العدد 4963 - الجمعة 08 أبريل 2016م الموافق 30 جمادى الآخرة 1437هـ

أندرسون: فيلم مُخيِّب للآمال لم يهتم بما خلَّفتْه إنجازات غيرترود بيل

العالم الجديد لهيرتزوغ... «ملكة الصحراء»...

مُلصق الفيلم
مُلصق الفيلم

هو «فيلم مُخيِّب للآمال لم يهتم بالتأثيرات التي خلّفتها إنجازات (غيرترود بيل)»، ذلك جانب من مراجعة كتبها الصحافي في «بي بي سي» ماثيو أندرسون عن فيلم «ملكة الصحراء» الذي أخرجه الألماني فيرنر هيرتزوغ، والذي أدَّت البطولة فيه نيكول كيدمان، إلى جانب كل من: جهاد عبدو، جيمس فرانكو، روبرت باتينسون، داميان لويس، وكريستوفر فولفورد.

«العالم الجديد لهيرتزوغ... قصة امرأة (ملكة الصحراء)»، هو العنوان الذي كتبته راشيل دوناديو، في تقريرها من العاصمة الألمانية (برلين) بتاريخ 6 فبراير/ شباط 2015، ونشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، في إيحاء بعالم الصحراء لتصوير مشاهد فيلمه في كل من المغرب والأردن وبريطانيا، بعد أن عُرف بتصوير مشاهد بعض أفلامه في بيئة قاسية تحدَّدت في القطب الجنوبي، وأحدها في غابات الأمازون، وسنأتي على تفاصيل ذلك لاحقاً.

تقريراً وشبه إجماع من قِبل عدد من النقاد، حقَّق الألماني هيرتزوغ فشلاً بفيلمه في توظيف قصة عالمة الآثار والمؤرِّخة والمستشرقة البريطانية، ومستشارة المندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس في العشرينات من القرن الماضي غيرترود بيل (14 يوليو/ تموز 1868 - 12 يوليو 1926)، التي تُعدُّ من أكثر الشخصيات التي لعبت دوراً محورياً في إعادة رسم خريطة المنطقة في فترة من تاريخها، والأكثر تأثيراً في تاريخ العراق، من حيث دورها في وضع دستوره، أو صنع ملوكه، بما تمتَّعت به من دراية ومعرفة وخبرة وارتباط بالإمبراطورية البريطانية، وكانت «سكرتيرة بريطانيا في الشرق»، في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، وتفكُّك الإمبراطورية العثمانية. يفشل بتركيزه على قصتي حب عاشتها بيل، لتنتهيا بالفشل. ما القيمة التي يريد تقديمها هيرتزوغ هنا؟ تجاوزاً وركْناً لتاريخ امرأة لم تتردَّد أقلام في الداخل والخارج بإضافة لقب الجاسوسة لها، علاوة على كل الدور الذي لعبته في تاريخ العراق والمنطقة عموماً؟

أول الحكاية

الفيلم الذي يروي قصة بيل، الشابة المتعلِّمة التي ترى صعوبة العثور على زوج في بلادها، في ظل أسرة أرستقراطية، لتقرِّر السفر إلى طهران. ترتبط بقصة حب مع دبلوماسي هناك (هنري كادوجان)، تنتهي بالفشل وعدم موافقة والدها الزواج منه، واتضاح أنه كان مقامراً. لم تجد بدَّاً من تجاوز التفاصيل تلك بكل ما سبَّبته لها من آلام سعياً وراء التعرُّف على المنطقة، والوقوف على ثقافتها. يتطلَّب منها ذلك معرفة لغات، وتخوض تجربة مع ترجمة في مجالات أدب المنطقة. يُتيح لها ذلك التعرُّف على شخصيات كبرى ومهمِّة في عواصم ومدن وحواضر مثل: البصرة وبغداد والقاهرة. ستقود معرفتها بالشخصيات تلك إلى أن تكون موضع ثقة بالذكاء الذي تتمتع به، وحسن تصرُّفها؛ ما يؤهِّلها إلى أن تقوم بأدوار الوساطة بين الإمبراطورية البريطانية والشرق، وفي أثناء ذلك يُقدَّر لها أن تمر بقصة حب أخرى.

نعود إلى رؤية أندرسون في مراجعته التي كتبها بتاريخ 16 فبراير 2015، والتي أشار فيها إلى أن هيرتزوغ لم يهتم بتداعيات التاريخ والسياسة التي نفذتها إمبراطورية هنا أو هناك. لا مكان لكل ذلك في عمل لم يرَ ضرورة لأن تكون محور الفيلم وعصَبه.

ويضيف في مراجعته قائلاً، بأن فيلم «ملكة الصحراء»، لا يقترب من التعليق عمَّا يجري سياسياً، مُوضحاً أن المغامرة الاستعمارية عموماً «ليست سوى خلفية نابضة بالحيوية لحقبة مليئة بعاطفة مأسوية لقصتيْ حب في حياة بيل».

ويُقرِّر أندرسون بأن ذلك هو بمثابة عيْب وفرصة ضائعة «إذ يتناول الفيلم حياة امرأة تحدّت تقاليد وأعراف زمانها»، فيما يضعها هيرتزوغ في أكثر القوالب المبتذلة.

المغامرة في أرض مجهولة

في التناوب على الرؤيتين، عودة إلى مراجعة راشيل دوناديو في «نيويورك تايمز»، والتي أشارت فيها إلى أن أفلام فيرنر هيرتزوغ حققت الكثير عن مفاخر الرجال المغاوير الذين يتنازعون مع بعض في أكثر البيئات القاسية على الأرض، من نهر الأمازون إلى القارة القطبية الجنوبية. لكن مع «ملكة الصحراء»، والذي قُدِّم للمرة الأولى في مهرجان برلين السينمائي السنوي الدولي الخامس والستين، يغامر المخرج في أرض مجهولة بالنسبة له: قصة حب من بطولة امرأة.

الفيلم كتبه هيرتزوغ أيضاً، من بطولة نيكول كيدمان، في دور المؤرِّخة والرحَّالة البريطانية المِقدامة التي نُظر إليها باعتبارها النسخة النسائية لـ «لورنس العرب».

في فيلم هيرتزوغ، لا تنبع استكشافات بيل في الشرق الأوسط أساساً من الاهتمام بالسياسة، على رغم معرفتها المعقَّدة بالقبائل المتصارعة من دمشق إلى الرياض، وعلى رغم أنها لعبت دوراً حاسماً عندما أعاد البريطانيون رسم خريطة الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى، وتفكّك الإمبراطورية العثمانية. بدلاً من ذلك، كانت مدفوعة بالشعور بالاختناق جراء حياتها الأرستقراطية في موطنها من جهة، والفراغ الذي كانت تشعر به بعد تجربتين فاشلتين وقاسيتين جرَّاء علاقتي حب: الأولى مع دبلوماسي بريطاني في طهران هنري كادوجان (يمثل دوره جيمس فرانكو)، والذي يعرب والدها عن عدم قبوله زوجاً لها، ثم علاقتها مع قنصل بريطاني متزوِّج، تشارلز داوتي، (يمثل دوره داميان لويس)، والذي كانت تتبادل معه رسائل الحب من حيث موقعها في الصحراء.

برزت وجهات نظر حول الفيلم رأت أنه جاذب من جهة ومُخيِّب للآمال من جهة ثانية، بتركيز المخرج على سيارة تقليدية للنجمة، أو الميلودراما أكثر من تنقيب هيرتزوغ عن مواقف من الجنون أو الهوس في تلك البيئة.

ليس درساً في التاريخ

فيما يتعلق بارتباط بيل بمنطقة الشرق الأوسط، قال هيرتزوغ، إنه ينبغي أن ينظر إلى الفيلم باعتباره قصة، وليس باعتباره درساً في التاريخ، أو جدلاً حول رسم الخرائط والحدود ما بعد الحرب العالمية الأولى.

وقال إن حياة بيل «كانت أكثر روعة من التعقيدات السياسية» في السنوات الأخيرة من حياتها. بيل التي توفيت في العام 1926، ساعدت في رسم حدود الدولة العراقية الحديثة، والتي تم تفكيكها جرَّاء الصراعات التي نشأت في العقد الماضي.

وفي إشارة إلى أفلامه «أغوري، غضب الله»، « فيتسجيرالدو» و «الملازم السيئ»، قال هيرتزوغ: «اعتقدت دائماً بأنني مخرج أفلام للرجال»، مضيفاً «كان عليَّ أن أصنع أفلاماً عن الشخصيات النسائية قبل زمن طويل. وأنا سعيد بتحقُّق ذلك، وعليَّ أن أواصل هذا النهج».

فيلم «ملكة الصحراء» هو واحد من أفلام هيرتزوغ التي لا تجعلك تشعر بشكل اعتيادي، ذلك الذي تم تصوير مشاهده في كل من: المغرب، الأردن وبريطانيا، في ظل ظروف أكثر ملاءمة من أفلام هيرتزوغ السابقة، والتي اشتهرت بتصويرها في ظل ظروف قاسية مثل تلك أنجزت في القارة القطبية الجنوبية، حيث تدور أحداث فيلمه الوثائقي «لقاءات في نهاية العالم»، ورشِّح لنيل جائزة الأوسكار.

من ناحيتها قالت كيدمان بأنها في مرحلة من حياتها كانت تبحث عن مغامرات جديدة. «لا أريد أن أكتفي بالجلوس ويتم دفعي إلى الأستوديو لإنجاز فيلم». مضيفة «عندما سألني فيرنر، هل أود الذهاب إلى المغرب والعيش في الصحراء معه؟ قلت: هل يمكنني أخذ أطفالي معي؟ قال: «نعم، ستكون هناك خيمة لأطفالك». وهذا ما فعلناه تماماً».

وعودة مرة أخرى إلى مراجعة أندرسون للفيلم؛ إذ يقف هنا على دورها الرئيس والمحوري في تشكيل العراق الجديد، مُبيِّناً أن لبيل تأثيراً كبيراً وقت إعادة رسم خريطة المنطقة بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى؛ حيث كانت بمثابة «سكرتيرة الشرق لبريطانيا»، وكان لها دورها الكبير في وضع حدود العراق؛ علاوة على كتابة دستوره، وموقفها الضاغط لمساندة الأمير فيصل ليتم تنصيبه ملكاً على ذلك البلد الجديد.

ضوء

يعرف العراقيون القدماء غيرترود بيل بلقب «الخاتون». اقترحت هي وتوماس إدوارد لورنس قيام مجلس تأسيسي للدولة العراقية بهدف تنصيب الأمير فيصل بن الحسين ملكاً على العراق, ولها الفضل في تأسيس المتحف العراقي وظل المتحف حافظاً لأهم الآثار التي وجدتها، والآثار العراقية البابلية القديمة والمخطوطات والتحف حتى العام 2003 في ظل تدهور الأوضاع أثناء حرب العراق؛ فقد سرقت وخرّبت الكثير من الآثار، وقد أرجع بعض منها خلال الفترة ما بعد العام 2006.

من القصص المعروفة عنها في الأوساط الشعبية، قصتها مع أحد قطاع الطرق (ابن عبدكه) الذي اشتهر في مناطق شمال بغداد، في مطلع القرن العشرين، وحدث أن استولى على القطار الصاعد من بغداد، والتقى فيه بـ «مس بيل» التي كانت تستقل القطار، وحين عرفها أكرمها، وعاملها بحفاوة، فتوسطت له، وأسقطت عنه الملاحقات القانونية، ووظفته في الدولة. وقد زارت منطقة حائل في السعودية أوردت مشاهداتها عنها في مذكراتها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:47 م

      انا دارس لحياة جروترد بيل. لا يمكن خزن حياتها في فيلم واحد. لشرح و وصفها يجب عمل المسلسلات. التوقع من ان يكون الفيلم شاملا و كاملا في اعتقادي طلب غير عادي. الفيلم مؤشر لشخصية معينة و المهتم عليه بالدراسة لمعرفة أكثرز

اقرأ ايضاً