العدد 4951 - الأحد 27 مارس 2016م الموافق 18 جمادى الآخرة 1437هـ

بشأن مقال مصر والمفترق الأخطر

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد اطلعت على المقال المنشور في «الوسط» بتاريخ (18 مارس/آذار الجاري) بالعنوان أعلاه، وأثار دهشتي أنه يعبر عن ثلاثة أمور:

- أولها: أنه ليس تحليلا علميا أو موضوعيا على رغم أن الكاتب المحترم أكاديمي، وبالتأكيد يعرف أن المنهج العلمي يقتضي كتابة موضوعية توضح الموضوع بجوانبه الإيجابية والسلبية، أما كاتبنا المحترم فلم يتحدث إلا عن السلبيات وجمعها جمعا بغض النظر عن موضوعاتها المتفرقة.

- الثاني: أنه يردد مقولات جماعة معينة في المجتمع المصري شعرت بالطامة الكبرى التي لحقت بها، ففقدت صوابها في تصرفاتها، حتى أن أحد كبرائهم اتهمهم بالارهاب، فقال في عز الأزمة إنه في اللحظة التي يرجع فيها مرسي للسلطة سيتوقف الإرهاب في سيناء. وهذا كلام يمثل اعترافا بما يقوم به أصحابه؛ لأن من قاله هو من القيادات العليا في الجماعة.

- ثالثها: أن كاتبنا المحترم يقول إن قناة السويس الجديدة وغيرها من المشروعات هي من العلاقات العامة. فهل يعقل أن حفر قناة بمثل هذا الحجم الذي شاهده الناس من دول عديدة يقال إنه في إطار العلاقات العامة، كما لو كان عملا وهميا وليس مسألة ملموسة على الأرض، علما بأن من ردد هذا القول هم من أعضاء الجماعة المذكورة الذين للأسف أعماهم التطلع إلى السلطة، وهذا التطلع ليس ضد أي شخص، وإنما ضد الإسلام ذاته، ولذلك روي في التراث أن طالب الولاية لا يولي، فما بالك إذا ولي هبة من الله ثم الله نزعها منه إعمالا لقوله تعالى: «قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء ...الخ الاية، (آل عمران:26)، فلا يمكن القول إن احدا نزع منهم السلطة. فالحديث القدسي يقول في معناه لو اجتمع أهل السموات والأرض على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك ما نفعوك به، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتب الله عليك ما ضروك به. ولكنها إرادة الله في اختبارهم، فلما لم يلتزموا بمصلحة الشعب، وخدعوا الجماهير، نزع الله منهم السلطة بالسرعة التي حصلوا بها عليها، فليعتبر بذلك أولو الأبصار والله على كل شيء قدير.

- رابعها: أنني أفترض أن كاتبنا المحترم لم يذهب إلى مصر وقد يكون ذهب في الماضي؛ لكن مصر تغيرت كثيرا نحو الأحسن والأفضل، وإن كان ينقصها الكثير وهذا يعترف به الجميع ولا ينكره أحد في مصر مطلقاً، فهي ليست الجنة الموعودة في الأرض؛ لكنها دولة تعاني مما يعاني منه الكثير من الدول. وربما هو لا يعرف طبيعة شعبها.

فالشعب المصري معطاء وصبور لكنه عندما يغضب ينتقم وعندما يطغى حاكمه يعاقبه. والشعب المصري يقدر ويحترم كل من يقف معه ويتسامح ويصفح عمن أساء إليه إلا لو تجاوز الحدود. والإخوة في «حماس» أعتقد أنهم نسوا قضيتهم الوطنية لمصلحة السلطة والكرسي الذي حصلوا عليه على رغم ضعفه واهتزازه، وظلوا على فراق وخصام مع إخوتهم من فتح، وفي مهادنة حقيقية مع «إسرائيل» حتى أنهم بعد وصولهم إلى السلطة مباشرة عاقبوا أفرادا من الجهاد الإسلامي أطلقوا صواريخ على «إسرائيل» أسماها أبو مازن عبثية، وهي حقّا كذلك؛ لأنها لا تقتل ولا تدمر؛ لكن تأتي بالانتقام الاسرائيلي من الشعب الفلسطيني الصابر، وبعد وصول حماس للسلطة تمسكوا بها، ولم يسمحوا بإعادة إجراء الانتخابات، كما أنهم لم يسمحوا لرفاقهم من الفصائل الأخرى بإطلاق صواريخ ضد «اسرائيل» وهو ما كانوا يعيبونه على السلطة الفلسطينية، وحقًّا قيل عن القضية الفلسطينية إنها قضية عادلة وقضية شعب مظلوم ظلمه قادته وإخوته العرب والعالم الخارجي بأسره الذي يساعد إسرائيل بالمال والسلاح وبالوعود والقرارات أو يساعدها بالرجال وتهجيرهم إليها لتعزيز الكثافة السكانية؛ لكن للأسف هذه القضية العادلة والشعب المظلوم لديهم محام فاشل، فلا يستطع أن يكسب القضية التي تتراجع يوما بعد يوم؛ لأنه غير مؤهل وكان الله في عون الشعب الفلسطيني البطل.

- خامسها: أنه في السياسة كما يعرف أي دارس مبتدئ أن مبدأ السيادة هو أول المبادئ في العلاقات بين الدول وحرمة الأراضي، واحترام الحدود وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى هي من المبادئ المستقرة في القانون الدولي، ولا يسمح بانتهاكها حتى ولو من أقرب الأصدقاء أو الاشقاء، فهذا لا تقبله أية دولة. التي تقبل أن تساعد الاخ الشقيق ولا تقبل أية دولة أوأي شخص أن يأخذ منه أخوه شيئا بالسرقة أو بدون استئذان، ويعرف الجميع أنه انتهاك لمبادئ الاسلام الذي نهي عن دخول البيت دون الاستئذان من صاحبه أما حفر الانفاق وما شابهها فلا استئذان، وتهريب السلع والمتفجرات والإرهاب مرفوض ولا يقبله أحد.

إنني أدعو كاتبنا الأكاديمي المحترم إلى أن يعيد النظر في منهج كتابته للمقال المذكور، وأن يذهب إلى مصر وهي ترحب بكل شقيق يدخل من الباب، ويرغب في التعرف عليها بموضوعية وفقا للقواعد المعمول بها في دول العالم كافة، وسيتعرف على الحقائق ويدرك أنها ليست علاقات عامة وإنما حقائق قائمة على أرض الواقع، كما أنه بالتأكيد يعرف أن من أبسط مبادئ علم الاقتصاد أن المشروعات الكبرى لا تدر الربح أو العائد إلا بعد بضع سنوات، ولا تبنى بين يوم وليلة، ولكن أية مشروعات تأخذ وقتا. كما أنني على يقين بأنه يعرف أن العالم بأسره يواجه ركوداً اقتصاديًّا وتدهورًا في أسعار النفط.

وتعاني من ذلك جميع الدول على حد سواء، فما بالك بمصر التي يتآمر بعض أهلها ويتعاونون على تدميرها بالإرهاب، وقتل رجال الشرطة والقوات المسلحة الذين مهمتهم حماية الوطن وحماية المواطنين المنضبطين الذين يحترمون النظام كما في الدول الأخرى جميعا. ويؤدون واجباتهم فتحترم لهم الدولة حقوقهم.

كما يتحدث كاتبنا المحترم عن العاصمة الإدارية لمصر وعن سد النهضة، وهكذا لا يجد في مصر أي شيء إيجابي مطلقا، سامحه الله على ما قال في حق مصر وشعبها الذي ضحى ومازال يضحي من أجل وطنه وعروبته. ووقانا الله جميعا شر الظالمين والمؤدلجين الذين لا يرون إلا اللون المظلم، وحقا المثل الصيني لأن تضيء شمعة خير من أن تلعن الظلام، وأنا أتصور أن الباحث أو الكاتب يقدم التحليل الموضوعي والرؤية لمعالجة الأزمة، وبذلك يساهم إيجابيا بإلقاء الضوء لإنارة الطريق وتوضيح الحقائق بدلا من الكلام المرسل والاتهامات غير الصحيحة.

واشكر صحيفة «الوسط «على إتاحة الفرصة للنشر البناء، واشكر كاتب المقال الذي أتاح لي الفرصة للتحاور معه، وأنا أقدره تمام التقدير؛ لكنني أختلف معه في الرأي بالنسبة إلى مقال مصر والمفترق الأخطر، إننا في ملتقى مهم تتفرع عنه الطرق، فتتلاقى حينا وتفترق حينا آخر، و مصر ستظل حاضنة الجميع ومن حقهم نقدها بموضوعية، وهذا سر عظمة مصر، ونطالبها بالكثير، ولقد قال عنها القرآن الكريم»ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين» (يوسف: 99)، والذي يحقق لمصرالأمن والأمان هو جيشها البطل الذي حماها من الانهيار؛ لأنه جيش وطني يؤمن ببلاده وبعروبته، ولهذا كثيرا ما تصدى للرؤساء السابقين، وهو ليس جيشا للحاكم الذي يبيد شعبه، كما في بلاد عربية كثيرة ولا جيشاً طائفيّاً يدافع عن العشيرة والطائفة، إنه جيش مصر التي حاربت الهكسوس والصليبيين والتتار وغيرهم من الغزاة عبر السنين، و التي قال عنها النبي الكريم «إذا فتح الله عليكم مصر فاستوصوا بأهلها» أي الأقباط خيراً وإذا فتح الله عليكم مصر فخذوا منها جندًا فإنهم خير أجناد الأرض وهم في رباط إلى يوم القيامة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4951 - الأحد 27 مارس 2016م الموافق 18 جمادى الآخرة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 6:38 م

      السيد السفير الدكتور محمد نعمان جلال من جيل السفراء العظماء بالخارجية المصرية،وقد بقي سفيرا عظيما لمصر حتى بعد تركه للخدمة بالوزارة،ولم يكن من الممكن أن يقرأ ما كتبه صاحب العمود المذكور دون أن يسثار ودون أن يرد على صاحبه،ورغم أن صاحب هذا العمود كاتب غير معروف وليس له أي تأثير،ورغم أن ما يكتبه ذلك الكاتب لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا،إلا وطنية الدكتور نعمان وحبه لبلده جعلته يرد عليه في تلك المساحة.وشكرا لجريدة الوسط أن أفسحت المجال للجميع.

اقرأ ايضاً