العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ

الجمعيات الخيرية: أنَّى لنا والاستثمار وهذا حالنا!

حسين مدن comments [at] alwasatnews.com

ناشط اجتماعي ورئيس صندوق جرداب الخيري السابق

تؤكد النظريات الإدارية والمالية والاقتصادية عموما أهمية الاستثمار بأنواعه كافة، ومفهومه هو توظيف واستخدام موارد تملكها المؤسسات بجميع أنواعها لتحقق لها زيادة في هذه الموارد من أجل مستقبل أعمالها.

الجمعيات الخيرية في البحرين ليست استثناء، فهناك ضرورة لتوظيف فوائضها المالية، إن وجدت، في مجالات الاستثمار الآمن، حتى تتوسع في أعمالها التطوعية والخيرية بشكل أفضل في الوقت الذي تضمن فيه مصدرا استثماريا يعطيها قوة وحضورا في المجالات الخيرية التي تنشط فيها.

لكن الأسئلة كثيرة. فهل هناك فعلا فائض مالي لدى الجمعيات؟ وهل استطاعت هذه الجمعيات أن تغطي احتياجات الأسر المحتاجة والفقيرة بالكامل في البحرين بحسب الأهداف المنصوص عليها في أنظمتها الأساسية؟ وهل هناك دخل منتظم للجمعيات يبعدها عن تقليص مستوى خدماتها لهذه الأسر يوما ما أو يبعدها عن شبح التوقف عن تقديم هذه الخدمات؟ وهل استطاعت هذه الجمعيات أن تستفيد من فوائضها المالية إن وجدت واستثمارها؟ وهل هناك أمور قانونية أو شرعية تسهل على الجمعيات الدخول في الاستثمار؟

كل الدلائل تشير إلى أن من الصعب الإجابة على معظم هذه الأسئلة بنعم وسنتحدث عن ذلك باختصار.

إحصائيات

أحدث إحصائية نشرت في البحرين في العام 2014 تؤكد أن معدل دخل 34 في المئة من الجمعيات لا يتعدى 10 آلاف دينار سنويا. أكثر من نصف الجمعيات (53 في المئة) لا يتعدى دخلها 20 ألف دينار سنويا. أكثر من 25 في المئة من دخل هذه الجمعيات يأتي من الحصالات وأكثر من 21 في المئة من التبرعات المالية من أفراد ومؤسسات. أما معدل مصاريف 23 في المئة من الجمعيات فهو في حدود 10 آلاف دينار و46 في المئة من الجمعيات في حدود 20 ألف دينار سنوياً. تمثل المساعدات الشهرية للأسر أكبر مصروف (21 في المئة) تليها المساعدات الدراسية والزواج والعلاج بنسب متساوية تقريبا. أما الجمعيات الغنية فنسبتها لا تزيد على 26 في المئة من الجمعيات، ودخل كل منها أكثر من 50 ألف دينار سنويا. مصروف 26 في المئة أيضا من هذه الجمعيات يزيد على 50 ألف دينار سنويا. وهذا يعني أن معظم هذه الجمعيات بالكاد تغطي مصاريفها السنوية أو إحتياجاتها وبعضها يمكن أن تملك في حساباتها مبالغ تفيض عن حاجاتها. لكن كل هذه الإحصائيات تؤكد عدم وجود دليل على فائض مالي كاف يمكن أن يتبقى لدى غالبية هذه الجمعيات للدخول في مشاريع استثمارية.

توضح الإحصائيات أيضا أن 68 في المئة من الجمعيات لا يوجد لديها أي نوع من الاستثمارات بالمقارنة مع 32 في المئة التي لديها نوع من الاستثمار. هذه النسبة الكبيرة من الجمعيات لم تتمكن من الاستفادة من فرص الاستثمار إما بسبب عدم وجود الفائض أو ربما بسبب أن الاستثمار في قطاع البنوك عموما كمثال والذي يعد من أكثر أنواع الاستثمار رواجاً وأماناً يعد محظوراً شرعاً في التشريع الإسلامي تلافياً لأية شبهة ربوية أو إشكال شرعي أو أن هذه الجمعيات لا تزال في مرحلة التلقائية والبساطة في العمل ولم تتحول بعد إلى مرحة التنظيم والعمل المؤسسي لتفهم أهمية الاستثمار.

شرع وقانون

الأهداف المنصوص عليها في النظام الأساسي النموذجي لهذه الجمعيات والصادر من وزارة التنمية الاجتماعية آنذاك لا تزيد على تقديم المساعدات للأسر المحتاجة وسد احتياجاتها ومساعدة الطلبة والزواج والعلاج وترميم المساجد...الخ، وهي أهداف إنفاق ولكنها معقولة بحكم طبيعة عمل هذه الجمعيات.

من الناحية القانونية لم يذكر هذا النظام الأساسي الدخول في مشاريع استثمارية، وإنما أشار في بند مالية الجمعيات (مادة 44) إلى إمكانية أن تكون «عائدات إيجار العقارات المملوكة من قبل الجمعية» أحد مصادر إيراداتها. وللأسف فإن هذا المصدر من الإيرادات غير قابل للاستفادة منه بسبب عدم تملك أكثر من 74 في المئة من الجمعيات مقرات أوعقارات مملوكة لها. إضافة إلى أن هذا النظام الأساسي يؤكد عدم جواز الدخول في مضاربات مالية (مادة 5) وهذا طبيعي ولا اعتراض عليه بحكم نوعية إيرادات ومصروفات وطبيعة عمل هذه الجمعيات.

من الناحية الشرعية يبدو أن هناك مجالاً يتسع إلى استثمار نوع معين من الإيرادات بعد استبعاد بعضها؛ لكن هناك تحفظاً لكي تضمن الجمعية عدم المساس برأس المال. يفترض الشرع أن «البرنامج المعلن للقائمين على أمر الصندوق/ الجمعية هو دفع ما يتسلمونه بعنوان الصدقة إلى مستحقيها وصرف ما عداه في مطلق وجوه الخير أو استثماره وصرف عوائده في ذلك. فإذا كان الحال كذلك فلهم استثمار ما يتسلمونه بعنوان مطلق وجوه الخير والله العالم» – فقه الصناديق الخيرية للشيخ محمد جواد الشهابي.

في سؤال فقهي آخر في الكتاب نفسه: «هل يجوز اقتطاع نسبة من أموال الصندوق/ الجمعية واستثمارها في الوجوه المشروعة، وكيف تحدد النسبة؟»، والجواب هو «بعد إخراج الصدقات والزكوات والأخماس إن وجدت لا مانع من استثمار أموال الصندوق ولاسيما تلك التي تدفع لدعم الصندوق؛ كي يقوم بمسئولياته ومهامه المناطة به من قبيل المبالغ التي يدفعها التجار والشركات والمؤسسات فإنها تدفع عادة لتكون تحت تصرف الصندوق فيما هو الصالح، وأيضا لا مانع من استثمار أموال الجباية فيما إذا كان هناك اطلاع من المجبى منه على أن الصندوق يستثمر أمواله وعلى رغم ذلك يواصل دفعه وعطاءه له أو فيما أذا أخطروا بذلك وحيث إن أموال الصندوق كانت غير مملوكة للأمناء وما الأمناء بالنسبة إليها إلا أمناء مخولون، فالمرجو منهم عدم الدخول في مشاريع استثمارية ما لم يطمئنوا برجوع رأس المال على الأقل ليكونوا معذورين أمام الله وغير مفرطين فيما أسند إليهم وائتمنوا عليه والله العالم».

وهذا يعني أن غالبية موارد الجمعيات أموال ذات توجيه شرعي محدد لا يمكن صرفه إلا لمستحقيه، وهناك تنبيه عن مخالفات شرعية قد تحدث لو لم يراعَ ذلك من قبل الجمعيات.

ما المطلوب؟

إن فكرة استثمار جزء من موارد الجمعيات الخيرية في البحرين ربما لا تتناسب مع الكثيرِ من هذه الجمعيات، ولا سيما تلك التي ليس لديها الفائض من الإمكانيات المادية أو امتلاكها الأصول التي تؤهلها للاستثمار. وقد تكون الفرص اليوم مع وفرة رؤوس الأموال لدى بعض من الجمعيات الخيرية الغنية متاحة، لكن هناك مخاطر حقيقية تتعرض لها، بعضها يمثل خطورة كبيرة قد تؤدي إلى شل دورها كما حدث لبعض الصناديق الخيرية سابقا في البحرين بسبب الدخول غير المرضي في الاستثمار الوهمي، وتتمثل هذه المخاطر في خسارة رأسِ المال وهذا يعني فقد الجمعية الخيرية مواردها وعدم قيامِها بدورها الرئيسي.

هناك إذن مسئولية كبيرة تقع على عاتق قادة الجمعيات الخيرية والسلطات المختصة المتمثلة بوزارة العمل والتنمية الاجتماعية وكبار المتبرعين والمانحين من شركات وبنوك ومؤسسات كبيرة ورجال الدين من أجل ضمان تحقيق الاستدامة المالية لهذه الجمعيات وأقوى وسائلها هو الاستثمار.

فمسئولية قادة الجمعيات هي أن يكون عملهم مؤسساتي واحترافي والبحث عن مصادر وموارد بديلة جديدة غيرالاعتماد على تلك الموارد التقليدية كالتبرعات والصدقات والحصالات التي لا تستطيع الجمعية أن تتنبأ بمبلغها وتوقيت الحصول عليها، وليس فيها استدامة مالية أو استقرار مادي كاف.

أي أن ثقافة الحصول على المال يجب أن تتطور من مرحلة جمع التبرعات إلى تنمية الموارد المالية وتعزيز القدرات. كما أنها لنجاح عملها عليها مسئولية تأهيل المتطوعين فيها لأن تتعامل بحرفية بالغة مع الشركات الداعمة والمتبرعين الكبار لكي تعرض برامجها بصورة تتناسب مع أهداف هذه الشركات لتستفيد من الشراكة المجتمعية والمسئولية المجتمعية التي قد تتبعها هذه الشركات.

إضافة إلى ذلك فإن استطاعت الجمعيات الكبيرة الغنية أن تدخل في مجال الاستثمار فعليها الاستعانة بمتخصصين في مجال الاستثمار، وليكن تفرغ أحد أعضاء مجلس الإدارة من المتخصصين لاختيار مجالات الاستثمار الآمن لفوائضها المالية وبدون أن تنشغل به عن حقيقة الهدف الرئيس للجمعية في تلبية حاجات المجتمع، وكذلك عدم الانشغال بالقضايا التي ليست من صميم عملها.

يجب أن تراعي كذلك الوزارة المختصة احتياجات الجمعيات الخيرية الصغيرة بالذات من الدعم وتيسير أمورها ووضع تشريعات تساعد على نموها واستدامة حاجاتها المالية.

إقرأ أيضا لـ "حسين مدن"

العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً