العدد 4972 - الأحد 17 أبريل 2016م الموافق 10 رجب 1437هـ

عن السجن والسجين في الإسلام (1 – 2)

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أحد عشر مليون سجين في العالم! هذا ما قاله تقرير للمركز الدولي لأبحاث السياسات الجنائية. وإذا ما أردنا الحقيقة، فإن تداعيات ذلك الرقم على السجناء يجعل من المشكلة أكبر بكثير إذا ما ضُمَّت إلى تلك التداعيات عائلاتهم من زوجات وأبناء وآباء وأمهات.

لكن تبقى هذه الأمور من التبعات اللامباشرة للقضية أقلّ اهتماماً إذا ما قُورِنت بما يهم المنظمات الحقوقية والهيئات القضائية وهي طريقة التعامل مع هذا الملف حقوقياً وإنسانياً. فكثير من السجون، وبالتحديد في العالم الثالث، لا تحظى برعاية كافية، كون الثقافة السائدة لدى العديد من أنظمة الحكم هي الثأر إن كان السجناء سياسيين عبر سوء المعاملة من تعذيب جسدي ونفسي، أو الإهمال إن كانوا جنائيين، وكأن هؤلاء رقمٌ زائدٌ على وزن الشعوب والأوطان.

في هذا الاستعراض، أحاول تناول مسألة الحقوق الأساسية للسجناء اعتماداً على العديد من المصادر الفقهية والقانونية والتاريخية التي كُتِبَت في هذا المجال من قِبَل الفقهاء والباحثين. وقد آثرنا الاعتماد على هذا الجانب من المصادر، وليس على المبادئ الوضعية نظراً لما يشكله الدِّين من تأثير، وحجّة على الكثير من الناس، الذين قد يأنفون من أن يستمعوا إلى ما قررته القوانين الحديثة من تشريعات في هذا المجال.

مدخل تاريخي: عَرَفَت البشرية السجون منذ القِدَم. ومما سُجِّل في المصادر أن ذلك كان قبل الميلاد بـ 3000 عام. فدُوِّنت كتابات في القوانين الحمورابية في العراق (1750 ق.م) والحورمحبية الفرعونية في مصر (1330 ق.م) والمانوية في الهند (1280 ق.م) والدراكونية في اليونان (621 ق.م) ثم عند الرومان (451 ق.م). وقد ذكر الحِمْيَري في «الروض المعطار» عن مدينة غدامس الواقعة في الصحراء، أن بها «دواميس وكهوف كانت سجوناً للملكة الكاهنة التي كانت بإفريقية» تدلّ على طبيعة السجون في غابر الأزمان.

ومع مجيء الإسلام لم تكن أمور السجون واضحةً تماماً. لذلك كان السجناء يُسجنون في المسجد النبوي ومنهم أبو لبابة وثمامة بن أثال الحنفي مثلما يذكر المؤرخون. كما كان الرسول (ص) يحبس السجناء «في الدور الاعتيادية التي يسكنها سائر الناس، ويتوفر فيها النور والسعة، فقد حبس الأسرى المقاتلين الذين حُكْمُهم القتل في دور اعتيادية، إذ فرقهم على بيوت الصحابة، وأحياناً كان يحبسهم في دار واحدة، كما حبسهم في دار امرأةٍ من بني النجار» مثلما ذكر ذلك الطبسي في الموجز.

وهو ما يعني أن مكان الاحتجاز في تلك الفترة كان يتمتع بالسِّعة وحرية التنقل بين الأمكنة، ولا يوضع السجين في غرفة مُحكَمة في أحد جدرانها القضبان الحديدية. وقد قال ابن تيمية وابن القيّم في توصيف طبيعة السَّجن: «ليس الحبس الشرعي هو السجن في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص سواء كان في بيت أو مسجد».

وقد جاء أن أوّل مَنْ بنى سجناً هو الإمام علي بن أبي طالب في الكوفة والبصرة وسمّاه نافعاً وآخر سمّاه مخيِّساً. لكن مما ورد أن الخليفة عمر بن الخطاب اشترى داراً خلف دار الندوة عبر عامله في مكة وهو نافع بن الحارث بـ 4000 درهم من صفوان بن أمية واتخذها سجناً دائماً، لكن مَالَ الكثير من المؤرخين إلى أنه (أي عمر بن الخطاب) استمرّ في حبس السجناء في البيوت والدهاليز والمسجد.

حقوق المسجونين: اشتملت النصوص والروايات على الكثير من الحقوق التي قرّرها الإسلام للسجناء، ومنها الإفراج المؤقت عنهم لأداء العبادات والمناسبات الدينية. فمما جاء في ظروف السجون في تلك الحقبة هو أن الإمام علي بن أبي طالب كان يُخرِج المسجونين «يوم الجمعة إلى الجمعة، ويوم العيد إلى العيد، فيرسل معهم، فإذا قضوا الصلاة والعيد ردّهم إلى السجن».

ومن الأشياء الأخرى التي قرَّرها الدِّين هو حق السجين في الالتقاء بزوجته سواء للزيارة أو للخلوة الشرعية. فقد ورد أن امرأة «استَعْدَتْ علياَ على زوجها، فأمر عليٌ بحبسه، وذلك لأن الزوج لا ينفق عليها إضراراً، فقال الزوج: احبسها معي، فقال عليٌ لك ذلك، انطلقي معه لا عليك أحداً» وذلك لسدّ الحاجة الجنسية له، وعدم حرمانه من حقٍ أصيلٍ من حاجات الجسم والطبيعة البشرية.

وقد ذكر عبد الرزاق نقلاً عن عمر بن عبد العزيز أنه قال في هذا الأمر المتعلق بالسجين: «واجعلوا أهله قريباً منه». وجاء في كتاب النهر وعن أبي حنيفة: «وإذا احتاج الجماع دخلت عليه زوجته». وقد عدّد البريشي آراء الأحناف والمالكية والشافعية تبعاً لمصادر عدة كابن نجيم والمواق والنووي وكما جاء في الجوهرة النيرة. ويمكن الاستزادة في هذا الأمر من دراسة الدكتور عبد الحفيظ أبو حميدة التي كتبها خصيصاً في تأصيل حق السجين تأصيلاً شرعياً في الخلوة الشرعية كما يسمّيها.

والحقيقة أن هناك تأصيلاً شرعياً أعم في مسألة زيارة الآخرين للسجناء. حيث جاء أنه لا يُمنَع المحبوس من دخول أهله وجيرانه وأصدقائه للسلام عليه، وكذلك جعله على اتصال دائم مع الآخرين خارج السجن، وحريته في أن يخرج لعيادة مريض من أقربائه أو حضور جنازة، وقدرته على معرفة ما يدور من أحداث في الخارج، فضلاً عن قدرته على البيع والشراء والإجارة والإقرار والخلع والرهن والدعوى والشهادة والصلح والهبة وغيرها، وإخراجه من السجن كي يقوم بكل ذلك مثلما ورد.

وقد لجأ البعض في السابق إلى حبس السجناء في بيوتهم أو ما يُسمّى اليوم بالإقامة الجبرية، لكن مع عدم قطع الصلة بهم كي لا يخسروا تأييدهم إن كانوا من الزعامات وأهل الحظوة الاجتماعية. حدث هذا مع عمران بن عبدالرحمن بن شرحبيل وماسويه أبو يوحنا وحنين بن إسحاق. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 4972 - الأحد 17 أبريل 2016م الموافق 10 رجب 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 6:53 ص

      مقال ممتاز

    • زائر 4 | 4:33 ص

      اللهم فرج عن معتقلينا المظلومين يارب العالمين وفرج عن شعب البحرين ...

    • زائر 3 | 3:16 ص

      مشروعية العقوبة

      ما هو الأصل التشريعي لعقوبة السجن في الإسلام ؟

    • زائر 2 | 3:02 ص

      علي عليه السلام يأمر بالعفو عن قاتله

      علي يأمر بالعفو عن قاتله ، و في رواية انه قال : أطيبوا طعامه ، و ألينوا فراشه . .
      فهل هذه أريحية وجود ، أو رحمة و رأفة ؟ كلا ، انها رغبة في الجزاء الأكبر ،
      و الثواب الأوفر ، لأن العفو أقرب للتقوى ، و التقوى مثل الإمام الأعلى ، و لذا قال ، و هو فرح باستشهاده بين يدي اللّه : فزت و رب الكعبة

    • زائر 1 | 10:58 م

      أين العالم الإسلامي من الدين السمح

      للأسف إننا نجد الإسلام عند الغرب وفي عالمنا ..............؟

اقرأ ايضاً