العدد 4970 - الجمعة 15 أبريل 2016م الموافق 08 رجب 1437هـ

الفيلم التركي «سبات شتوي»: حين تموت قلوبنا

فاز بسعفة «كان» الذهبية العام 2014...

إيدين في لقطة من الفيلم
إيدين في لقطة من الفيلم

هل تقبل الأفلام السينمائية المَشاهد ذات الحوارات الطويلة التي تضم تفاصيل كثيرة ومتشابكة حول الأحداث والمشاعر وكمّاً لا بأس به من المواعظ الاجتماعية

والتحليلات الفلسفية وما إلى ذلك؟ وهل يجعل ذلك من المشهد السينمائي أقرب إلى فصل روائي أو حالة مسرحية؟ أم أن ما يهم في الحالة السينمائية، فعلاً، هو نقلها عبر

أكبر قدر ممكن من الإبهار البصري والتأثير النفسي. ويبقى السؤال الآخر حول كيفية تحقيق هذا الإبهار والتأثير، وإن كان يأتي عبر صورة جميلة أم عبر أداء وتجسيد عالٍ

لشخصية ما أم حبكة متقنة أم نص عميق ذي رؤية فلسفية متبصّرة.

ربما يكون هذا أو ذاك، وهذا ما يحدث في الفيلم الدرامي التركي «سبات شتوي»Winter Sleep الذي تم إنتاجه العام 2014 والذي يعد واحداً من أهم الأفلام التركية في السنوات الأخيرة، والذي تمكّن من استيعاب كمّ لا بأس به من المشاهد الطويلة المتخمة، ولم يحلْ ذلك دون فوزه بجائزة السعفة الذهبية في الدورة 76 لمهرجان كان السينمائي. لا تتصاعد أحداث الفيلم بشكل دراماتيكي ولا تصل الأمور فيه إلى أي عقدة أو ذروة، كما لا يتضمن كثيراً من عوامل الجذب السينمائية من مشاهد عاطفية بصرية أو غيرها، لكنه على رغم ذلك لن يكون مملاً لمشاهديه، وإن تجاوزت مدته 196 دقيقة أي ما يزيد على الثلاث ساعات.

بشكل أوَّلي يبدو وكأن الفيلم يطرح قضية الفوارق الطبقية في منطقة الأناضول التركية «أناتوليا»، بين الغني والفقير، بين القوي والضعيف، لكن مع انقضاء الساعة الأولى، سنعرف أننا أمام سؤال أكبر، قد تبدو إجابته واضحة، لكنها لن تأتي إلا بالغوص في أعماق شخصيات الفيلم وبتفكيك تلك الشخصيات ومعرفة أساليب وفلسفة تفكيرها ونظرتها إلى الحياة، وموقفها من الأشياء حولها، وهو ما فعله الفيلم عبر مشاهده ذات الحوارات الطويلة.

السؤال الذي يطرحه الفيلم يدور حول ما يمكن أن يحدث حين تغفو قلوبنا وتذهب في سبات عميق. حين لا نشعر بالآخر، حين تبدو حياتنا وكأنها تدور حول ذواتنا فقط. حين تكون اللامبالاة عنواناً لسلوكياتنا، حين ننتقد الآخرين بسطحية... بعجرفة وبلا أدنى شعور وتعاطف مع ظروفهم، فيما نجلس في مقاعدنا المريحة، ونتطلع إليهم من أبراجنا العاجية.

ذلك ما يحدث لإيدين في الفيلم، الممثل السابق، الثري الذي يعتاش من عقارات كثيرة ورثها عن والده، والذي يعيش في فندق صغير يقع في وسط جبال منطقة كابادوشيا التاريخية التي تقع في وسط الأناضول. تقاسمه السكن في الفندق زوجته نهال، التي تصغره بكثير، وشقيقته نيكيلا التي انفصلت أخيراً عن زوجها. إيدين الذي تهجر المشاعر روحه كما يهجر السياح فندقه بحلول فصل الشتاء، تبدو غرفه قلبه خالية من أي إحساس إنساني، كما هي غرف فندقه تماماً. ففيما يبدو الآخرون من حوله منشغلين بهموم حياتية مختلفة؛ سواء من القرويين المطحونين أم من المتعلمين والمثقفين الذي يحملون همّ مجتمعاتهم الصغيرة، أم من أفراد أسرته الصغيرة، يعيش إيدين حياة «شاعرية» مختلفة، يقضي وقته في كتابة الأعمدة لصحيفة محلية لا يقرأها كثيرون، حول موضوعات لا تهم أحداً، أو في البحث حول تاريخ المسرح التركي أملاً في تأليف كتاب حول الموضوع.

لا يعرف كثيراً عن حياة القرويين الذين يستأجرون عقاراته المختلفة الواقعة أسفل الجبل، والتي يديرها هدايت، مساعده الخاص. لا يعرف ظروف عائلة إسماعيل وشقيقه حمدي التي تتعرض لخطر الطرد، ولا يكترث أصلاً لمعرفة الأمر، لا يعرف أوضاع شقيقته نيكيلا النفسية التي تعاني من آثار طلاقها، ولا يعرف أي ضرر وأذى عاطفي ونفسي أحدثه بروح زوجته نهال التي ترغب بتركه لكم الانتقادات والإحباط الذي تواجهه منه، ولا يكترث حتى بهدايت، الذي يبدو في أحد المشاهد مثقلاً بحمل أمتعة إيدين وسط عاصفة ثلجية شديدة، غير قادر على التوازن فيما يحملها، منزلقاً بفعل الثلوج، فيما يتبعه إيدين خالي اليدين مرتاحاً منشغلا بكتابه حول المسرح.

قلب إيدين يعيش سباتاً عميقاً يمنعه من الإحساس بالآخرين، ويجعله يناقش في مقالاته افتقاد الحس الجمالي في قرى الأناضول، غير مكترث لأن تلك القرى لا تجد أبسط احتياجاتها الإنسانية.

يكشف الفيلم عن ذلك السبات عبر لقاء إيدين بثلاث شخصيات، إلياس الفتى الصغير، الغاضب من إيدين، المتسبب عبر هدايت، في التهديد بطرده وأسرته من منزلهم، والإلقاء بهم إلى الشارع لعدم تمكنهم من دفع إيجار شهور عديدة.

والشخصية الثانية هي نهال، زوجته التي تصغره بكثير والتي تفضّل الانخراط في جمع التبرعات للأعمال الخيرية في القرى المجاورة، لكنها تواجه بالسخرية والانتقادات والتشكيك في قدرتها من قبل إيدين. أما الشخصية الثالثة فهي ليست سوى حصان بري أراد إيدين اقتناءه ليسمح لزوار فندقه بالتنزه عليه في فصل الربيع حين يبدأ موسم السياحة.

ولأن لا أحد يحب إيدين، يرفض الفتى الاعتذار منه، ويقع مغشياً عليه حين يجبره عمه، حمدي، على ذلك، وترفض نهال أي تبرع أو مساعدة منه بل وحتى تحذيراته من الآخرين، وهو الذي قتل بداخلها الكثير من الأمور طوال سنوات، وأخيراً يرفض الحصان البري أن يروضه إيدين.

وإلى جانب ذلك، ترفضه شقيقته وتتهمه بالانعزال واللامبالاة بالآخرين، حين يثير حفيظتها بتخصيصه أحد مقالاته لانتقاد حمدي، عم الفتى إلياس، الذي يتجشم عناء السير من القرية إلى فندق إيدين، لأيام متتالية، في محاولة للقائه، فقط من أجل تقديم اعتذار بشأن حادث كسر زجاج السيارة الذي تسبب فيه الفتى. ينتقد إيدين الرجل ويتهمه بأنه لا يقدم نموذجاً جيداً لمجتمعه.

من جانب آخر، تندلع بينه وبين نهال، محاورة فيها كثير من الكشف لجروح عاطفية أحدثها في نفسها عبر سنوات طويلة. نهال التي تسعى لإعطاء حياتها الخالية مع إيدين، معنى بتفرغها لحملات جمع التبرعات للأعمال الخيرية، تواجه من قبل إيدين الذي لا يتحمس لمشروعاتها، بكثير من السلبية والتحبيط، فهو لا يكتفي بألا يظهر الاهتمام بمثل هذا النشاط، لكنه يحبطها بانتقادها بعدم اكتسابها لأي خبرة في إدارة مثل هذه الأمور، محذراً إياها من الآخرين ممن تعامل معهم.

لا يعتذر الفتى لإيدين، ولا تقبل نهال أي وصاية عاطفية منه، وتتبرع بالمبلغ الكبير الذي تبرع به لحملتها الخيرية لأسرة إسماعيل وحمدي وإلياس، ويعود الحصان إلى البرية ثانية.

يترك إيدين الحرية لنهال في أن ترحل من حياتهما، ويطلق الحصان، ويلغي سفره إلى إسطنبول. لكنه في مشهد أخير، يعود إلى المنزل، تحدق فيه نهال من نافذتها بصمت، ونسمعه يقول بأنه لا يمكن أن يعيش من دونها حتى وإن لم تعد تحبه.

يؤخذ على الفيلم طول مشاهده وتضمينها حوارات طويلة، اتخذ بعضها طابعاً فلسفياً، وهي على رغم أهميتها في تفكيك شخصيات الفيلم، والكشف عن تفاصيل نفوسها ودواخلها، إلا أنها قسّمت آراء النقاد حول جودة الفيلم، فمنهم من وجد أنها تسببت في ملل المشاهد وتطويل مدة عرض الفيلم، فيما وجد آخرون ذلك ذكاء من المخرج نوري بيلج سيلان الذي أخذ العمل السينمائي لما وراء الحدود المتوقعة من قبل مشاهديه، ليسرد تماماً تفاصيل ما يمكن أن يحدث حين تذهب قلوبنا في سبات. في المقابل، لا يمكن أبداً تجاهل الصورة السينمائية الأخاذة ومواقع التصوير الرائعة التي اختارها المخرج مسرحاً للفيلم.

يشار إلى أن الفيلم مأخوذ عن قصة قصيرة بعنوان «الزوجة» The Wife للكاتب الروسي انتون تشيخوف المعروف بكتابته للقصص القصيرة والمسرحيات. وإضافة إلى فوزه بسعفة مهرجان كان، منحه المهرجان نفسه جائزة فيبرسكي، كما اختير ليمثل تركيا في الدورة 78 لحفل الأوسكار ضمن قائمة أفضل فيلم أجنبي، ولكنه لم يصل للقائمة النهائية لهذه الجائزة.

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم
نهال في لقطة من الفيلم
نهال في لقطة من الفيلم




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 8:46 ص

      طرح رائع..
      سرد سريع للأحداث....خسارة..
      ما مداني أستمتع واندمج كفاية..
      كنت أتمنى يكون في شوية غموض بالأحداث..
      امممم..
      الأسئلة بالبداية مهمة جداً..
      تخلق نوع من التساؤل بين القارئ ونفسه..
      اتوقع تحتاج مقال لوحده..
      رأي الكاتب لم يأخذ مساحته الكافية ..

      في النهاية .. إبداع..
      سلمت أناملك..

اقرأ ايضاً