العدد 4957 - السبت 02 أبريل 2016م الموافق 24 جمادى الآخرة 1437هـ

محطات من الوفاء... ووفاء لمحطات وأدوار أحد روَّاد الكويت

«تاريخ عبدالله مبارك الصباح في صور»...

الشيخ عبدالله السالم والشيخ عبدالله المبارك في استقبال أمير البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد
الشيخ عبدالله السالم والشيخ عبدالله المبارك في استقبال أمير البحرين سمو الشيخ سلمان بن حمد

«تاريخ عبدالله مبارك الصباح في صور»، للشاعرة والأكاديمية والناشطة في مجال حقوق الإنسان الشيخة سعاد محمد الصباح، ليس استعراضاً لمحطات تاريخ واحد من روَّاد الكويت الذين شهدوا نهضتها وقيام مؤسساتها؛ بل هو تاريخ من الوفاء ظلَّت سعاد الصباح متمسِّكة به، وحاضرة في مُثُله وشواهده التي لم تنفصل عنها منذ رحيل شريك حياتها المغفور له الراحل عبدالله المبارك الصباح. هو أيضاً وفاء لتاريخ الزوج والأب في الوقت الذي هو وفاء لرائد وصانع من صنَّاع الكويت.

الكتاب الذي صدر في العام 2015 عن شركة دار سعاد الصباح للنشر والتوزيع في أكثر من 500 صفحة من الحجم الكبير، واحتلَّت الصور المساحة الأكبر منه، يقف على محطات وأدوار ومفاصل تاريخية شهدتها الكويت، ودور الراحل في ذلك التاريخ، والمسئوليات التي أنيطت به، وعمليات التحديث التي أدخلها وساهم في وجودها، ومواقفه العروبية، وتعاطيه مع كثير من الملفات التي رسَّخته رقماً صعباً في بيت الحكم، وتسلُّمه لمهام نائب حاكم الكويت.

في مقدمة الإصدار تكتب سعاد الصباح، معرِّفة بالراحل، والأدوار التي لعبها في حياة الكويت، وبناء مؤسساتها في حقبة الخمسينات من القرن العشرين «وهي مرحلة حافلة بالأحداث المهمة والمؤثرة، وامتدَّت مسئوليات الرجل لتشمل مجالات عديدة أثرت في مسيرة المجتمع والدولة في الكويت».

من حيث الولادة والنشأة تبدأ، في وقت لم توجد فيه سجلَّات منتظمة لتسجيل المواليد، واختلاف التقديرات في تاريخ مولده، مشيرة إلى الأرجح منها وهو الثالث والعشرون من أغسطس/ آب 1914.

في مناخ وبيئة البادية كانت طفولته، حيث اكتسب من تلك البيئة قيمه وأخلاقه ومبادئه القويمة، وأهَّلته ليكون بعد سنوات رجلَ دولة متميزاً، بالمسئوليات التي اضطلع بها.

تلك الأصول القبلية وامتداداتها، والنشأة في الصحراء، لم تحل بينه وبين أن يفتح عينه على الحداثة من حوله ضمن أطوارها التي بدأت تتضح ملامحها، آخذاً منها ما يضيف ويدفع بمجتمعه وبلده الذي كان في أول النشأة.

المرحلتان الأولى والثانية

في المقدمة نفسها عروج إلى مرحلتين في حياة الراحل عبدالله مبارك الصباح، الأولى: التي تبدأ من تولِّي الشيخ أحمد الجابر الحكم في العام 1921، وحتى ظهور النفط بكميات تجارية في العام 1946. «فبعد فترة من التحاق الشيخ بأحد الكتاتيب، انضم إلى صفوف طلبة المدرسة المباركية، ولم تتأخر إطلالة الشيخ على الشأن العام»، حيث عُهِد إليه وهو لمَّا يتجاوز الثانية عشرة من عمره القيام بمهمة المشاركة في حراسة السور الذي كان يحيط بمدينة الكويت، فتولَّى مع أقرانه مسئولية حماية المدينة من المعتدين.

المرحلة نفسها كانت الممهدة لتحمل مسئوليات الأمن بعد سنوات، وإن كان تولاها بإدارته لشئون الأمن وقتها، علاوة على توليه دور المساعد للشيخ علي الخليفة العبدالله الصباح الذي كان حاكماً (محافظاً) لمدينة الكويت، ومديراً لدائرة الأمن فيها؛ إذ اضطلع بمسئولية مكافحة التهريب في ثلاثينات القرن الماضي.

في العام 1942 تسلَّم الشيخ عبدالله رئاسة دائرة الأمن العام، وبسبب أدائه وتشجيع الشيخ أحمد الجابر، تنامت مسئولياته وخصوصاً في فترة الحرب العالمية الثانية، ليزداد مع تلك الأدوار دوره السياسي، لفت على إثره نظر الحكومة البريطانية التي منحته في العام 1945 وسام الإمبراطورية الهندية من درجة رفيق (CIE).

أما المرحلة الثانية التي تمتد من الفترة 1946 و 1961، فقد عرفت تغيرات اقتصادية واجتماعية سريعة طرأت على المجتمع الكويتي، بفعل الثروة النفطية، التي أحدثت تحولات في نمط المعيشة وأسلوب الحياة، ومنها بدأ تبلور مؤسسات الحكم واتضاح مؤسسات الدولة الحديثة، وما تبع ذلك من انفتاح على العالم الخارجي.

مجالات عديدة تسلم مسئولياتها وثبَّت أركانها من بينها: الأمن العام، الجيش، التعليم والطيران، من دون أن ينسى الدور المهم الذي يمكن أن تلعبه مؤسسات القطاع الأهلي في بداية نشأتها.

الأمن والجيش

تشير الشيخة سعاد الصباح إلى أن الشيخ عبدالله مبارك الصباح عندما تولى رئاسة دائرة الأمن العام بعد وفاة الشيخ علي الخليفة الصباح في العام 1942، شرع في استكمال كوادرها وأطرها؛ فأنشأ أول مدرسة للأمن العام، وتبرَّع بمنزل والدته في شارع السور وخصَّصه كمقر لها، وبطلب من أمير الكويت أعد العدَّة لإنشاء إدارة تتولى شئون الجوازات والسفر، وتم افتتاحها رسمياً في يناير/ كانون الثاني 1949.

وفيما يتعلق بالجيش، نشط الشيخ عبدالله في الأعوام الثلاثة السابقة للاستقلال، في مجال إبرام عدد من صفقات السلاح مع بريطانيا؛ علاوة على سعيه لبناء القوات البرية والبحرية، إضافة إلى تحرُّكه لبناء سلاح الجو الكويتي «لكن هذا المسعى اصطدم بالعراقيل التي وضعتها السلطات البريطانية التي لم تكن راغبة في التخلِّي عن دورها الأمني»، ومع نهاية خمسينات القرن الماضي، أصبح الشيخ عبدالله الشخصية البارزة في حكم الكويت، ونائباً لحاكمها.

الطيران المدني

كانت الكويت مبكرة في انفتاحها على العالم الخارجي، لكن التطورات والتحولات المتسارعة التي أحدثها تدفق النفط في أربعينات القرن الماضي، سرَّعت من وتيرة قيام وبناء مؤسسات الدولة الحديثة، ولم يكن تعميق الروابط مع العالم الخارجي بمنأى عن ذلك التحديث، ومن هنا كان العمل على قيام وتأسيس قطاع الطيران المدني.

وبحسب كتاب سعاد الصباح استناداً إلى الوثائق البريطانية، فإن الشيخ عبدالله افتتح نادي طيران الكويت ومدرسة الطيران في أواسط شهر مارس/ آذار 1953، كما أنه ترأس احتفالاً كبيراً بمناسبة تخريج أول دفعة من الطيارين الكويتيين في ديسمبر/ كانون الأول 1954، ومن ذلك الدور والجهد تم تشكيل النواة البشرية للعاملين في شركة طيران الكويت، وسلاح الجو الكويتي.

أثمرت تلك الجهود مجتمعة عن وصول أول طائرات الخطوط الجوية الكويتية (كاظمة) في 16 مارس 1954 «وبموجب صلاحياته كقائم بأعمال الحاكم، أعلن الشيخ عبدالله المبارك في أكتوبر/ تشرين الأول 1956 إنشاء دائرة الطيران المدني، وربطها بدوائر الأمن تحت إشرافه».

انزعاج بريطانيا لعلاقته بعبدالناصر

امتدَّت علاقات الشيخ عبدالله لتشمل العديد من دول العالم، لكن العمق العربي كان في أساس وصلْب تلك العلاقات التي حرص على تثبيتها وتعميقها، وكان صاحب مواقف وطنية عروبية تبدَّت في الكثير من المفاصل والأحداث وقتها، امتداداً إلى زعماء الدول الأخرى. كانت مصر في قلب تلك الدول، وخصوصاً ضمن محيطها العربي، ولا يُنسى موقفه تجاهها حين بادر في العام 1953 إلى الدعوة لحملة اكتتاب واسعة في الكويت للمساهمة في دعم تسليح جيش مصر، وكان المغفور له موضع حفاوة وتقدير من كل المسئولين؛ وخصوصاً الرئيس جمال عبدالناصر الذي قلَّده أعلى الأوسمة المصرية، والرئيس أنور السادات، واستمرت العلاقة الشخصية بينهما بعد استقالة الشيخ عبدالله من الحكم.

واتسمت علاقة الشيخ عبدالله المبارك مع بريطانيا بالتعقيد «ولم تكن سهلة أو يسيرة، فلم تكن لندن سعيدة بعلاقته مع ثورة 1952 والرئيس جمال عبدالناصر»، وكذلك تأييده نضال الشعب الجزائري من أجل الاستقلال «كذلك لم تكن مرتاحة لاتخاذه قرارات تتعلق بالشئون الخارجية دون التشاور مسبقاً مع الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، مثل إلغاء تأشيرات دخول العرب للكويت، أو قبوله وساماً من الحكومة اللبنانية في العام 1945 قبل استئذان حكومة صاحبة الجلالة (...)».

أما المملكة العربية السعودية فكانت تربطه بها علاقات الأخوة والمحبة والجوار، وربطته علاقات متميزة مع الملك الراحل سعود بن عبدالعزيز «وحين خرج من السعودية لعب الشيخ عبدالله دوراً في إقناع الرئيس جمال عبدالناصر لكي توافق مصر على إقامة الملك في ربوعها».

وكذلك بقية الدول العربية مثل لبنان وسورية والعراق والجزائر والمغرب؛ حيث دعم الشيخ عبدالله المبارك جهود ملك المغرب محمد الخامس «في سبيل إنهاء الاحتلال الفرنسي لبلاده».

وعن فترة توليه مسئوليات كبرى، هنالك محطات تولى فيها المغفور له الشيخ عبدالله المبارك مسئولية نائب حاكم الكويت. كانت المرة الأولى في العام 1952 ولمدة 3 أشهر، وفي العام 1954 لمدة شهرين، وفي العام 1955 لمدة 3 أشهر، وفي العام 1956 لمدة شهر واحد، وفي العام 1957 لمدة 4 أشهر، وفي العام 1958 لمدة 9 أشهر، وفي العام 1959 في أغلب الشهور لسفر الحاكم كل شهر من شهور السنة ما عدا شهر أكتوبر، وفي العام 1960 لمدة 6 أشهر».

عقود طويلة ساهم فيها الشيخ عبدالله المبارك بذلك الدور الطليعي من دون ضجيج، وترك بيت الحكم في العام 1961 من دون ضجيج أيضاً بعد أن اطمأن إلى أن الكويت سائرة في طريقها الصحيح بفضل حكمة وكياسة بيت الحكم. وقدِّر له أن يكون إلى جوار ربه بعد أربعة أشهر من تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، وتحديداً في 15 يونيو/ حزيران 1991.

ضوءان

يُذكر أن عبدالله مبارك الصباح ولد في 23 أغسطس 1914. والده مؤسس دولة الكويت الحديثة مبارك الكبير. شارك في الثانية عشرة من عمره في حراسة إحدى بوابات سور الكويت. عمل مساعداً للشيخ علي الخليفة كحاكم لمدينة الكويت، وكمدير لدائرة الأمن العام. تولَّى مسئولية مكافحة أعمال التهريب والإشراف على البادية. أصبح مديراً لدائرة الأمن العام في العام 1942، وقام بإنشاء دائرة الجوازات والسفر في العام 1949. قام بمهام نائب الحاكم في عهد الشيخ عبدالله السالم الصباح، وامتدَّ نشاطه إلى العديد من المجالات، فأسس إذاعة الكويت في العام 1952، ونادي الطيران ومدرسة الطيران في العام 1953، ودائرة الطيران المدني في العم 1956.

كان الرئيس الفخري للنادي الثقافي القومي، كما ترأس جلسات مجلس المعارف أكثر من فترة. تم دمج دائرتي الشرطة والأمن العام في دائرة واحدة تحت رئاسته في العام 1959.

وضع اللبنات الأساسية في بناء القوات المسلحة الكويتية منذ تعيينه قائداً عاماً للجيش في العام 1954، وعمل على تزويد الجيش بالأسلحة الحديثة والتدريب المتطوِّر.

كان له دور عربي بارز، وقام بإلغاء تأشيرات الدخول بالنسبة إلى العرب، على رغم معارضة الوكيل السياسي البريطاني، ودعا إلى انضمام الكويت إلى الجامعة العربية في العام 1958.

دخل أكثر من مواجهة مع السلطات الإنجليزية بسبب حرصه على استقلال الكويت، وإصراره على عدم تدخل لندن في الشئون الداخلية لها.

قدَّم استقالته من كل مناصبه في أبريل/ نيسان 1961، وقرَّر عدم الاستمرار في الحياة السياسية.

بعد تحرير الكويت بأربعة أشهر انتقل إلى رحمة الله تعالى في 15 يونيو/ حزيران 1991.

وبالنسبة إلى مؤلفة الكتاب الشاعرة والأكاديمية سعاد الصباح، فهي حفيدة حاكم الكويت السادس، الشيخ محمد الصباح. حاصلة على دكتوراه في الاقتصاد من جامعة ساري البريطانية في العام 1982. تجيد اللغتين العربية والفرنسية. شاعرة عربية وناشطة في مجال حقوق الإنسان، وناشرة ومؤلفة. رئيس مجلس إدارة شركة المجموعة العملية القابضة. أسست دار سعاد الصباح للنشر في العام 1988. رئيس مؤسسة مبرَّة عبدالله مبارك الصباح الخيرية. حاصلة على جائزة الكويت التقديرية في الآداب والفنون في العام 2002. منحتها المنظمة العربية لحقوق الإنسان في القاهرة بطاقة العضوية رقم (1) تقديراً لدورها في قيام المنظمة واستمرارها.

لها عدد من الإصدارات الشعرية من بينها: «ومضات باكرة»، (1961)، «لحظات من عمري» (1961)، «من عمري» (1964)، «أمنية»، (1971)، «إليك يا ولدي»، (1982)، «فتافيت امرأة»، (1986)، ومن الديوان المذكور غنّت اللبنانية ماجدة الرومي قصيدة «كن صديقي» التي لحّنها ووزعها الموسيقار اللبناني عبدو منذر، «في البدء كانت الأنثى»، (1988)، «حوار الورد والبنادق»، (1989)، «برقيات عاجلة إلى وطني»، (1990)، «آخر السيوف»، (1991)، «قصائد حب»، (1992)، «امرأة بلا سواحل»، (1994)، «خذني إلى حدود الشمس»، (1997)، «القصيدة أنثى والأنثى قصيدة»، (1999)، و «الورود تعرف الغضب»، (2005)، وغيرها من الأعمال الشعرية والنثرية.

الشيخ عبدالله المبارك والشيخ عبدالله السالم في محطة الشويخ العام 1953
الشيخ عبدالله المبارك والشيخ عبدالله السالم في محطة الشويخ العام 1953
الشيخ عبدالله المبارك مع زوجته وابنائه العام 1980
الشيخ عبدالله المبارك مع زوجته وابنائه العام 1980
غلاف الكتاب
غلاف الكتاب




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:41 ص

      اللة يرحمة بواسع رحمتة أبو مبارك ...كان بالفعل رجل دولة وثمرة نتاجة زوجتة الدكتورة الاقتصادية والشاعرة سعاد محمد الصباح وكذلك ابنة الشيخ محمد عبداللة المبارك وزير دولة .

    • زائر 2 زائر 1 | 12:42 م

      الله يرحمه ويحفظ الكويت

اقرأ ايضاً