركة التنوير الوطنية الإصلاحية البحرينية في بواكير القرن العشرين، وضمن ركائز الحركة الوطنية في الخمسينات من ذلك القرن أيضاً».

وأشار إلى أن «الحسينية أضحت بمثابة الحضن الدافئ لأبناء القرية وتلمّ شملهم، كما لعبت دوراً مهمّاً في تعليم أبناء القرية والقرى المجاورة. ففي بدايات التعليم استخدم جزء من الحسينية ملاصق من الجنوب، لافتتاح أول فصول تعليم الشباب مادة اللغة العربية، والحساب، واللغة الإنجليزية، ومعارف القرآن الكريم».

وشدد على أن الحسينية لعبت دوراً في الحفاظ على حياة وممتلكات الأهالي وأعراضهم، وبشكل خاص عندما كانت القرية تتعرض، في تلك الأزمنة، لعمليات الهجوم المسلح، والسلب، والنهب، من قبل «الدقاقة».

كما تحدث الباحث السلمان عن مساهمات بن خميس الاقتصادية في البحرين، وذكر أن «بن خميس ساهم كغيره من تجار اللؤلؤ في قرى البحرين، في النهضة الاقتصادية التي عمت البلاد منذ العام 1922، وأصبحت له سفن يشغلها لصالحه في عملية صيد اللؤلؤ. كما يصف تقرير المعتمدية البريطانية في البحرين في عهد الرائد (ديلي) بتاريخ (17 ديسمبر/ كانون الأول1923) الوضع الاقتصادي، فيذكر بشكل عام: «على رغم عدم مرور وقتٍ طويل على وجود النظام الجديد (الإصلاحات الإدارية والاقتصادية)، فهناك مؤشرات تدلّ على زيادة ملحوظة في النشاط التجاري والزراعة، وخاصة بين البحارنة الذين كانوا يخافون توظيف أموالهم في هذه القطاعات، فهم اليوم يبنون مراكب الغوص بشكل ملحوظ، والكثير منهم يجهّزونها، ويزرعون النخيل في بساتين جديدة».

وعن خدماته في مجال التعليم الأهلي الخاص، فتحدث عن فكرة المدرسة العلوية، وقال السلمان: «أحمد بن خميس كان من الشخصيات الرفيعة التي لها وزنها في المجتمع، فقد كان من أهم المطالبين بالإصلاحات في مجال التعليم في البلد، لذلك تكررت مطالبته مع الأهالي للحكومة بالمعاملة بالمثل - أي أسوة بأهل المدن - في نشر التعليم عن طريق المدارس النظامية، وذلك بالدعوة لافتتاح مدارس في قرى البحرين، لكن تلك المحاولات لم تجدِ نفعاً».

وأكمل «ومع ذلك لم ييأس بن خميس، فتواصلت المطالبات والاتصالات مع المسئولين ومن ضمنهم المعتمد السياسي الرائد (ديلي)، الذي اعتاد أن يتردد على حسينية بن خميس ويستمع إلى أحمد بن خميس وغيره من وجهاء الطائفة، كما جرت كذلك مكاتبات تحريرية من أجل هذا الشأن التربوي».

وعن «التماسات بن خميس»، قال الباحث السلماني «في (26 أكتوبر/ تشرين الأول 1923)، قُدمت عريضة شعبية تتضمن عدة مطالب (التماسات)، وكان أحمد بن خميس على رأس الموقعين من أعيان البلاد على هذه العريضة، ومعه كذلك، رفيق دربه السيد أحمد العلوي، بالإضافة إلى علي بن حسن المسقطي، وعبدالرسول بن رجب، وأحمد السماك، ومحمد الدرازي، وعلي بن رجب، وأطلق عليها في المراسلات البريطانية آنذاك بـ (عريضة السبعة)».

وذكر أن «أهم تلك الالتماسات كان الالتماس التاسع، وهو ما يخص التعليم، حيث طالبوا بإنشاء المدارس لأبناء وبنات البحرين من دون تمييز، وذكروا ضمن الرسالة: «أنه منذ نحو ثلاث سنوات، اجتمع البعض] وخطّطوا وتسبّبوا باضطراب ضد تنظيم مدرسة لنا في البحرين، ومنعوا فتياننا من دخول المدارس الأخرى. وإذا كان القانون والنظام يحكمان البحرين حاليّاً، فمن غير المستحسَن وجود أي فوارق بين الفريقَين، وينبغي المساواة بينهما، كما في المدن المثقفة حيث تُقدّم العلوم مجّانًا. نرجو من عدالة الحكومة العليا ومن فخامتكم (الرائد ديلي) اتخاذ الإجراءات لإنشاء مدارس في هذه المدينة ولتطوير أبناء وطننا الأم. كم نودّ الإشارة إلى أنّ جميع البحارنة ينتظرون نتيجة روايتنا هذه وإجراءاتكم المباشرة والممتازة ردًّا على هذه العريضة، وفي حال عدم ضمان أية نتيجة مفيدة، فإنّ البحارنة المحترمين جميعهم مستعدّون لزيارتكم؛ لأنّ الزمن قد تغيّر وبات التعليم منتشرًا في أنحاء العالم كافة».

وختم الباحث السلمان «وتم بعد ذلك إنشاء المدرسة بالجهود الأهلية، وتقررت تسميتها باسم مبارك يظلل عليها نسائم النجاح والاستمرار فأطلق عليها، (المدرسة المباركة العلوية) وتكونت أول هيئة تأسيسية إدارية لإنشاء المدرسة من الأسماء الآتية: الحاج أحمد بن خميس، السيد أحمد العلوي، الحاج علي السماهيجي، السيد محمد السيد حسن الماحوزي، الحاج حسن بن عبدالله البصري، الحاج إبراهيم عبدالعال، الحاج سلمان بن سليم، إبراهيم المدحوب».

العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 2:11 ص

      تاريخنا مشرف ولله الحمد..

    • زائر 1 | 1:09 ص

      نشكر ونشكر ولكن العجز واضح بالشكر لمثل هؤلاء الرجال..

      فالشكر في حقهم قليل...وليس لنا الا الدعاء لهم طول عمرنا وما عشنا جيل بعد جيل ﻷنهم سطرو أروع البطولة والعمل الوطني بالحكمة والحنكة السياسية الصحيحة ...

    • زائر 3 زائر 1 | 1:44 م

      شكرا لكم أيها الأجداد

اقرأ ايضاً