العدد 4949 - الجمعة 25 مارس 2016م الموافق 16 جمادى الآخرة 1437هـ

هل يستمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في سياساته الميسرة؟

الوسط – المحرر الاقتصادي 

تحديث: 12 مايو 2017

 

فاجأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الأسواق بموقف مهادن في 16 مارس/ آذار الجاري عندما خفض توقعاته لوتيرة رفع سعر الفائدة في عام 2016 من أربع جولات إلى جولتين بواقع 25 نقطة أساس في كل مرة، وفق ما ذكره تحليل اقتصادي أعده بنك قطر الوطني اليوم السبت (26 مارس/ آذار 2016).

واعتبرت هذه الخطوة تخفيضا أكبر مما كان متوقعاً، كما انها أدت إلى انخفاض أسعار الفائدة في السوق في الولايات المتحدة وإلى تراجع قيمة الدولار. وقد منح هذا الأمر مهلة للبنوك المركزية عبر العالم وفتح مجالاً لتخفيف السياسة النقدية. لكن، توجد مجموعة من الأسباب للاعتقاد بأن الأسواق ربما بالغت في رد فعلها على الرسائل المهادنة لبنك الاحتياطي الفيدرالي وأن خطوة متشدّدة مفاجئة قد تكون في الطريق.

 

المصادر: بلومبيرغ وقسم الاقتصاد في QNB

بعد اجتماعه في شهر مارس، أبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي على سعر الفائدة الأساسي بدون تغيير  ما بين 0.25% - 0.5% كما كان متوقعاً. لكنه خفّض تقديراته لما سيكون عليه سعر الفائدة بحلول نهاية 2016 من 1.357% في ديسمبر الماضي إلى 0.875% حالياً. ويمكن تحديد أربعة أسباب وراء هذا التخفيض في التقديرات.

أولاً، ذكر  بنك الاحتياطي الفيدرالي أن التطورات الاقتصادية والمالية تمثل مخاطر  على الآفاق الاقتصادية. وشهدت بداية عام 2016 لعنة التقلبات الحادة في الأسواق المالية العالمية (انظر تقاريرنا السابقة خفض قيمة العملة الصينية يخلق مخاطر في بعض الأسواق الناشئة و هل رد فعل الأسواق على ضعف البيانات الاقتصادية العالمية مبالغ فيه؟). وقد دفع هذا الأمر  ببنك الاحتياطي الفيدرالي إلى الحذر  أكثر  بشأن رفع أسعار  الفائدة.

ثانياً، أدت البيانات الاقتصادية الضعيفة في الولايات المتحدة في بداية العام إلى تخفيض صغير  في تقديرات بنك الاحتياطي الفيدرالي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. ويقدر  بنك الاحتياطي الفيدرالي حالياً أن ينمو الاقتصاد بنسبة 2.2% في عام 2016 وبنسبة 2.4% في ديسمبر.  

ثالثاً، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض تقديراته لمعدل البطالة على المدى البعيد من 4.9% في شهر ديسمبر إلى 4.8%. وهذا هو المعدل الذي يتوقع بنك الاحتياطي الفيدرالي أن يكون عليه الاقتصاد في مرحلة التوظيف الكامل. وبالنظر إلى أن معدل البطالة يبلغ حالياً 4.9%، فإن تخفيض تقديرات البطالة على المدى البعيد يقلل ضغوط رفع أسعار الفائدة على بنك الاحتياطي الفيدراليمن أجل تهدئة الاقتصاد.

أخيراً، قام بنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض تقديراته للتضخم الكلي في نهاية السنة من 1.6% إلى 1.2% نتيجةً لتراجع أسعار النفط. وهذه النسبة أقل بكثير من النسبة المستهدفة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي التي تبلغ 2%. ويعتبر التضخم الأساسي (لا يشمل الغذاء والطاقة) الأداة الرئيسية المستخدمة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي لقياسالتضخم، ولم يتم تخفيضه، لكن ربما يكونالبنكقد وضع في الاعتبار تراجع أرقام التضخم الكلي.

قد يكونتدني أسعار الفائدة الأمريكية مفيداً للاقتصاد العالميمن خلال تخفيف السياسة النقدية في الوقت الذي تتضاءل فيه خيارات تحفيز النمو أمام أغلب البنوك المركزية الرئيسية الأخرى على مستوى العالم. وتشهد السياسة النقدية للبنكين المركزيين الرئيسيين الآخرين، البنك المركزي الياباني والبنك المركزي الأوربي، مزيداً من الانخفاض داخل المنطقة السلبية،كما أن فعالية

برامج التيسيرالكمي المتبعة من قبلهما آخذة في التراجع (انظر تحليلنا الاقتصادي بعنوان البنك المركزي الأوربي:مدفع ضخم لكن مع شح في الذخيرة). وفي الأسواق الناشئة، يوفر تراجع أسعار الفائدة الأمريكية وضعف سعر صرف الدولار مجالاً إضافياً للبنوك المركزية لتخفيض أسعار الفائدة بدون إحداث موجة من هروب رؤوس الأموال وانخفاض أسعار صرف العملة. وبالفعل، قام عدد من البنوك المركزية في الأسواق الناشئة بتخفيض أسعار الفائدة بعد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، مثل البنك المركزي الإندونيسي والبنك المركزي الصينيكما تقول التقارير. ولكن التحفيز المبني على سياسة نقدية ميسرة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي قد لا يدوم. فهناك عدد من الأسباب التي تدعونا للاعتقاد بأن هناك احتمالات لزيادة عدد جولات رفع سعر الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي لأكثر من الجولتين المتوقعتين لهذا العام.

أولاً، يبدو أن الاقتصاد العالمي قد بدأ في العودة إلى المسار الصحيح بعد الصعوبات التي واجهها في بداية هذا العام، كما عادت الأسواق المالية للانتعاش (انظر تقريرنا الاقتصادي، الأسواق تستعد لجولات رفع سعر الفائدة من قبل بنك البنك الامريكي).

ثانياً، إن سوق العمل في الولايات المتحدة ما زال قوياً و قد يرتفع الاقتصاد قريباً لما فوق مستوى العمالة الكاملة، ويقود بذلك إلى زيادة احتمالات قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة.

ثالثاً، إن التقديرات القائلة بقيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بجولتين اثنتين من رفع أسعار الفائدة لهذا العام مبنية على متوسط تقديرات المشاركين في اجتماعات بنك الاحتياطي الفيدرالي. غير أن نسبة كبيرة من المشاركين ما زالوا يتوقعون أكثر من جولتين من الارتفاعات. فمن بين 17 مشاركاً، يتوقع تسعة مشاركين جولتين خلال العام، ويتوقع سبعة مشاركين أكثر من جولتين، وواحد فقط منهم يتوقع جولة واحدة. وهذا يشير إلى أنه ليس بالضرورة أن يحدث تحسن كبير في البيانات الاقتصادية الامريكية ليرجح قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي بعدد أكبر من الزيادات في أسعار الفائدة.

وأخيراً، يمكن أن تكون توقعات بنك الاحتياطي الفيدرالي لمعدل التضخم منخفضة للغاية. فقد ارتفع معدل التضخم الأساسي بشكل غير متوقع إلى 1.7% في يناير من 1.5% في ديسمبر، واقترب بسرعة إلى نسبة 2% المستهدفة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، ويتوقع الأخير أن ينخفض الارتفاع في التضخم خلال 2016 إلى 1.6%، وذلك متوافق مع تقديراته في ديسمبر 2015. غير أن الأسواق، وعدد من المراقبين يتوقعون أن يظل التضخم الأساسي مرتفعاً باستمرار.

وعليه، فإن رد فعل السوق تجاه الخطوات المتساهلة لبنك الاحتياطي الفيدرالي قد يكون مبالغاً فيه، وربما كان يتعين على الأسواق أن تتهيأ لمفاجأة بتشديد سياسة سعر الفائدة في وقت لاحق.وإذا لم تحدث صدمات إضافية في النمو الاقتصادي والأسواق المالية العالمية، فما زال في الإمكان حدوث جولتين من جولات رفع أسعار الفائدة، وهو ما قد يؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار وتشديد السياسة النقدية في الأسواق الناشئة.

 

 





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً